طباعة هذه الصفحة

مهام تتجاوز البعد الأمني

الجيش الوطني الشعبي ركيزة استدامة السلم والاستقرار

حمزة محصول

إضافة إلى الجهد السياسي والدبلوماسي الذي يبرز أهمية المصالحة الوطنية كأنموذج دولي لتسوية الأزمات،  يعتبر الجيش الوطني الشعبي قوة ردع باهرة وركيزة ضامنة لاستدامة السلم والأمن في الداخل وفي منطقتي شمال إفريقيا  والساحل الإفريقي.


أصبحت قيم التسامح والتصالح مورثا حضاريا للشعب الجزائري وآلية وطنية سامية لتجاوز كل منابع الغضب بشكل عزز دولة الحق والقانون وقوى الوحدة الوطنية.
وتكفلت الدبلوماسية الجزائرية، بتقاسم التجربة الجزائرية في المصالحة الوطنية وهندسة السلم والأمن، وأبرزت على مستوى المحافل الدولية كل الجهود التي تقاطعت مع بعضها البعض لتكون العناصر الأساسية للسلام المستدام.
وأصدرت وزارة الخارجية، «دليل الجزائر» في مكافحة التطرف والتطرف العنيف، لخص الطرق التي أدت في النهاية إلى تحقيق انجازات صار لها صيت دولي مثير للانتباه.
وإلى جانب الحوار وانخراط المؤسسات الدينية والدستورية والمواعيد الانتخابية المكرسة للديمقراطية التي تبنى عليها كل عملية سلمية، لعبت المؤسسة العسكرية الجزائرية دورا جوهريا في التأسيس لإعادة السلم والأمن والحرص الدقيق على استمراريته كمكسب وطني غير قابل للتنازل.
وبذل الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية،  عملا مضنيا، من أجل حماية الشعب الجزائر خلال العشرية السوداء ومنع انهيار الدولة وضمان استعاد الأمن بعد مسار سياسي قاده رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والحفاظ عليه من خلال قوة الردع (التي لا تعني خوض حرب) والعقيدة القتالية التي تحترم سيادة الدول وتعمل على مساعدتها في استعادة أمنها.
وتبنى الجيش الوطني استراتيجية، زاوجت بين إعطاء الفرصة لليد الممدودة، والضرب بيد من حديد كل منابع الإرهاب  في كافة أقطار الوطن، مع الشروع في تنفيذ «ثورة عصرنة المؤسسة وبولوغها مصاف عليا من الاحترافية».

تعدد المهام

وبعد الانتصار الكبير على الإرهاب، ومطاردة بقاياه في المغارات الضيقة، استمرت  مهام الجيش الوطني الشعبي في مكافحة الجريمة المنظمة دون هوادة، إلى جانب لعب دور حجر الزاوية في الأمن واستقرار.
ولا يمر يوم، إلا وتعلن وزارة الدفاع الوطني، عن القضاء على إرهابي أو أكثر، وتسليم آخرين-فرادى أو مع عائلاتهم- أنفسهم  للسلطات الأمنية بالنواحي الست، وأصبح الموقع الالكتروني للوزارة من أكثر المواقع إطلاعا لاستقاء المعلومة الأمنية، وفي النصف الأول من سنة 2018 فقط  تجاوز عدد الإرهابيين المقضى عليهم عتبة الـ100 إرهابي.
وسمح الانتقال من محاربة الإرهاب إلى تجفيف منابعه، باستعادة السكينة والأمان لكل القرى والمداشر، وبات «الحديث عن انخراط الريف الجزائري في التنمية الاقتصادية» ذو معنى حقيقي على أرض الواقع.
أنشطة الجيش في حماية الشعب الجزائري، امتدت بشكل قوي إلى مكافحة الجريمة المنظمة، من خلال تفكيك شبكات التهريب والاتجار بالمخدرات في الجهات الأربع للوطن، حيث تمكنت فرقة تابعة للقوات البحرية في 30 ماي 2018، من إحباط إدخال 701 كيلوغرام من الكوكايين عبر ميناء وهران.
وتحبط المؤسسة العسكرية بشكل يومي إدخال أطنان المخدرات والأسلحة عبر الحدود الجنوبية الشاسعة، كما تحمي الثروات الوطنية الباطنية من خلال محاربة المنقبين عن الذهب والمعادن النفيسة بطريقة غير شرعية، ومنع تهريب الوقود عبر الحدود.
وبفضل هذه الجهود، ظل الجنوب الجزائري لوحة فنية طبيعية مفتوحة للسواح الأجانب والجزائريين ويقدم مداخلي للخزينة العمومية ولو بالنزر القليل.

التلاحم الشعبي

في 04 أوت 2018، تسببت الأمطار الموسمية في فيضانات بدائرة عين قزام  أقصى جنوب البلاد، وأول عملية إغاثة قدمت للسكان كانت من أفراد الجيش الوطني الشعبي مثلما يفعلون دائما في ولايات أخرى شمالية خلال العواصف الثلجية في الشتاء من خلال فك عزلة وإيصال المساعدات الغذائية بتسخير العتاد اللوجيستي كالمروحيات.
وتقدم الجزائر أنموذجا فريدا في التلاحم الشعبي بين الجيش والمواطنين، حيث صنعت صور  خروج المواطنين إلى الشارع ليلا صيف 2017، ببلدية بوقرة بولاية البليدة لتحية أفراد الجيش بعد قضائهم على إرهابيين خطيرين، الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلتها مختلف القنوات والمواقع الدولية.
وفي ظل الجوار الإقليمي الملتهب ورغم التقارير الإعلامية التي تتحدث دوريا عن تهديدات إرهابية قريبة من الحدود، تتبنى القيادة العليا للجيش خطابا «ثقة عالية وطمأنة» للمواطنين.
وفي هذا الصدد أكد نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، خلال زيارته للأكاديمية العسكرية لشرشال هواري بومدين في 30 جوان 2018 «لا خوف على الجزائر ولا على مستقبلها مهما اشتدت التحديات والرهانات».
وأضاف في كلمته «إن ما عجز الاستعمار عن تحقيقه فى أرض الجزائر، لم ولن يصل إليه غيره»، مشددا على أن « أمجاد الشعب وملاحم الثورة  تبعث على الاعتزاز، والتحفيز ليس فقط على حماية هذه الأرض الطيبة، بل الاندفاع نحو نيل شرف المساهمة في كتابة راهن هذا التاريخ ورسم مستقبله الواعد».
وهي رسالة واضحة على دور الجيش في مرافقة مكتسبات الأمن والاستقرار من خلال تثمنيها والحفاظ عليها.

العقيدة القتالية والجوار الإقليمي

لم تستغ كثير من الدول، العقيدة القتالية للجيش الجزائري التي تضع « القتال خارج حدود الوطن» خطا أحمر.
ويكفي فهم الاستراتيجية العسكرية للجزائر، عند التمعن في تشكيلات الأسطول البحري المتطور جدا، فإمكانها الحصول حتى على سفن هجومية كحاملات الطائرات، لكنها تفضل أن تكون قوة إقليمية دفاعية في حوض المتوسط.
وأرادت دول الساحل الإفريقي على سبيل المثال، انخراط جيش الجزائر في الأزمات التي نشبت في المنطقة وتجاوز «قصة الحدود وسيادة الدول»، بل وعملت قوى دولية كبرى بشتى الطرق كالضغط والتآمر على جر الجزائر لمستنقع اللااستقرار الذي ساهمت في خلقه بتدخلات عسكرية لا مسؤولة.
 وربما فهمت هذه الدول في النهاية أن الجزائر تستند إلى «مبدأ» وليس «إلى تحولات ظرفية وفق المصلحة الخارجية الضيقة»، وأنها تقدس «سيادة الدول وتساعدها على تطوير قدرات التسوية السلمية للأزمات داخليا بعيدا عن الأجندات الأجنبية».
وليس من المبالغة القول، بأن حصيلة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة على امتداد أزيد من 5000 كلم من الحدود الجنوبية تفوق بكثير حصيلة القوات الدولية وعملية برخان الفرنسية في الساحل الإفريقي.
ويكفي التذكير بأن سنة 2017 عرفت زيادة التهديدات الأمنية في شمال مالي، أين تتمركز القوات الأممية وعملية برخان بأكثر من 150 بالمائة، مقارنة بـ2016،  بينما لم تسجل عمليات إرهابية بالجنوب الجزائري منذ 2013، وعلى العكس من ذلك حققت نتائج باهرة في القضاء على الإرهابيين أو تسليمهم لأنفسهم بالعشرات.
وتقلص الجزائر حجم التهديدات على دول الجوار خاصة مالي والنيجر وموريتانيا من خلال المراقبة الدائمة والنشيطة للحدود، إذ تمنع وصول شحنات الأسلحة وأموال المخدرات، وبالتالي تسهم بشكل حثيث في تصدير السلم والأمن لهذه الدول.
ويرى مدير المدرسة العليا للعلوم السياسية د.مصطفى صايج أن « العقيدة العسكرية الجزائرية تتبنى المقاربة الشاملة للدبلوماسية الجزائرية القائمة على مبادىء القانون الدولي والشرعية الدولية ، من حيث احترام السيادة الوطنية الدول، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتغليب خيارات السلم في إدارة النزاعات الإقليمية والدولية بما يقتضيه الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة»
وأضاف في حديث لـ»الشعب» إن «الخيارات العسكرية الإستراتيجية التي تقوم عليها العقيدة العسكرية الجزائرية تنبع أساسا من بعدين أساسيين متكاملين، أولا، الإرث التاريخي والحضاري للثورة الجزائرية باعتبارها ثورة تحريرية رافضة لكل أنواع التدخلات العسكرية الأجنبية اما البعد الثاني فيقوم على التعاون الأمني الإقليمي مع دول الجوار بما يخدم استراتيجية الامن الإقليمي وفق مبدأ تقاسم الأعباء الأمنية لمحاربة الإرهاب العابر للحدود وكل أشكال الجريمة المنظمة».
واستدل على البعد الثاني  « بتجربة دول الميدان الأربعة باحتضان قيادة الأركان المشتركة لكل من الجزائر، موريتانيا ، مالي والنيجر».
وقال صايج أن الجزائر التي حذرت مرارا من النتائج الوخيمة للتدخل العسكري الأجنبي في المنطقة  استطاعت التكيف مع الوضع من «خلال الانتشار الاستراتيجي على الحدود ومنع انتقال الفوضى إلى الداخل ومساعدة دول الجوار من ليبيا إلى مالي من تمركز الجماعات الإرهابية وتقويض قدراتها».
وتنخرط مؤسسة الجيش في العمل التضامني الإنساني مع دول الجوار، حيث تسخر طائراتها العسكرية لنقل المساعدات الإنسانية لهذه البلدان، كما تخصصها أيضا لمساعدة المهاجرين واللاجئين الأفارقة على العودة إلى ديارهم بطلب من حكوماتهم.