طباعة هذه الصفحة

مراجعات

أسئلة القرن؟... ماذا أعددنا للقرن الواحد والعشرين؟

كتبه: حبيب مونسي

من سنن الله في خلقه، أن جعل الأزمنة في حياة الناس أياما، وأسابيع، وشهورا، وسنوات، وقرونا، وجعل مواعيدها تتكرر بحسب قيمتها الوقتية، فاليوم يدار على أخيه اليوم، والأسبوع على مثيله، والشهر على صنوه، والعام على حوله، والقرن يدور على نفسه ليكتمل به من عمر الناس دهرٌ واحدٌ، يكون فيه الزمن قد حمل من الأحداث ما تراكم على بعضه، فشكل كتلة يتداخل فيها الحسن والرديء، والغالي والرخيص، والنبيل والفج، ومن فضلات التاريخ ما يتعاقد إلى حد يصعب معه إيجاد كيفيات لبسطه وتشريحه، أوآخر لتجاوزه والتخلص منه. لأن جرجرة هذه الحمولة إلى قرن لاحق، يشبه إلى حد بعيد جرجرة أثقال القيود الحديدية التي توضع في الأيدي، والأرجل، والرقاب.. فكان من سنة الله عز وجل، أن يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمر دينها.. فقد روى الصحابي الجليل أبوهريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا. رواه أبوداود (رقم/4291) وصححه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (149)، والألباني في «السلسلة الصحيحة» (رقم/599).  والملفت في هذا الحديث، كلمة «يُجدِّد» وكأن لفظ «الدين»  هنا، محمول على فهم الناس للإسلام، وتديُّنِهم به.. ومن ثم يتراكم في طريقهم التعبدي، ما يجعل الحركة في هذا الدين بطيئة مثقلة بما يرسب فيها من تعارض، وتدابر، وتناحر. وما يحثل في مشاربها من أفكار وسلوك.. فيأتي هذا المجدد ليعيد طرح أسئلة «الدين» الحق، دين الفطرة، من جديد، وعلى أساسها تُبنى إجابات توافق القرن الجديد وتخدم طبيعته وتحدياته. فلا يمكن أن نتصور أننا سنستمر في إعمار هذا القرن، ونحن نحمل في أذهاننا أسئلة وأوزار قرن مضى وتولى، وبين أيدينا من الله إشارة واضحة إلى ضرورة التجديد على جميع الأصعدة..
قد يفهم القارئ أن «التجديد» معناه إعادة النظر في «الدين» أبدا.. بل إعادة النظر في فهمنا للدين.. في طريقة تديُّننا بهذا الدين.. في طريقة إنشاء حضارتنا على أساس هذا الدين.. في طريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع غيرنا استنادا إلى هذا الدين.. وحينما نفتح هذه الأسئلة لا نريدها أن تكون في حقل الدين وحده – وإن كنا نرى ونعتقد أن الدين شامل للحياة، ولا شيء يقع خارجه - وإنما نريدها أن تكون في كافة الحقول التي نبني عليها تصورنا للحضارة التي نريد الانتماء إليها صدقا وعدلا، أدبا وفنا، وأخلاقا واقتصادا وعلوما.. فالأمة التي لا تعيد طرح أسئلتها مع مطلع كل قرن، أمة تعيد «تدوير» أحمالها، وأوزارها، وأثقالها، وأخطائها، وضغائنها... التي تجرجرها من قرون.. والغريب.. نحن نفعل ذلك منذ أربعة عشر قرنا ولا نزال بلا كلال ولا ملال.. وفي أيدينا هذا القول الثوري المشع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟