طباعة هذه الصفحة

فك الارتباط بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي

«لندن» تسترجع سيادة قرارها وتتخلص من التبعية لـ «بروكسل»

جمال أوكيلي

تتسارع الأحداث بشكل ملفت للانتباه في بريطانيا تجاه ملف «البريكست» تعجّل بالانسحاب الفوري لهذا البلد من الاتحاد الأوروبي لا يتعدى أجاله ٢٩ مارس ٢٠١٩، ليفك الارتباط رسميا مع إطار «سياسي واقتصادي» كلفه متاعب جمة في كيفية تسيير شؤون القارة العجوز وهذا خلال القمة المرتقبة يوم ٢٥ نوفمبر للمصادقة النهائية على مسودة المشروع.
مسار خروج بريطانيا من فضاء «الحديد والصلب» والتي كانت أحد مؤسيسه في المنتصف الثاني من الخمسينات اتسم بالصعوبة والتعقيد إن لم نقل بالتعجيز نظرا لعدم وجود حالة ملموسة في تاريخ الاتحاد بالرغم من من منفذ المادة ٥٠ من اتفاقية لشبونة إلا أن الواقع أو التطبيق مسألة أخرى لا تمت بصلة لما يصرح به السياسيون بدليل أن الاستفتاء جرى في ٢٣ يونيو ٢٠١٦ قرابة السنتين ان العمل منصبا على إيجاد الآليات التي تسمح بخروج مشرف لا يضر بمصالح هذا البلد بشكل مباشر في قضايا حساسة أدرجتها تيريزا ماي في استرجاع السيطرة على صياغة القوانين، الأموال، والحدود « هذا ما يعني ضمنيا بأن بريطانيا لم تكن تمتلك هذا القرار الذي كان بحوزة إدارة بروكسل.
حدّة الخلاف بلغ أشده، عندما وافق مجلس الوزراء على الوثيقة الأولية بعد ٥ ساعات من النقاش الثري أدى إلى انسحاب ٤ وزراء أبدوا تخوفات من التداعيات الناجمة عن مثل هذه المصادقة ظهرت في حساب التويتر لكل واحد عبر مضمون رسائل الاستقالة محذرين من عزل بريطانيا وحرمانها من حقوقها التاريخية السياسية والاقتصادية لم يطالبوا بالبقاء في الاتحاد وإنما أصروا على تغيير محتوى المسودة بالشكل التي تكون في صالح بلدهم.
والوزراء الأكثر متابعة لما يجري هما شايليش فارا المكلف بشؤون إرلندا الشمالية، ودومينك راب المكلف بالبريكست وسويلا بريفرمان بريفرمان شؤون بريكست، وأخيرا إيسترماكفي العمل ومعاشات التقاعد.
ولم تنج ماي من محاولة الزعزعة وإدخالها في أزمة سياسية قوية ومؤثرة عندما طالب النائب جاكوب ريس من المحافظين بسحب الثقة منها ومن جهتها رفضت رئيسة الوزراء هذه الضغوط جملة وتفصيلا وهكذا قررت تعويض كل من غادر منصبه في أقرب حتى يتم استكمال هذا العمل دون أن تتنكر بأنه كانت هناك تنازلات معتبرة إياها من طبيعة المفاوضات الشاقة والمضنية يمكن التخلي عن أشياء نتاج الانسداد الحاصل. هذا ما أقلق هؤلاء معتقدين بأن تيريزا تركت المسائل الحساسة والشائكة مفتوحة ولم تحسم فيها كنظام التسوية المقترح لايرلندا الشمالية والأداءات الجمركية وغيرها من القضايا المرشحة لأن تطفو إلى السطح أو تثار فيما بعد. بسبب عدم التحكم في سيرورة الملف بالشكل المطلوب في ثناياه الدقيقة، وتفاصيله غير المتوقعة، هذا ما تخوفت منه كل الأصوات المتعالية عقب إشارة الضوء الأخضر، التي تلقتها ماي من مجلس الوزراء تبقى معركة أخرى حامية الوطيس بمجلس العموم.
وهكذا انتقل النزاع من بريطاني - أوروبي ، إلى بريطاني - بريطاني ولا يتعلق الأمر بمبدأ المفصول فيه ألا وهو الخروج النهائي الذي لا رجعة فيه، وإنما ماورد في «المسودة» من نقاط أثارت سخط البعض من الأوساط السياسية المقربة من رئيسة الوزراء أو من المعارضة التي رأت بأن المفاوض البريطاني لم يكن في مستوى القرارالتاريخي القاضي بالانسحاب وتحاشى الصرامة التي اعتاد عليها عندما يجلس مع نظرائه الأوروبيين دفاعا عن مزايا بلده.
وبقراءة متأنية لما جاء على لسان ماي في مجلس العموم يكشف عن حقائق مفادها:
-  استبعاد كامل للطروحات الداعية الى اعادة عملية التصويت وعدم ادراج هذا المطلب في أي رزنامة بريطانية كون الأمر يتعلق بأقلية.
- عدم اضاعة المزيد من الوقت بخصوص الخروج بالسعي حثيثا لطي هذا الملف بشكل نهائي.
- عدم العودة الى نقطة الصفر إنطلاقا من القناعة النفسية الثابتة التي ماتزال قائمة لدى البريطانيين.
- التخلي عن كل المسؤوليات والالتزامات تجاه  ادارة بروكسل خاصة ماتعلق بالمدخلات البريطانية الضخمة التي تذهب الى التقنو قراطيين من الموظفين السامين القابعين في المكاتب الفخمة دون مردود يذكر وهذا بقلب المعادلة.
-  تقوية الأداء البريطاني على أكثر من صعيد، خاصة اقتصاديا وثقافيا وهذا بتعزيز المؤشرات المتعلقة بالنمو التي هي في منحى تصاعدي ناهيك عن عالم اللغة التي تكتسح العالم.
هذه الاستنتاجات الأولية عبرت عنها رئيسة الوزراء صراحة عندما اعتبرت أن الاتفاق يمكن بريطانيا من التحكم في حدودها وقوانينها وأموالها، ويحمي الوظائف، هذه الثلاثية او الرباعية المكشوف عنها كانت دائما محل قلق البريطانيين الذين ترسخ في أذهانهم بأن القيمة المضافة والثروة الصافية المنتحة من قبلهم تذهب الى بلدان أخرى في شكل صيغ تضامنية يرفضها الانكليز رفضا مطلقا.
واستنادا الى ماي فان البريطانيين لا يتحكمون في حدودهم وقوانينهم وأموالهم فيما سبق ومن الآن فصاعدا فإن القرار سيعود الى أصحابه الحقيقيين ولايكون بالمناولة من بلدان أخرى التي كبلت هذا البلد بآليات قانونية صارمة و لا تسمح باتخاذ المبادرة الحرة في هذا الشأن أي التصرف خارج هذا الاطار كل ماينوي القيام به أي بلد عليه استشارة بروكسل وهذا مافتئ يرفضه البريطانيون منذ أمد بعيد لاعتبارات يرونها منطقية في مواقفهم هذه خاصة على الصعيد الشعبي.
وما يريده السياسيون البريطانيون حاليا هو الخروج بأقل الأضرار وبضمانات قوية لاتؤثر عليهم خلال المراحل القادمة لتعود اليهم حدودهم وقوانينهم وأموالهم التي ضيعوها في كل ذلك الهرج الأوروبي وحروبه الدنكيشوتية منذ التأسيس الى يومنا هذا. وستظهر خبايا وخفايا هذا المشروع في غضون الأيام القادمة عقب المصادقة على النسخة النهائية التي قد يعدل أجزاء منها ليعيش هذا البلد مرحلة انتقالية الى غاية مارس ٢٠١٩، تاريخ الخروج النهائي من هذا الاتحاد النموذج الذي بصدد فقدان بريقه.