طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

الهجرة .. بين الصناعة والرفض؟

حمزة محصول
08 جانفي 2019

الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مصمم على بناء الجدار العازل مع المكسيك لمنع دخول المهاجرين إلى بلاده، وهدّد باستخدام كل الصلاحيات بما فيها إعلان حالة الطوارئ لتجاوز الكونغرس وتخصيص الميزانية اللازمة لبنائه.
دول الضفة الشمالية للمتوسط المنضوية في تكتل الإتحاد الأوروبي، تستغرق أياما من التفاوض والشد والجذب، قبل أن تتفق على من يفتح ميناء لسفينة إغاثة على متنها مهاجرون عالقون في البحر.
وكل البلدان التي تنتمي إلى ما تسميه بـ»العالم الحر»، تتخبّط، في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، وهي بصدد تقديم مقترحات وطرح آليات وقوانين تصبّ كلها في قبول قدوم قلة قليلة جدا من المهاجرين على مضض، وهناك دول لا تخفي رفضها المطلق لفكرة استقبال هذه الفئة من سكان المعمورة.
الوحيد ربما الذي يرى في الهجرة غير الشرعية أمرا ايجابيا هو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، فقد وصفها «بالضرورة التي تحتاج للإدارة السليمة»، واعتبر أن تساهم في خلق ملايين الوظائف، لكنه أكد في المقابل أن أعداد المهاجرين في الدول الإفريقية يفوق بكثير من يتواجدون في أوروبا.
كلام غوتيرس يطرح بقوة مسألة تقاسم الأعباء في إدارة هذا الملف الإنساني الشائك، فالظاهر أن أغلب الدول المتقدمة لا تريد مناقشة المسألة من جذورها، لتكون الدول الفقيرة هي الضحية مثلما هو الحال مع قضية المناخ، فالاحتباس الحراري سببه الصناعيون الكبار وتدفع تكلفته إفريقيا وغيرها من مناطق العالم التي تعيش حياة بائسة.
ويرفع المناهضون للمهاجرين درع «الأمن الوطني»، للتعامل مع الظاهرة بمنطق «القوقعة»، أي التزام العزلة وغلق كل منفذ يضع هؤلاء التعساء القادمين على متن قوارب مطاطية أو خشبية مهترئة أمام أعينهم، أو يكتفون بطرح أفكار هشّة كإقامة مراكز إيواء متقدمة للمهاجرين وتجميعهم في دول معينة ثم المساومة بهم كملف لحقوق الإنسان.
المنظمات الحقوقية المهتمة بحقوق المهاجرين واللاجئين، بدورها لا تطرح حلولا عميقة للإدارة السلمية للملف، وتكتفي بإصدار تقارير «قلق» و»انشغال عميق» بشأن وضعية مجموعة معينة من المهاجرين في بلد معين يكون غالبا نقطة عبور بالنسبة لهؤلاء، مما يخلق نوعا من الضغط السياسي غير المبرر على ذلك البلد.
ربما تحتاج قضايا الهجرة غير الشرعية واللجوء، إلى خطاب أكثر صراحة، لأن الاختباء وراء عبارات القيم الإنسانية والأخلاقية التي يتغنى بها العالم الحر، لم يقلل نسب الوفاة في الممرات الخطيرة، ولم يضع حدا لعصابات معروفة تتاجر بالبشر وتقبض عليهم أموالا طائلة، تساوي مداخيل المخدرات والأنشطة الإرهابية.
 لا بد أن يسبق مبدأ «تحديد المسؤوليات»، مبدأ «تقاسم المسؤوليات» في مناقشة الهجرة غير الشرعية، فبطريقة أو بأخرى هناك من يتحمّل مسؤولية الأوضاع التي تدفع الشباب إلى ترك بلدانهم الأصلية التي تعاني من موانع الحياة الكريمة.
الرئيس الأمريكي شعر بالحزن عندما دخل العراق مطلع السنة، سرا وبطائرة مطفأة الأضواء بعدما أنفقت بلاده 7 ترليون دولار في الشرق الأوسط تحت شعار صناعة السلم، ولاشك أن الهجرة غير الشرعية، من نتائج علاقة الغرب بالعالم الثالث، والاستثمار في العسكرة ينتج صناعة رائجة للقوارب والجثث.