طباعة هذه الصفحة

إرتكبوا جريمة ضد الوطن

قضية الحركى مفصول فيها

فتيحة كلواز

متى نملك الشجاعة للحديث عن عيوبنا حتى لا يستغلها غيرنا ليجعل منها ورقة ضغط ومساومة ضد الجزائر، “الحركى” الجانب المظلم للثورة الجزائرية لأنهم باعوا الوطن لصالح السلطة الاستعمارية ،ملف ونقطة استفهام مهمة لدى كل جزائري خاصة مع تسليط الإعلام الفرنسي الضوء عليهم في كل مناسبة وطنية بإظهارهم في صورة المظلوم الذي سلب وطنه قهرا.

«لسنا وزارة الحركى؟؟؟”، هي إجابة وزير المجاهدين الطيب زيتوني عن سؤال حول ملف الحركى  وإن كان ورقة ضغط تستعملها السلطات الفرنسية ضد الجزائر لم افهم سبب العزوف عن الإجابة خاصة وانه ملف مطروح بقوة في الآونة الأخيرة حتى وإن كان -كما قال وزير المجاهدين - شأنا داخليا فرنسيا لاختيارهم فرنسا كوطن جديد لهم لكن لو كانت كذلك لما استعملوهم كورقة إعلامية تسيل في كل مرة الكثير من الحبر، وربما  تسمية الكاتب بيار دوم كتابه “الحركى ...الطابو الأخير” كان راجعا إلى الصمت المطبق على هذا الملف الحساس.
قد تكون حساسيته متعلقة بأشخاص ولدوا جزائريين إلا أنهم اختاروا الجهة التي استعمرت الجزائر وسلبتها سيادتها خاصة وأن البعض منهم شاركوا في تعذيب واغتصاب الجزائريين بكل ما تحملانه الكلمتان من معاني مؤلمة، ولكنها الحقيقة والتاريخ الذي لا يمكن حذف أي حدث منه وإن كان سيئا لأنه جزء من الذاكرة التاريخية للشعوب الذي يصنعه ماضيهم بكل تفاصيله الدقيقة ولن يستطيع الواحد منا المضي إلى المستقبل إن لم يعترف ويتقبل ماضيه لأنه من صنعه، لذلك لا بد من الوقوف مع الذات للتحدث بصراحة أن الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد بلد حَارَ في ثورته العالم بأسره لكن لا يعني ذلك أنها لم تلد الحركى أو الخونة فهم وعبر التاريخ الإنساني كله - منذ أن قتل هابيل قابيل- متواجدون بل في بعض الأحيان يصنعون المنعرج التاريخي للأمم.
 لكن – وهنا أتحدث مع كل شخص يرفض الحديث عن هذا الملف الحساس- في الجزائر لم يستطع الخونة قلب المعادلة التاريخية بل جرائمهم البشعة ضد وطنهم كانت من بين الأسباب في تشبُث الجزائريين الأحرار على بساطتهم بـ«الجزائر الحرة المستقلة” لان الحركى أعطوهم درسا واقعيا في مآل كل شخص يبيع وطنه لأنه وبكل وضوح يتحول إلى مسخ إنساني يقتل أمه أو يغتصبها دون أي تردد،..يا الهي كيف لمثل هؤلاء أن يتجرؤوا على طلب العودة إلى الأرض التي خانوها وباعوها ولا نملك نحن من كان آباؤنا وأجدادنا مجاهدين وشهداء -و حتى نحن جيل الاستقلال عقدنا العزم على مواصلة ما بدؤوه - مواجهتهم و التكلم بكل صراحة عنهم؟؟؟.
لا يجب أن يكون الهمس صوت كل من يتكلم عن الحركى لأننا نؤمن كمجتمع أنهم باعوا “بلا ندامة “ كما يقال في المثل الشعبي لذلك ذهبوا -بالنسبة لنا- بلا رجعة، فالأمر واضح  و القضية مفصول فيها ولا لبس فيه، فعلينا إذا ألاَّ نترك ثغرات يدخل منها البعض لتشويه تاريخنا قد يطال أسماء مهمة ممن صنعوا تاريخ الجزائر المجيد، ولعل الصمت والهروب إلى الزاوية هو من يعطي البعض القوة في التشكيك في وطنية الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية، ..هي “خزعبلات” تاريخية لا بد من الوقوف في وجهها لأن الأجيال القادمة لا تملك حظ سماع أو الاحتكاك بمن عايشوا الفترة الاستعمارية.
العبثية التي نشاهدها هنا وهناك تستوجب علينا مواجهة كل ما يحاك ضد الجزائر وتاريخها، فضرب القدوة التاريخية للجزائريين سيكون له وقع مدمر على الأجيال القادمة، فما نسمعه ونراه في مختلف القنوات التلفزيونية يحتم علينا الخروج من قوقعتنا لمواجهة تحديات عصر اختلفت أسلحته وإن أردنا الحفاظ على خصوصيتنا التاريخية علينا أن نعيها جيدا بكل ما فيها من أحداث وتفاصيل.
علينا فقط أن نؤمن أن الخونة الذين قتلتهم الثورة التحريرية ولنا في تلك اللقطة التي صورها الفيلم الأسطورة “معركة الجزائر” عندما قال “علي لابوانت” للخائن “الجبهة حكمت عليك بالموت” هو دليل على فطنة قادة الثورة التحريرية إلى ضرورة التعامل مع “الحركى” بصرامة، لان السكوت عليهم سيجعل منهم في الجهة المقابلة أبطالا، تلك الحنكة السياسية في إزالة أي شوائب تدور حول ثورة الأحرار هي عظمة من صنعوها لأنهم تعاملوا مع كل تفاصيل الواقع بسلبياته وايجابياته لإيمانهم الراسخ أن الطبيعة لا تقبل الفراغ.