طباعة هذه الصفحة

التحوّل الاقتصادي خيار حتمي

صياغة ورقة طريق منسجمة ضمن رؤية إستراتيجية بأهداف دقيقة

سعيد بن عياد

الطاقات الجديدة والمتجدّدة  تشكل قاطرة المرحلة المقبلة

يحتفي الاتحاد العام للعمال الجزائريين بذكرى تأسيسه 63 في احتفالات رسمية تحتضنها اليوم ولاية أدرار، وتقام في كامل ولايات الوطن بما فيها العاصمة التي جند لها العمال لاستذكار محطة هامة من ميلاد أكبر تنظيم نقابي في الجزائر، علما أن الذكرى مزدوجة وتتزامن كذلك مع تأميم المحروقات، وفي هذه الذكرى التي تكتسي أهمية تحدث عمار تاكجوت عن أهم الأشواط التي قطعها الإتحاد العام للعمال الجزائريين في مساره الطويل في نضاله النقابي وكذا التحديات التي تواجهه في الوقت الراهن، وأهم الملفات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والمهني للعمال، التي يعكف على إعدادها من أجل اقتراحها وطرحها على طاولة التفاوض.

لا يزال مسار التحول الاقتصادي يتطلب تنمية لمختلف جوانبه، بحيث يتم ترسيخ قناعة لدى المنظومة الاقتصادية قاطبة بأن الانتقال من حالة التبعية لريع المحروقات التي تتراجع منذ أن القت تداعيات الصدمة المالية الخارجية بظلالها على المشهد، إلى حالة تحقيق النمو بإنتاج الثروة والقيمة المضافة خارج النفط والغاز.
إن رفع التحدي لا يقع على عاتق قطاع لوحده وإنما يشمل كافة القطاعات الإنتاجية بالأساس، التي تتحرك وفقا لورقة طريق منسجمة ومتكاملة، ضمن رؤية إستراتيجية بأهداف دقيقة مطابقة للإمكانيات المتوفرة في السوق، من حيث الاستثمار والإنتاج.
لقد أظهرت المرحلة الأخيرة من خلال عمليات محتشمة لبناء نموذج جديد يقوم على اقتصاد إنتاجي ومتنوع، وجود طاقات وقدرات تؤسس لانجاز مسار التحول، كما بينته سلسلة معارض بإفريقيا وأسواق بأوروبا وفي الوطن العربي، جسدت فيها المؤسسات الجزائرية بوادر ايجابية في هذا الاتجاه.

الطاقة قاطرة

منذ أيام فقط تم، على مستوى المجلس الشعبي الوطني، بعث مسار الرهان على خيار الطاقة النووية السلمية كدعامة للتحول الطاقوي، قصد تدارك التوجهات السلبية لأسواق الطاقة التقليدية، التي تخضع لمعادلة أسعار غير ملائمة ولا تفي بالغرض في مجال تأمين السيولة المالية لتمويل التنمية المستدامة.
 في انتظار تجسيد هذا البديل من خلال إرساء البنية القاعدية العلمية بتحديث الجانب القائم حاليا منها،  وتأهيل العنصر البشري المطلوب بالنظر لحساسية الملف وشروطه الصارمة خاصة من جانب الأمن والسلامة، تبقى الطاقات الجديدة والمتجددة وأولها الشمسية التي تشكل قاطرة المرحلة المقبلة.
غير أن تجسيد هذا المشروع الحيوي يستدعي، ومنذ الآن، انخراط مختلف القطاعات الأخرى في إدماج خيار الطاقة الشمسية ضمن مشاريعها، وفقا لقاعدة الفعالية الطاقوية، لتدارك التحول وتفادي كلفة تضييع الوقت في ظل اتجاه العالم المتطور نفسه إلى هذا الاتجاه.
إن قطاعات مثل البناء والسكن والمنشآت الكبرى مثل السياحية والصناعية، والفلاحة، خاصة في الجنوب حيث خزان الطاقة الشمسية بامتياز، أول من ينبغي أن يسرع في اعتماد خيار التحول الطاقوي لانجاز أهدافه الاقتصادية في أجل قصير، ولعل المرور عبر بوابة الجامعات والمعاهد يعطي نفسا لذلك.
ويمكن اللجوء إلى ترتيبات قانونية لتحفيز هذا السلوك لدى المتعاملين وأصحاب المشاريع في هذا الشأن، لتكريس الجرأة في اقتحام عالم الطاقات البديلة، باعتباره مفتاح المرور إلى عالم اقتصاد نظيف كما يسير نحوه العالم المتطور وتكرسه المجموعة الدولية وفقا لمعايير حماية المناخ.
في هذا الإطار لا يمكن تفسير استمرار قطاع السكن والبناء في تطبيق ثقافة انجاز مشاريعه الضخمة، دون أن يواكب التغيّرات، وكان لا يقوى على التكيف مع معايير الانتقال الذي يزداد حتمية.
وإذا كان يمكن تبرير الأمر بالنسبة للمشاريع المصنفة في خانة السكن الاجتماعي، فإنه يصعب هضم هذا السلوك في مشاريع السكن الترقوي وتلك المدرجة في خانة الرفاهية المترفة، حيث لا يعقل أن تعتمد مشاريع من هذا الصنف دون الدفع بأصحابها إلى إدراج  جانب الطاقة المتجددة فيها. وبالتالي إحداث تلك «الصدمة» المحفزة في أوساط المتعاملين من أصحاب القدرات المالية لتمويل المشاريع ذات الصلة.
يكفي تقدير مدى الاستهلاك المفرط للطاقة الكهربائية التقليدية على مستوى ورشات من هذا الصنف مستفيدا أصحابها من الدعم العمومي للكهرباء، التي لا يعقل أن تحسن فاتورتها الإجمالية على عاتق كافة الزبائن وإنما حان الوقت لاعتماد توزيع يتطابق مع المستوى المعيشي لمختلف الفئات، ذلك أن كبار المبذرين من لديهم مستوى معيشي راق، وليس المستهلك العادي.
 نفس التحدي ينتظر أن ترفعه قطاعات أخرى تصنف في خانة كبار المستهلكين والمبذرين، مثل المنشآت والمركبات السياحية، خاصة تلك المتواجدة في الهضاب العليا والجنوب، حيث يمكنها أن تقدم مثالا ناجعا في التكيف مع معادلة الطاقات البديلة، وبالتالي ربح معركة التحول الشامل الطاقوي منه والاقتصادي.
في الحقيقة يوجد أمام وزارة السياحة مجالا واسعا لإعادة صياغة مسار الاستثمار برؤية طاقوية جديدة، بحيث لا يتلخص في مجرد إقامة بوابة الكترونية للقضاء على الممارسات البيروقراطية واهتمام متزايد بالعقار، وإنما يجب مراعاة عامل استهلاك الطاقة بطرحه ضمن الخارطة الراهنة والمستقبلية كضرورة اقتصادية تعزز جانب المنافسة.
 يجب إبداء نفس الدرجة من الاهتمام الجاد من جانب مختلف القطاعات الأخرى، في مسعى متكامل ومنسجم يستجيب للمتطلبات الراهنة والمستقبلية، بحيث يمكن حينها تنمية جانب التحكم في كلفة المنتوج أو الخدمات لتأمين التموقع الدائم في أسواق خارجية بالحجم والقيمة الاقتصادية اللازمة لتعويض الفارق الناجم عن تراجع إيرادات النفط من جهة والإصدار النقدي من جهة أخرى.
وحتى إذا هناك رصد لتحسن أسعار برميل النفط حاليا بحيث يتماسك حول سقف أعلى من 65 دولارا، لاعتبارات جيوسياسية عالمية وإقليمية، فلا ينبغي الوقوع مجددا في وهم عودة الأسعار إلى ما سجلته في سنوات ماضية، حينما تجاوزت المائة دولار، وإنما الحرص على استثمار الموارد المتاحة في بناء جسر الانتقال الاقتصادي من بوابة التحول الطاقوي.
بهذا الصدد ليس من سبيل لذلك سوى الرجوع إلى قيمة الكفاءات البشرية الخلاقة للابتكار والإبداع في هذا المجال الحيوي، لتأسيس أرضية علمية صلبة تستوعب كل تلك الطموحات التي يتم التعبير عنها في أكثر من منتدى أو ندوة دراسية، بحثا عن اللحظة الحاسمة للامساك بخيط التحوّل.
لم يعد الوقت كاف للاستمرار في سيرة النقاشات التي لا تنتهي، بقدر ما يكون الوقت قد حان، قبل أن تفوت الفرصة، للرفع من وتيرة تجسيد البرامج وتفعيل المشاريع برؤية إستراتيجية واقعية تعادل حجم القدرات والتطلعات للمنظومة الاقتصادية، التي ترتكز على مؤسسة إنتاجية، خلاقة للثروة ومطابقة لمعايير المنافسة، التي تلعب فيه الطاقة دورا حاسما.