طباعة هذه الصفحة

وجوه

«آمال» قصة امرأة ... وهي تلملم شتات الروح

البليدة: لينة ياسمين

سنتحدث اليوم عن امرأة عاشت الألم بكل تفاصيله الدقيقة التي تنزوي فيه الإنسانية و ترتعش خوفا من المستقبل، نقلت لكم «الشعب» اليوم حكاية مؤلمة وحزينة، قصة فتاة من جزائرنا العميقة، كيف عاشت وكيف رحلت و هي تنتظر تحقيق الحلم في محاولة لملمة شتات الروح و انكساراتها اليومية.

«آمال» قالت عن نفسها، أنها ولدت من رحم لم تعرف صاحبته، وجدت نفسها بالمستشفى، ثم تبنتها عائلة تجهلها، لتصير مع الأيام واحدة من بنات العائلة، تعلمت و بدأت تعي من هي، خاب ظنها و هي تعلم أنها ابنة « الميتم «، مجهولة النسب ، ظل ذلك الشعور يلامسها و يعيش بين وجدانها ولا يفارقها، حتى و إن ضحكت أو تنعمت، وكلما شاهدت أمرأة « أما» ، و هي مع صغيرها أو ابنتها، الا و الدمع تحجر بين مقلتي حبيبتيها، وسال في دفء حزين، و لما بلغت سن العشرين، كانت بين قريناتها في الجامعة، تعلمت فنون الترجمة و اللغات، وأحسنت و دربت لسانها، و لم يخنها، فعزيمتها في النجاح، كانت أكبر من جناية زوجين، تنصلا و رما بها بين الشارع و المجهول، لكنها ظلت تصابر وتصطبر، إلى أن وجدت حضنا لكنه لم يكن دافئا، فسريعا، ما بدأت المشاكل و المتاعب ، و تركت المحضن ،  وانتقلت الى دار الرحمة ، كما يطلق عليها، و عاشت لوقت وهي تتوق أن تعرف ملامح والدتها خاصة.

 الزواج ..

في عز ايام صيف حار ، تعرفت على شاب ، تعلق ببضعهما ، و ربط موعدا أن يؤسسا بيتا، و كان ذلك ، سعد « آمال « ،  اعتقدت أن حياة الميتم والحضن غير الدافئ ، قد انتهيا، و وجدت في زوجها، الاب و الام ، والصديق و الزوج ، الذي يخاف عليها و يحميها ، و يدافع عنها ، و يوفر لها كل ما تريد من مشاعر افتقدتها خاصة ، لكن الايام بينت ان ليس كل ما يريده المرء يدركه ، بدأت المشاكل الزوجية و العائلية ، و اصبحت « آمال « ، بين انياب زوجها و ضغط عائلته في تطليقها ، و التخلص منها ، رغم أنها كانت بنتا واعية و ذكية و لديها معارف ، منت زوجها في واحدة من معارفها أن تضمن له عملا مستقرا ، و راتبا محترما ، لكن كل ذلك لم ينفع ، و تطلقت وهي في الشارع ، بل إن الامر ، لم يكن فقط قضية طلاق ، فقد اصيبت في عينيها ، و فقدت يوما بعد يوما بصرها ، و اصبحت نفسيتها منهارة، وعجزت كليتاها، و اصبحت مدمنة على « الدياليز « ، 3 مرات في الاسبوع ، و لم ترحم كل تلك الظروف « آمال « ، ليزيد زوجها الما في بؤسها، و اصبحت وحيدة ، لا رفيق و لا معيل و لا محامي لها ، سوى رب العزة و خالق الاكوان و السنن.

 جهاز المناعة ..

كانت « آمال « ، مثل المعدن الصلب ، تبكي كثيرا، و لكنها لا تفشل ، بل مع كل دمعة ، كانت تستفيق وتضحك ، تقاوم و تتحدى نفسها قبل غيرها ، تثور ضد كل مشكل و معوق ، و تزداد مثابرة و قوة ، خاصة و أن حلمها الاول أن يكون لها سكن ، و قد أودعت ملفا و تلقت وعودا، لكن مرضها أقعدها ، وبصرها راح و لم تعد تجد من يأخذ بيدها ليحملها الى العمل او الطبيب أوعيادة « الدياليز « ، كل يوم يمر ، بدا جهاز مناعتها يفقد قوته و قدرته باتت « آمال « وحيدة ، لا راعي و لا كفيل ، الا بعض من عائلة المحضن، و صديقات و محسنون عاجزون ، مرة تجد فلانة ، اصبحت عاجزة عن ايجاد حل ومخرج ، يئست بشدة و هي في عز ايام شبابها ، .. في عقدها الثالث، لكن الظروف جعلتها و كأنها في عقدها السابع أو الثامن، المحيط بمجمعه تآمر ضدها.

الخاتمة ..

تطور المرض،  أصبحت « آمال « لا تقوى على الحراك ، رغم ذلك كانت تسأل عن مصير « ملفها في السكن « ، ظلت تأمل و تتفاءل، و لكن القدر قضى كتاب لا تفاوض معه، و اختار ساعة الرحيل و لا نقاش معه ، و سقطت الاوراق و جفت الصحف ، و ارتفعت الاقلام ، و لم تستفق « آمال « في فجر يوم سبق العيد ، وظلت نائمة الى الابد ، حاول الاطباء أن يسعفوها، لكن قلبها الذي امتلأ بكل انواع الاحزان و الاوجاع ، لم يعد يقدر على المقاومة ، و ضخ الدم في شرايينه ، التي ترهلت وضعفت، وسقط الحلم، وهي تفارق الوجود تبسمت، وبين يديها حملت وردة ، جلبها لها اقارب من بعيد، واحتفلت بعيد الحوريات، وهي على فراش الموت، تبتسم ثم أطبقت جفنيها، ولم تفتحهما ابدا، لقد رحلت امال وبيدها وردة، كانت تريد ان تشمها، وتلتقط آخر صورة تذكار، وهي تضحك.