طباعة هذه الصفحة

الباحث رضوان مجادي في حوار مع «الشعب»:

وسائط التواصل الاجتماعي منصّات لتسويق أفكار التغيير

حاورته: إيمان كافي

قوة لا حدود لها في التعبئة وتوجيه الرأي العام

الإعلام الرقمي قمّة الثورة الإعلامية الحديثة

يعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سعيدة، وباحث الدكتوراه في السياسات العامة المحلية رضوان مجادي في حواره مع «الشعب»، أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكّل ذلك الفضاء الذي يتم عبره تداول الأخبار والآراء والأفكار، لذلك تعتبر أيضا من الوسائط الهامة لتسويق الدعوات والأفكار الرامية إلى اتخاذ سلوكيات لإحداث التغيير في واقع المشهد السياسي، مشيرا إلى أن هذه الوسائل أبانت ومن خلال عدة تحولات سياسية شهدها العالم، عن قوة كبيرة في التعبئة والتأثير على الرأي العام.


«الشعب»: الطفرة التكنولوجية الخارقة، أحدثت هزة كبيرة على واقعنا اليوم فرسالة عبر موقع من مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تحرّك مجتمعا كاملا، فمن أين تستمد هذه الوسائط قوتها؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصل تأثيرها؟
رضوان مجادي: على العموم؛ يمكن التسليم بوجود الطفرة التكنولوجية الهائلة من خلال اعتبارين رئيسيين هما: الانفتاح العولماتي وما انطوى عليه سهولة الولوج في فضاء تفاعلي يشهد نوعا من التشبيك في تبادل المعلومات واسترسال الأخبار عبر الصحافة والإعلام الرقميين من جهة، واندماج غالبية أفراد المجتمع في عالم الرقميات والتعامل بشكل رهيب مع مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يمكن أن نقيس قوة الوسائط التكنولوجية بحجم استخداماتها والتفاعل معها، وعلى سبيل المثال قدرت نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بما يفوق 45 في المائة من المستخدمين في العالم، ولو قدمنا أبرز مثال عن ذلك نجد أكثر من 2 مليار مستخدم لموقع «الفايسبوك»، وبالتالي يمكن تقدير تأثيرها في المجتمع بالحجم الهائل وتزايد عدد مستخدميها، لطالما يتأثر أي مجتمع بمقداراستهلاكه للقيم الرقمية.

التحوّل يمضي بسرعة نحو الإعلام الرقمي

 الإعلام التقليدي أصبح اليوم محاصرا بمنافسة قوية من وسائل الإعلام الحديثة التي باتت تحظى بمتابعة أعلى وأكبر، فما قولكم في هذا الواقع الجديد وهل يأتي يوم ويندثر فيه الإعلام التقليدي؟
 صحيح أننا نعيش في وسط  تفاعلي وننغمس في عالم الرقميات، وطغيان إفرازات وسائل التواصل الاجتماعي كنتيجة حتمية لإمدادات التكنولوجيا ووسائل الإعلام والتواصل المعاصرة، خاصة وقد اتجه المجتمع في الوقت الراهن إلى تفضيل الصحافة الإلكترونية أو مشاهدة الأخبار عن طريق الانتشار السريع والواسع لمقاطع «فيديو» تُخْبرُ الجمهور بمستجدات وتطورات الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه لا يمكن الحكم على غلبة الإعلام الجديد مقارنة بالإعلام التقليدي؛ إذ لنا أن نميز بين فئات الاستخدام للإعلام التقليدي وفئة تتعامل مع الإعلام الجديد، وما بينهما كمجتمع يمزج استخدامه ويفضّل طريقة تفاعله وتعامله مع الإعلام التقليدي والجديد، غير أنه نستشرف للمستقبل أن العالم سيحتضن أرقى تطورات التكنولوجيا والتحوّل أكثر إلى ما يسمى بالإعلام الرقمي أو الإلكتروني، فنحن أمام ثورة رهيبة تتحكم فيها قوى عالمية تنافسية.
الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي غيّرت منحى الرسالة الإعلامية التي كانت تصدر في الغالب من القمة إلى القاعدة لتنطلق اليوم من القاعدة إلى أعلى الهرم، فما تعليقكم؟
 نحن أمام عدة أنماط من الرسائل الإعلامية في المجتمع الرقمي وتفضيلات استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا خصصنا الحديث وكنا أكثر دقة في الطرح فلا يمكن الانفراد بالرسالة الإعلامية مهما كان موضوعها وهدفها وأنها تصدر من الأعلى لتأخذ منحى تنازلي وبتأثيرات متباينة على عناصر وأفراد التركيبة الاجتماعية، أو أن يتغيّر مصدر إرسالها وينطلق من القاعدة إلى أعلى الهرم، حيث يعيش المجتمع الرقمي حالات من الفعل وردود الفعل، أي ستتغير الأدوار في العملية الاتصالية من مرسل إلى مرسل إليه، وبهذا لا يمكن الاستحواذ على مصدر المعلومة في مواقع التواصل الاجتماعي بقدر إمكانية الحصول عليها مهما كانت مصداقيتها وإعادة نشرها ليستهلكها المجتمع المتعامل معها.

قدرة على التعبئة وتخطي حاجز الرقابة

 الأكيد أن وسيلة الإعلام الحديثة كغيرها من الوسائل هي سلاح ذو حدين، فما هي إيجابياتها وأين يكمن خطرها، خاصة أنها توظف في مجالات عديدة كالترويج للإجرام والإرهاب أو حتى لإحداث الفوضى في المجتمعات؟
 إن توظيف وسائل الإعلام الحديثة لتمرير رسائل ومحتويات رقمية (خاصة نحن أمام الانتشار الواسع للرسالة الإعلامية الإلكترونية) يكون وفق منطق مستخدمها لتحقيق أهداف ومبتغى، وإذا أخذنا بالشق الإيجابي فهي وسيلة جدّ هامة في الوقت الراهن لنشر الفكر وتوعية أفراد المجتمع، لاسيما توجيههم وتعبئتهم صوب التغيير وإحداث التنمية، واستقطاب الاقتراحات الإلكترونية لبلورة سياسات عامة تخدم المجتمع وأولويات التنمية (نجد مثلا تجربة دولة رواندا في تطبيق مقاربة الديمقراطية الرقمية واستخدامات مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع المشاركة الشعبية)، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود خطورتها في ضوء استخداماتها وتوجيه الرسائل والأفكار المتطرّفة لنشر الإرهاب الإنساني وخلق حالة من الإذعان وسط الشعوب وإحداث قطيعة السلم والتعايش (يمكن الاستئناس بتجربة قتل مسلمي مسجد نيوزيلاندا مؤخرا أين نشر المتطرّف وفاعل الجريمة الإرهابية مقاطع «فيديو» على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وبعث رسالة تحفيز وتشجيع لمحاربة الاختلاف وخلق فكر تطرّفي وعنصري في العالم).

منصّات لتسويق أفكار  التّغيير في المجتمعات

  لاشكّ أن فئة الشباب هي الأكثر تحكّما في تكنولوجيات الإعلام الجديدة مقارنة بالفئة المتقدمة في العمر، ما يجعل صراع الأجيال أكثر حدة، الغلبة فيه لصالح الفئة الأولى والدليل تمكّن حركات التغيير الشبابية التي هزّت بعض البلدان من توجيه الرأي العام، فما قولكم؟ وهل حقّقت التغيير فعلا؟
 كما قلت سابقا، إن الرسالة الإعلامية القوية ترجع إلى طبيعة أهدافها ومنطق توظيفها الرامي إلى إحداث التغيير، وتثبت الدراسات في العلوم الاجتماعية أن الشباب هم الفئة الأكثر تأثرا بمحتوى الرسائل الإعلامية الرقمية وأشدهم اندفاعا نحو الولوج في حركات التغيير، وهذا لسبب جلي؛ وهو أن مجموع العوامل النفسية المتراكمة لدى الشباب نتيجة تدهور مستواهم المعيشي وضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيخلق حالة من اليأس والإحباط، وبما أن الشباب هم أكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي والوسائط التكنولوجية الجديدة؛ فإنه لا مناص من تلقيهم الرسائل الرقمية وما صاحبها من دعوات وشعارات التغيير بما يخلق تجاذبات تشكيل رأي عام رقمي، والتغيير كمعطى بشري في أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يندرج ضمن طموح الشباب وأملهم في تحقيق الأفضل والسعي نحو تحقيق الذات وإشباع الرغبات والحاجات المتنوعة، إلا أنه لا يمكن الحكم على نجاح أو فشل أي حركة تغيير يقودها الشباب إلا بتمحيص المطالب السياسية المعقولة والرشيدة، لطالما ترتبط الأخيرة بقدرة الشباب على التمييز بين الرسائل الإعلامية التي تحمل معاني قد تنحرف بسلوكهم وتخل بأهداف التغيير.

لا بد من مراقبة الفضاء  الرقمي مع احترام الحريات

 كيف يمكن الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة والنأي عن مخاطرها، هل بالمواعظ والنصائح أم بضوابط ردع تكنولوجي؟
 لا ينكر أحد في أي مجتمع بأحقية وسائل التكنولوجيا في تحقيق الطفرة الاقتصادية والفكرية، فهي نتاج تراكمات علمية، كما يمكن أن نستفيد من مزاياها في استخداماتنا اليومية لمختلف وسائط اتصالية وإعلامية لتبادل الخبرات والمعارف ونقل الأخبار والأحداث، وفي مقابل ذلك وجب أن يصاحبها مجموعة من الضمانات لاجتناب إحداث الخطر لدى غالبية مستخدميها، من حيث تكثيف حملات التوعية على حسن استعمالها في مجالات معيّنة وسليمة، وهنا يبرز دور النخب والأطر المجتمعية والسياسية، كما تحتاج استخدامات تلك الوسائل التكنولوجية إلى منظومة أمنية مناسبة لمراقبة الفضاء الرقمي في حدود احترام الحقوق والحريات العامة للمستخدمين.
 هل من حدود للرسالة التي يتمْ تداولها عبر فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن الطريق مفتوح أمامها بكل ما تحمله من مخاطر؟
 في اعتقادي المتواضع؛ لا يمكن وضع أي حدّ للرسالة الإعلامية على مستوى الوسائط ومواقع التواصل الاجتماعي على ضوء المرونة التي تتميز بها وقدرتها على الانسياب وسرعة انتشارها، خاصة ونحن أمام مجتمعين يستخدمانها ويستهلكان قيمها الرقمية والإلكترونية: مجتمع لا يحسن توظيفها ولا يفقه في مضامين الرسائل الإعلامية في ضوء غياب الوعي التام، ومجتمع يفتقد إلى أنظمة حماية ذات خصوصية وإدارة ذاتية، لاسيما وأن منتوج وسائل التكنولوجيا والإعلام الجديد هو صناعة غربية خالصة.
لدى وسائل التواصل الاجتماعي قدرة فائقة على التأثير في الرأي العام وتوجيهه وحتى في حشد الجماهير وراء فكرة ما، فما تفسيرك؟
** إن قوة تأثير الرسائل الإعلامية على تشكيل الرأي العام يرتهن بنطاق انتشارها ومدى احتضانها واستقبالها من طرف قاعدة الجمهور، وبما أن المعطى المعاصر والجديد يتجه نحو تغليب استخدامات وسائل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي فإنه يستثمر فيها لتوجيه المبادرات الفردية وتعبئة الجهود وتوجيه السلوك الفردي؛ مثلا في عمليات الانتخابات في بعض الدول يستعان بالإعلام الجديد للتأثير على المواطن في مواقفه واختياراته السياسية، وتحظى العمليات الانتخابية بالقبول أو الرفض في ضوء اتجاهات الرأي العام المشكّل في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أحيان أخرى يعتبر أيضا ذلك الوسيط البديل عن تنظيمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية الذي يُمكِّن المواطنين من التعبير عن آرائهم وطرح انشغالاتهم وتوحيد مواقفهم لإيصال مطالبهم ورسائلهم إلى السلطة، وعلى هذا الأساس يكمن جوهر التأثير على الرأي العام الذي يخلفه حجم التفاعل والاستخدام الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي.