طباعة هذه الصفحة

100 منبع يحتاج إلى الاستثمار

البلديات شريك فعال لإنعاش السياحة الحموية

فضيلة بودريش

ترويج أمثل وتسويق  ناجع للثروة السياحية


تشكل السياحة الحموية ثروة حقيقية وموردا طبيعيا استراتيجيا، ينعم به القطاع السياحي الجزائري الذي يحتاج إلى رؤية دقيقة وجهود فعالة وجدية في التسيير والتأطير، ومن ثم الانفتاح على السوق لاستقطاب عدد كبير من السياح داخل وخارج الوطن، في ظل تسجيل بعض الحمامات الجزائرية المعدنية المهمة على الصعيد العالمي، خاصة من حيث درجة السخونة وخصوصية مياهه المعدنية وبعده التاريخي والحضاري الذي يجعل منه معلما يستدعي الزيارة والتفقد، لذا التعويل على النشاط الحموي في خلق الثروة، ينبغي أن يرتكز على أهداف محددة وقصيرة المدى، وكذا الوقوف على المكاسب من أجل تثمينها وتدارك النقائص في ظل تسجيل 100 منبع حموي يتطلب الاستثمار فيه بقوة وتجهيزه وتسييره بشكل عصري، علما أنه يسجل في الوقت الحالي ما لا يقل عن 35 مشروعا قيد التجسيد، من شأنها أن تستحدث الثروة ومناصب الشغل وتوفر فرصا للعلاج والاسترخاء بالمياه المعدنية ومياه البحر.

لا يزال القطاع السياحي في حاجة ماسة إلى عناية واستثمار أمثل، يجعل منه قطاعا منتجا للثروة يساهم في النمو الاقتصادي وينوع من المداخيل والصادرات، وأمام التنوع اللافت للأقطاب السياحية التي تحتاج الكثير من العناية والاهتمام لتسخيرها كقبلة لفائدة السياح من الداخل والخارج، ويجب إثارة مسألة تفعيل الدور المحلي للبلديات التي لديها مصادر دخل هامة غير مستغلة كما ينبغي، وحتى لا تسقط في لعبة منح الامتياز، هذه البلديات مطالبة بأن تدخل في هذا النوع من الاستثمار كمورد طبيعي هام يدر عليها بمداخيل معتبرة وتكون كشريك حيث تراقب كل كبيرة وصغيرة في المشاريع الحموية التي تغير الوجه السياحي للبلديات.
رغم أنه في الوقت الراهن يسجل وجود ما لا يقل عن 35 مشروعا سياحيا حمويا موزعا عبر مختلف مناطق الوطن جاري على مستواها الأشغال، لكن القدرات والإمكانيات أكبر من ذلك بشكل مضاعف على خلفية توفر نحو 100 منبع حموي ستكون في المستقبل القريب، مقاصدا سياحية ذات أبعاد تنموية اقتصادية، من جهة ومن جهة أخرى تفتح فرصا للعمل الدائم في مناطق داخلية وأخرى نائية، وعقب ذلك ينتظر من الكثير خاصة في تغير وجهها الشاحب وتفك عنها العزلة وتحولها إلى مناطق حيوية ذات حركية واسعة، حيث يتدفق نحوها السياح بقصد التنزه والبحث عن الترفيه إلى جانب مزايا طلب العلاج الطبيعي باستعمال المياه المعدنية أو مياه البحر عبر محطات حموية ومراكز عصرية للعلاج بمياه البحر.
خدمات نوعية
صحيح جرى التركيز والحديث عن النشاط الحموي الذي يعيد الاعتبار لمناطق معزولة وبلديات فقيرة تنعدم بها التنمية المحلية، والمتمثل في مخطط عمل يسلط الضوء على ضرورة إرساء قواعد لتأطير واستغلال الثروة الحموية السياحية النائمة بالشكل الأمثل والأنسب، حتى يتم تلبية الطلب المحلي والخارجي على هذا النوع من السياحة، التي تحتاج إلى رؤية وإرادة ومرافقة ورقابة، فلا يمكن منح هذه المنابع لمستثمرين بالدينار الرمزي، ومن الضروري أن يستفيد المواطن والبلدية من عائدات هذه المشاريع التي يبقى انطلاقها بطيئا على أرض الواقع، ودفتر شروط استغلال هذه المنابع من المفروض أن يكون دقيقا وشفافا حيث يلزم المستثمر بشروط واضحة. وبالإضافة إلى الوقوف بحزم على مدى قدرة ما سيقدمه المستثمر من خدمات جيدة وهياكل تتمتع بالجودة والنظافة، علما أن إحدى الدراسات التي قامت بمسح شامل للإمكانيات الحموية المسجلة، أفضت إلى التأكيد على غنى الجزائر بالمنابع الحموية والتي وصل عددها إلى 282 منبع حموي، أشارت ذات الدراسة الوطنية في نفس المقام  إلى أن ما لا يقل عن 100 منبع حموي قابل لاحتضان مشاريع حموية جديدة، وتستدعي الاستثمار فيها لتكون إحدى الركائز السياحية، التي يمكن الترويج لها بهدف استقطاب قوي ومستمر للسياح نحوها.  ولأن المستثمر أكثر من أي وقت مضى مطالب بان يخوض معركة حاسمة من أجل تكوين وتأهيل المورد البشري حتى تكون الخدمات في مستوى عال من الجودة، كون مفتاح إنعاش السياحة يكمن دون شك في الهياكل الجيدة والخدمات النوعية ذات التنافسية العالية.
 هياكل ذات شهرة عالمية
الجدير بالإشارة أن العديد من الحمامات المعدنية الجزائرية التي تحظى بشهرة واسعة على غرار حمام ريغة وحمام ربي وحمام ألوان وحمام زلفانة الكائن بورقلة وحمام المسخوطين وما إلى غير ذلك، تقع بل تتوزع عبر مناطق مختلفة من ولايات الوطن، ويعد ذلك التوزيع من نقاط قوتها، ولأنها تستمد من ذلك خصوصية تنوعها، لكن السؤال الجوهري الذي ينبغي إثارته يكمن في مدى الاستعداد لمواصلة الجهود من أجل تحويل هذه المحطات المعدنية إلى قبلة حقيقية للسياحة الحموية؟.. حتى تتمكن من استحداث القيمة المضافة، خاصة أن حمام المسخوطين على سبيل المثال و الذي يتواجد بمنطقة الشرق الجزائري، يصنف على أنه في المرتبة الثانية في العالم من حيث درجة الحرارة، ويرتب مباشرة بعد مياه براكين «إيسلندا» الذي يحتل الريادة دوليا،  بل يعد من أشهر الحمامات في الجزائر، علما أنه يتواجد على بعد 25 كلم عن عاصمة ولاية قالمة، والمثير في هذا الهيكل الحموي الاستراتيجي، أنه يتدفق على مجرى صغير متصل بالجبل الكلسي، والمدهش في نفس الوقت أن مياهه تنبعث من باطن الأرض من درجة حرارة لا تقل عن  96 درجة مئوية وتتجاوز 6500 لتر في الدقيقة الواحدة، ويطلق على هذا الحمام المعدني تسمية الحمام العتيق أو التحفة المعمارية على اعتبار أن تاريخ إنجازه يتجاوز 20 قرنا، أي من وقت حقبة الرومان حيث تم بناؤه بواسطة الحجارة، ويذكر في الوقت الراهن أن الجزائر لا يتعدى  فيها عدد المرافق السياحية بكل ما يتعلق النشاط الحموي 12 مرفقا سياحيا تابعا للقطاع العمومي ونحو 40 مشروعا استثماريا قيد الانجاز، لكن الإمكانيات المتوفرة تؤهلها أن تقفز إلى أهم وجهة سياحية وحموية ..والانطلاقة تبدأ دون شك بخطوة واحدة وتتبع بالعمل المستمر والمتابعة المستمرة، و تنجز بفضل الجدية والتخطيط الجيد والشفافية وعصرنة التسيير..و..و..و

 شراكة بين العمومي والخاص

على ضوء التجارب السابقة التي انطلقت للنهوض بالسياحة ومازالت الأهداف الكبرى للتطوير قائمة، وعلى خلفية سلسلة من التجارب الناجحة للعديد من الدول الرائدة في السوق السياحي، يتطلب في مواجهة التحدي الحالي، الشروع في التخطيط المحكم والجيد للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، من دون تردد وبعيدا عن العراقيل البيروقراطية التي حان الأوان حتى تسقط وتختفي، بهدف التفرغ للعمل وتثمين كل مشروع طموح قادر على تقديم الإضافة للاقتصاد الوطني وبهدف ضخ العملة الصعبة في خزينة الدولة، وكل ذلك يمكن أن يتكرس من دون عناء بعد تغيير الذهنيات ومضاعفة الوعي بأهمية العناية بالسياحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، والوصول إلى مرحلة تقديم أحسن الخدمات وأجودها للسائح، ليكون أحسن نافذة للترويج للوجهة الجزائرية التي مازالت غائبة بالنظر إلى خصوصيتها وتميزها، كإحدى أثرى الوجهات السياحية بمنطقة شمال إفريقيا، وبالتالي تعزيز الاندماج الوطني والسير نحو الترويج الواسع للقدرات السياحية المتنوعة المطلوبة في الخارج، ويمكن القول اننا في حاجة فقط إلى الارتقاء بأدوات وطرق الترويج والتسويق السياحي الجيد لها وتنويع مختلف الخدمات على كثرتها. ولعل من الحلول التي يرافع عنها الكثير من الخبراء ضرورة الإسراع في بناء قاعدة للشراكة خاصة بين القطاعين العام، ومن ثم تلعب وكالات السياحة دورها في الترويج للوجهة الجزائرية خاصة ما تعلق بالسياحة الحموية وتقديمها كمنتوج مميز لا يمكن العثور عليه في مكان آخر على تنوعه وفوائده المتعددة، وفوق كل ذلك يحتاج القطاع السياحي بوجه عام والحموي بوجه خاص على مواكبة التطور الذي تعرفه المؤسسات السياحية في العالم على غرار تركيا، التي بدورها لديها ثروة حموية تستغلها لاستقطاب الآلاف بل الملايين من السياح الأجانب، لأنها تعتمد على مهارات التسيير وتسند مسؤولية الرقي بالقطاع السياحي للكفاءات، وتسهر على تبسيط الترسانة التشريعية وإجراءات المنظومة البنكية، وما إلى غير ذلك من خطوات من شأنها أن تنه عهد بيروقراطية الإدارة.