طباعة هذه الصفحة

مكافحة الفساد معركة لا تنتهي

إعادة الاعتبار لمجلس المحاسبة مع الحماية من التعسف أو تصفية الحساب

سعيد بن عياد

تعزيز التنافسية في التجارة الخارجية، إنهاء الاحتكار وشفافية عمل الجمارك

برز الفساد بشكل اصبح يشكل تهديدا للامن الوطني للبلاد ويعرض مقدرات الامة للخطر، وتغلغلت الظاهرة بمختلف أشكالها، خاصة الرشوة والابتزاز وتبديد المال العام في المنظومة الاقتصادية، في وقت ضخت فيه الدولة لعشريات، موارد مالية وسخرت مرافقة غير مسبوقة، للدفع بالاستثمار المنتج للثروة، أملا في انجاز معدلات نمو اقتصادي مطابقة لتلك الجهود المبذولة من الأمة.


اذا كان الفساد لا يعتبر ممارسة جديدة في المجتمع، إلا انه انتقل الى مستويات لا تحتملها التطلعات المشروعة للجزائر في بلوغ الأهداف الكبرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بعد ان تحول الى ممارسة تكاد تكون علنية، لم تحدها قوانين أو اخلاق، لتمادي شريحة من ممارسيه في استعماله للثراء غير المشروع.
تفجر نقاش واسع في ضوء ما يشير اليه خبراء من ان ايرادت الجزائر من المحروقات بفعل الطفرة المالية التي تحققت بفضل ارتفاع اسعار النفط، (يتردد رقم ألف مليار) قبل ان تبدأ في الانهيار في منتصف 2014، وجرى الحديث عن ارقام ضخمة تشكل مادة جدل لا يتوقف بالنظر لمظاهر الثراء الفاحش واختلال بين ما تحقق نظير الانفاق الذي قدمته ميزانية الدولة.
 شكل الفساد الى عوامل اخرى سياسية واقتصادية واجتماعية عنصرا جوهريا في تهيئة المناخ الذي اجج الاحتجاجات وغذى حالة الغضب الذي احدث الديناميكية الاخيرة محققة قطيعة مع مرحلة سابقة وفتح الافق لمرحلة جديدة ترتكز على نظام للقيم التي تحمي وتعزز ارادة البناء من خلال البوابة الاقتصادية بالمعايير السليمة.
بالموازة مع إرساء ركائز هذه المرحلة التي يرتقب ان اعتمدت تفعيل قيم العمل والشفافية وتكافؤ الفرص والدفع بالكفاءات الى مراكز القرار، يرتقب ان يكون امام القضاء، بعد ان يعيد ترتيب بيته من الداخل وتحصينه من المحيط ونفوذه، عمل كبير لمعالجة الوضعية الراهنة انطلاقا من قاعدة حماية الاموال العامة بما يحدث فرزا بين المتعاملين.
الى جانب هذا ضرورة إعادة الاعتبار لعمل مجلس المحاسبة بكل الشفافية اللازمة لحماية المعنيين من اي تعسف أو ضغط أو تصفية حساب.
لعل أكبر تحد اليوم كيف السبيل الى اعادة تصحيح المعادلة بكبح وكسر الفساد وإطلاق المبادرة الاقتصادية في كل القطاعات التي تملك فيها السوق الجزائرية طاقات موارد، بحيث يمكن للمتعامل والمستثمر ورئيس المؤسسة الجزائري المنافسة في شفافية وبنزاهة دون التعرض لإقصاءات وابتزاز أو ضغوط لدفع رشاوى.
من شأن تطهير الساحة من مظاهر الفساد مع تعميق وتوسيع فضاء الحريات ان يحدث الصدمة التي تبعث مجددا الحياة في دواليب المنظومة الاقتصادية على مختلف المستويات وطنيا ومحليا، ويتطلب هذا اللجوء الى اعادة هيكلة التنظيم الاقتصادي بحيث يتم الحد من احادية اتخاذ القرار ووضع أليات للمراقبة لديها مركز قانوني يعطيها الصلاحيات التي تسمح برصد بوادر الفساد وتقطع دابرها في المهد.
من التغييرات ذات الطابع الاستعجالي في هذا النطاق مراجعة الأحكام القانونية المتعلقة بحماية الذين يتصدون لافعال الفساد بالتبليغ عنها أو الوقوف في وجهها، وضع البنوك تحت اضواء الشفافية، احداث أطر للمشاركة في ادارة المؤسسة الاقتصادية العمومية وآليات مماثلة تراقب التسيير في الهيئات والمرافق العمومية.
في نفس الاطار، تجدر الاشارة الى اهمية توسيع مساحة التعبير، اجبار القضاء على المبادرة بتحريك الدعوى العمومية في التصدي للفساد، تعزيز التنافسية في التجارة الخارجية وانهاء الاحتكار وابعاد الادارة مع اعتماد معايير الجودة، اعادة تنظيم عمل الجمارك بنقل الاعوان دوريا تفاديا لتشكيل مراكز نفوذ ومصالح.
كما ينبغي ايضا تشديد العقوبات الى الاقصى في جرائم الغش في المشاريع، تضخيم الفواتير واختلاس اموال المشاريع بمراجعة قاعدة عدم تجريم افعال التسيير، منع التدخل في التسيير من جانب الوصاية السياسية أو القطاعية والحد من سلطة الوزير تجاه مؤسسات قطاعه، سواء بفرض موظفين يعيقون التسيير المتوازن أو منح صفقات.
ان قطع اذرع اخطبوط الفساد ليس امرا هينا بسبب اتساع نطاقه وتراجع سلم اخلقة الحياة العامة بالنظر لتفوق الاول مستفيدا، بحسب الحالات من لاعقاب وتعتيم وتغطية سياسية، الامر الذي احدث حالة احباط  وتردد وغالبا عدم المبادرة.  التحدي اليوم كيف يمكن تحويل تلك الارادة التي انهت نظاما برمته أو على الاقل باشرته من خلال التعبير عنها بسلوك حضاري بمضمون عبرت عنه شعارات وصيحات ترمز  لثقافة العمل، حماية المال العام، أسبقية الكفاءة وإبعاد الرداءة التي  تكلف فاتورة باهظة جراءها، لا يمكن ان تستمر اليوم في ظل تحديات تواجه البلاد من تراجع لاحتياطي العملة الصعبة وتهديدات جيواستراتيجية إقليمية وعالمية ينبغي الانتباه اليها دون مساس بأي شكل بالتطلعات المشروعة للحراك.
حتى يؤسس لمسار يؤسس لمكافحة الفساد من الضروري تفادي الوقوع في ما يعرف بحملات موجهة للتهدئة أو امتصاص الشارع، مما يقود بلا شك الى اخطاء، وانما اتباع مقاربة هادئة وصارمة تخضع للتدابير التي تضمن العدل وتحمي الحقوق وبالتالي تفادي أي انزلاق يدفع الى انتقام أو تصفية حساب.
لا طائل من وراء وضع المتورطين في سجن أو حبس وانما الانجع العمل على استرجاع المال العام موضوع الفساد بمعدل الثلثين سيولة أوعقارات وسحب كل ما خضع للامتياز في حالة ان تشوبه شائبة والباقي إخضاعه للضرائب وكل ما يكرسه القانون.