طباعة هذه الصفحة

يزداد دورها التعبّدي والاجتماعي في شهر التوبة

المساجد بعزابة فضاءات دينية لندوات في الفقه والتفسير القرآني

بقلم د. وليد بوعديلة أستاذ بجامعة سكيكدة

قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، (النور الآية 36 - 38).

تضم مدينة عزابة بسكيكدة مجموعة من المساجد، يزداد دورها التعبّدي والاجتماعي مع شهر رمضان الكريم، في ظلّ تقديم الدروس المسجدية في مجالات متعدّدة.
أكبر المساجد هو مسجد الفرقان في مدخل المدينة، وفيه مكتبة كبيرة في علوم اللغة والبلاغة والشريعة، أهداها الشيخ مبروك عوادي الذي كان إماما في الأزهر الشريف بمصر، فكل من يحتاج المراجع والمصادر التراثية عليه بهذه المكتبة الكنز ويتكفل بالإمامة والخطابة فيه الشيخ أحسن.
وهناك مسجد دار الهجرة بحي ألف مسكن وهو أنشط المساجد، ولجنة تسييره مهتمة بجماله ونظافته، وقد استقبل المقرئين - في أمسيات قرآنية كثيرة - من دول مختلفة، منها مصر وتركيا والمغرب مع قراء جزائريين معروفين بجمال الصوت..
وينظم مسجد دار الهجرة  بعزابة محاضرات وندوات في الشّريعة والعقيدة والتاريخ الإسلامي وعلوم القرآن، تحفّها الملائكة بأجنحتها وتتنزّل فيها السّكينة من ربّ العالمين.
وقد استمع المصلون بالمسجد لمحاضرات ودروس دكاترة وشيوخ معروفين، مثل محمد الهادي الحسني (العاصمة)، عمار قرفي (عنابة)، علي حليليتم (سطيف).. ، بالإضافة لشيوخ المدينة مثل الشيخ أبوبكر حداد، محمد لكحل، عدلان شابي، علي بن ذيب..
وفي وسط المدينة هناك المسجد العتيق (الشيخ عبد اله مطلاوي، الشيخ سعيد منصوري..) والمسجد الجديد (الشيخ شعيب). وتوجد مساجد أخرى بأحياء المدينة، قد انطلقت بها الأشغال بوتيرة مختلفة، مثل مساجد: بدر، القدس، عبد الرحمان العايب.. وتبقى المساجد بمعظم أحياء وقرى البلدية تعتمد على المحسنين وتبرعاتهم الأسبوعية، للحفاظ على نشاطها وصيانتها، وكل المساجد هي بيوت الله للعبادة وهي فضاء للتكافل والتضامن من خلال بعض الأعمال الخيرية، مثل التضامن في المناسبات الدينية، وتخصيص سيارات خاصة بالجنائز وإكرام الموتى..

تضامن مع شاب للعلاج في الخارج

وفي سياق التكافل الاجتماعي تعدّ جمعية الاحسان لرعاية المرضى والتكفل بالجنائز بالبلدية من أنشط الجمعيات محليا في مستويات خيرية كثيرة، بفضل تضحيات رجالها المتطوعين في سبيل الله وخدمة المجتمع، وبقي متواصل من رئيسها كمال العوفي، ولعلّ آخر مبادراتها هي جمع التبرعات لعلاج الشاب بلال بوزانة لإجراء عملية جراحية والعلاج من مرض خطير.
هو شاب مقعد منذ أكثر من عام، وأجرى عمليات جراحية بمستشفيات عمومية، دون جدوى، وبعد التواصل مع مستشفى خارج الوطن، أكد الأطباء النسب العالية من النجاح والسير مجددا، لكن المبلغ يفوق المليار سنتيم، فانطلقت الهبة الشعبية التضامنية بمدينة عزابة ولاية سكيكدة، وكان التفاعل الشعبي كبيرا وهو متواصل، بخاصة في شهر رمضان شهر الخير والصدقات والجود، وبدأت عملية جمع التبرعات وعرّف بها أئمة المساجد.
لقد شاركت المساجد في التحسيس الإنساني لأهل المدينة والمغتربين قصد التضامن ومساعدة بلال، وقد اتفق أهل عزابة على تخصيص زكاة الفطر في أواخر شهر رمضان لهذا العام هذا المريض، في هبة تضامنية من روح الوطنية والإسلام.
يعبّر كل هذا عن الوظيفة الاجتماعية للمسجد ولأهل البر والخير في مدننا الجزائرية، والمساجد في الإسلام مكان للعبادة ومكان للتّكافل بين المسلمين والتّراحم، وكذلك عبر جمع الزكاة والصّدقات وتنظيم توزيعها على الفقراء والمساكين، وهي مساجد عزابة تقوم مدارس القرآنية بعمل تربوي وعلمي كبير، لتعليم القرآن واللغة العربية والثقافة الاسلامية للكبار والصغار.
أكّد الإسلام على عمارة المساجد بالذّكر وإقامة الصّلوات وتلاوة القرآن، كما أكد على دور المساجد في حياة  الاجتماعية والثقافية وفي تنمية الجوانب الروحية الايمانية المسلمين، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، (البقرة الآية 114).
إن المساجد بهذه المدينة تواصل رسالتها الدينية المتجدّدة، منذ زمن الاستعمار إلى اليوم، لبناء الانسان الجزائري البناء السوي، الذي يجمع بين تنمية الجانب الإيماني وتقوية الحب الوطني، أي عمار الدنيا والاستعداد للآخرة، والمساهمة الجماعية في بناء الوطن والتواصل مع مشروع الشهداء في ثورتهم النوفمبرية الخالدة.