طباعة هذه الصفحة

بين حديقة التجارب الحامة ورياض الفتح

متحف الفنون الجميلة.. رحلة ثقافية عبر 6 قرون من الفن العالمي

أعمدة الفن والثقافة في وثائق وديكور لا يفنى

في مرتفع غابي مطل على البحر - بين حديقة التجارب «الحامة» و»رياض الفتح» - ينتصب المتحف الوطني العمومي للفنون الجميلة مقدما لزواره رحلة ثقافية عبر ستة قرون من تاريخ الفن العالمي بمجموعاته الأصيلة والنادرة التي جعلته واحدا من أهم متاحف الفنون في إفريقيا.
يزخر هذا المتحف - الذي تأسس عام 1930 والمنتمي في هندسته لتيار الـ «آرت - ديكو» - بثمانية آلاف قطعة أثرية نصفها تقريبا عبارة عن لوحات تشكيلية زيتية مرسومة على القماش والورق والخشب يعود أقدمها إلى القرن الرابع عشر.
كما يضمّ منحوتات ومصكوكات وأثاث وخزفيات وقطع ديكور وتحف جبسية وزجاحية وغيرها، بالإضافة إلى كتب ومطبوعات قديمة تؤرخ كلها لأهم مدارس الفن التشكيلي في العالم وخصوصا الأوروبية منها.ويتميز هذا المتحف - ذي الأربعة طوابق - بمعرضه الدائم الموسوم «تاريخ الفن العالمي» الذي يضمّ لوحات تشكيلية تمثل كبرى المدارس الأوروبية من عصر ما قبل النهضة وإلى غاية القرن العشرين كالإيطالية والفرنسية والفلامانية والهولندية والألمانية وكذا السويسرية.
كما يضمّ هذا المعرض رسمين للفنان الإسباني العالمي ورائد الفن التكعيبي بابلو بيكاسو الأول بعنوان، «النسوة الثلاث» والثاني «عازف الناي وشابة بالطبلة».
وبين أروقة هذا المعرض الدائم يتزين المتحف أيضا بقاعة «عائشة حداد» التي تتميز بالعديد من روائع «الفن البدائي الأوروبي» على غرار بورتريه «ألكسندر دي ميديسيس» (القرن الـ16) للفنان الإيطالي جياكوبو كاروتشي المعروف بـ «بونتورمو» والذي تمّ ترميمه في 2010 بمركز الحفظ والترميم الخاص بالمتحف.
وتعتبر لوحة «تعميد المسيح»، للفنان الإيطالي برنابا دي مودينا (1328- 1386) والمعروضة أيضا بقاعة «عائشة حداد» أقدم لوحة بالمتحف، حيث يعود تاريخها إلى عام 1367. وبإمكان الجمهور أيضا زيارة «الصالون المربع»، أين تعرض العديد من إبداعات الهولنديين على غرار لوحات رومبرانت (1606- 1669) في حين أن «قاعة الخزفيات» بجانبه تضم تحفا فنية نادرة من شرق آسيا وخصوصا من الصين وفيتنام.
مسار «تعليمي كرونولوجي»
من قاعة إلى قاعة يلاحظ زائر المتحف تطوّر وتنوّع المدارس الأوروبية التشكيلية من خلال أعمال العديد من روادها على غرار الفرنسيين كوتور توماس في الكلاسيكية ودومييه أونوري في الواقعية وكلود مونيه في الانطباعية وخصوصا لوحته «صخرة الجزيرة الجميلة» (1886) التي تعتبر أهم معروضات المتحف بالإضافة إلى أعمال أخرى في الرمزية والوحشية والنابية والتكعيبية وفن البلاط والطبيعة الصامتة وغيرها.
وما يميز أيضا هذا المتحف تواجد قاعة لفن النحت باسم شارل ديسبيو (صديق الثورة الجزائرية) تضمّ العديد من إبداعاته كـ»أبولون» و»الرياضي الجالس»، بالإضافة لمنحوتات فرنسية أخرى من قبيل «تأمل» لأوغست رودان و»السلم» لأنطوان لويس باري.
كما تتواجد بالمتحف قاعتين صغيرتين في الفن الإستشراقي بهما أعمال فنانين فرنسيين معروفين كأوجين دولاكروا وأوغست رونوار وإيتيان دينيه وألفرد ديودانك، حيث تزخر إحداهما بأثاث أصلي من القرن الـ19 يعود للمستكشف الفرنكو - إيطالي بيير سافورنيا دي برازا تم استرجاعه من إقامته الشخصية بالجزائر العاصمة.
وفي هذا الإطار تتميز أيضا قاعة «بشير يلس» بمعرضها «الملحمة» حول تاريخ مدينة الجزائر وأيضا بلوحاتها التشكيلية الأخرى  التي تعود لعدد من كبار الفنانين الجزائريين المعاصرين كمحمد بوزيد  وشكري مسلي.
وما يميز أيضا بناية المتحف «لا بيرغولا» أو «التعريشة» المطلة على حديقة التجارب والبحر والتي تعتبر فضاء استراحة وتأمل للزوار، خصوصا وأن بها العديد من المنحوتات الفرنسية كأعمال بوبلي جان  وكابتي فرانسوا.وفي الطابق السفلي يتواجد «رواق البرونز» الذي يضمّ أهم أعمال النحت البرونزية للمتحف، بالإضافة إلى لوحات تشكيلية خصوصا من آسيا الوسطى كأوزبكستان في حين تبرز من بين هذه المنحوتات «هرقل حامل القوس» (1916) للفرنسي أنطوان بوردال وهو عمل ضخم تمّ وضعه في الصالة قبل انهاء تشييدها.    
وحتى الأدراج المؤدية إلى الطوابق السفلية تتزين بلوحات لفنانين من الجزائر وخارجها وكلها محمية بعناية من مخاطر الحرارة والرطوبة والتلوث وغيرها من عوامل الطبيعة.                
ويهدف هذا المسار المتحفي المعتمد حديثا من طرف المسيرين إلى خدمة الجمهور الواسع والمهتمين من خلال «منهج تعليمي كرونولوجي»، يجمع بين متعة المشاهدة والتثقيف بهذا الفن، حيث ترافقه لافتات جديدة  بالعربية والفرنسية تعرف بالعمل المعروض ومبدعه وتاريخه بالإضافة لتياره الفني.      
مكتبة وديوان مطبوعات
يتميز متحف الفنون الجميلة بمكتبته الكبيرة الأوروبية الطراز التي تمّ افتتاحها عام 1942 وبها أكثر من 10 آلاف مرجع بين كتب قديمة ومجلدات ومطبوعات في تاريخ الفن وعلم الآثار والهندسة المعمارية.
ويعود أقدم هذه الكتب إلى القرن الـ17 وهي في أغلبها لمؤلفينأوروبيين وباللغات الأوروبية الكبرى - القديمة منها والحالية - كاللاتينية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية بالإضافة إلى العربية.  
وتضمّ هذه المكتبة الكلاسيكية طوابق يمكن الصعود إليها من خلال سلالم خشبية عتيقة كما تضمّ العديد من الأثاث الأصلي للمتحف وإضافة إلى هذا فهي مزينة بلوحات للفنانة باية محي الدين، كما يقصدها الباحثون من الجزائر وخارجها.
وغير بعيد عن المكتبة وفي قاعة محمد راسم - التي تضمّ إبداعات هذا الفنان الرائدة في المنمنمات - يوجد أيضا «ديوان المطبوعات» الذي يزخر بحوالي 1500 من المطبوعات والمخطوطات التاريخية القديمة
الخاصة بالمتحف والتي يسهر على حفظها مركز الترميم التابع للمتحف الذي فتح ابوابه للجمهور قبل تسعين سنة.