طباعة هذه الصفحة

حلم ولد ومات في صيف

فتيحة كلواز
15 جويلية 2019

هو اليوم الأول بعد 25 سنة من الغربة تطأ فيها قدماه أرض الجزائر في ذات يوم من صيف 1994، كانت رحلته طويلة إلى فنلندا أين بقي هناك سنوات وسنوات يتخفى من رجال الشرطة خشية إيقافه ولكنه في المقابل استطاع العمل في إحدى المدن الباردة دون ان يثير فضول الأفراد هناك خاصة وان لون بشرته لا توحي بأنه أفريقي.
مراد ابن العاصمة الذي حلم بالهجرة وكل ما يحيط بها من أحلام ترك وراءه خطيبة وعدته أنّها ستنتظره، وبالفعل هي إلى اليوم ما تزال تبحث عن طيفه رغم كل المحاولات اليائسة من عائلتها لتزويجها بآخر، المهم أنّه عاد إلى وطنه اليوم نزل من الطائرة فما وجد الوطن الذي تركه منذ ما يقارب عقدين من الزمن كل شيء تغير حتى إخوته الذين جاؤوا لاستقباله لم يعرفهم أما أخته الصغرى التي تركها تلعب في الشارع لم يدر أنه سيفاجأ بها بعدما أصبحت أما.
نزل من المطار واستقبله إخوته ولكنه لم يستسغ غياب الوالدين اللذين توفيا منذ عشر سنوات، دفنا ولم يرهما ولم يحضر جنازتهما، طلب الذهاب إلى بيت العائلة أين تربى في أحد أحياء الحراش، دخل المنزل لتتسارع خطواته باحثا عن أي ذكرى او كما قال «ريحة والديا»، لكن لم يبق شيء على حاله فالفيلا ذات الأربعة طوابق تحولت الى عمارة يسكنها إخوته كل واحد منهم وضع بابا للطابق الذي اختار السكن فيه حتى هو تركوا له طابقه ليستقر فيه، جلس في قاعة الجلوس التي جمعتهم صغارا حول المدخنة الرخامية يستمعون لحديث والدهم لكنه لم يشعر بتلك لأخوة التي تركها وراءه منذ 25 سنة، فقد أزيلت المدخنة من مكانها رغم جمالها خاصة تلك النقوش المرسومة على رخامها، شعر أن طفولته كلها اقتلعت معها.
عاش خليطا من المشاعر كان فقد والديه اقسماها لأنهما الصلة الجامعة بينهم جميعا، فلا إخوته عرفهم ولا زوجاتهم ولا حتى خطيبته التي تركها شابة يافعة مشرقة بجمال أخاذ ليجدها دخلت عقدها الخامس شعر أنّه هدر حياة إنسان علق كل حياته وأحلامه على يوم عودته، في تلك الدقيقة خالجه شعور غريب تأكّد من خلاله أنّه ذهب صيفا باحثا عن حياة أفضل، لكنه عاد في نفس الفصل وقد خسر حياته كلها.