طباعة هذه الصفحة

الدكتور بوضرياسة لـ «الشعب»

«آيت أحمد اقتنع مبكرا بحتمية الخيار المسلح في استعادة السيادة»

يعتبر المجاهد حسين آيت أحمد من الشخصيات الوطنية التي كافحت إبان حرب التحرير من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وقدم الكثير عندما كان عضوا بارزا بالمكتب السياسي للمنظمة الخاصة، لكنه، وللأسف، لم ينل حقه من الكتابات التاريخية أو الإعلامية.
ورأيت أنه من واجبي كواحدة من جيل اليوم، أن أتطرق إلى نضال هذا الرجل الثوري الذي يشهد التاريخ على تضحياته، وليس من حقنا أن نحكم على أخطاء ارتكبت في ظروف سياسية ودولية لم نعايشها نحن، بل علينا أن نكون موضوعيين في أحكامنا ونتذكر جيّدا أن مناضلي جبهة وجيش التحرير الوطنيين استرجعوا لنا وطننا الذي احتل لمدة ١٣٢ سنة.
ولهذا اتصلنا بالدكتور بوعزة بوضرياسة، أستاذ جامعي ورئيس اللجنة العلمية لقسم التاريخ بجامعة بوزريعة، ليقدم لنا نظرته كباحث في التخصص حول هذه الشخصية التاريخية. وفي هذا الصدد، وصف الاستاذ الجامعي، المجاهد حسين آيت أحمد بأحد رموز الجزائر الذي لابد من إعطائه ما يستحقه من مكانة، لأنه قدم ما يمكن تقديمه وطني مخلص، ويبقى رجلا وطنيا على غرار مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، هواري بومدين، علي محساس، الشاذلي بن جديد وغيرهم من عظماء الجزائر.
وأضاف بوضرياسة لـ «الشعب»، أن هؤلاء الذين ناضلوا من أجل استرجاع السيادة الوطنية، يجب أن تكتب أسماؤهم بحروف من ذهب، فلولاهم والشهداء الأبرار لما نعمنا نحن بطعم الحرية والاستقرار. ومن بقي، قال محدثنا، نتمنى لهم طول العمر حتى يفيدوا الأجيال القادمة بهذه المسيرة المليئة بالتضحيات والنضال، وبالتالي يكونوا عبرة لشباب المستقبل من أجل أن تعيش الجزائر شامخة الرأس، على حد تعبيره.
وفي هذا السياق دائما، أشار رئيس اللجنة العلمية لقسم التاريخ، إلى أن أيت أحمد إنسان مخضرم، عاش أوضاع الجزائر قبل، خلال فترة الاحتلال، أثناء الثورة وبعد الاستقلال، حيث أصبحت له نظرة سياسية تختلف عن تلك المرسخة له قبل الاستقلال، التي كان الهدف الوحيد هو استرجاع السيادة الوطنية. وهو رجل سياسة ومعارض جزائري، وكذا من أبرز قادة الثورة، حيث كان له دور كبير مع بعض المجاهدين الفاعلين في حزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي تأسس سنة 1963، من بينهم المجاهد لخضر بورقعة، محمد أولحاج.
وعن مولده قال الدكتور بوضرياسة، إن حسين آيت أحمد من مواليد 20 أوت 1926 بعين الحمام بتيزي وزو، وهو ينحدر من عائلة دينية، موضحا أنه، بحسب آخر الدراسات التاريخية، فإن كل عائلة تحمل اسم «آيت» هي من أصول عربية معروفة، أي حوالي 23 عائلة تمركزت في منطقة جرجرة، ودأبت على نشر الإسلام عبر الزوايا، حيث كان جده ينتمي إلى الطريقة الرحمانية، مما جعل المجاهد حسين آيت أحمد يدخل الكتاب بمسقط رأسه كغيره من المناضلين.
بدأ نشاطه السياسي مبكرا، حين كان طالبا في التعليم الثانوي، كان تلميذا مجتهدا. وفي 1943 التحق بصفوف حزب الشعب الجزائري، ليصبح من المدافعين عن التوجه الكفاحي المسلح من أجل تحرير الجزائر، لأنه أيقن، بعد مجازر الثامن 1945، أن الحل هو الكفاح المسلح كخيار وحيد للاستقلال. ورأى أن النضال السياسي مع فرنسا لا ينفع، لأنها تزوّر دائما الانتخابات. وكان عضوا في اللجنة المركزية ثم المكتب السياسي سنة 1947، حيث أصبح ضمن قيادة أركان «المنظمة الخاصة» ومن أبرز عناصرها، ليصبح ثاني رئيس للمنظمة بعد وفاة محمد بلوزداد، بتزكية من زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج.
أشرف مع أحمد بن بلّة على عملية بريد وهران 1949، «واتّهم بالأزمة البربرية، لكن مصالي الحاج برّأ ساحته»، لأنه، للأسف، قال الأستاذ: «من خلق الأزمة الشيوعيون وغلاة البربرية، الرافضون انتماء الجزائر للحضارة العربية الإسلامية».
انتقل أيت أحمد إلى مصر، كممثل للوفد الخارجي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية بالقاهرة سنة 1951 رفقة محمد خيضر. شارك في مؤتمر باندونغ سنة 1955، وانتقل إلى نيويورك للدفاع عن القضية الجزائرية أمام الأمم المتحدة.
واصل نضاله وهو في السجن
بعد مؤتمر الصومام عيّن عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وكان من بين المختطفين في حادثة تحويل طائرة الزعماء الخمسة في 22 أكتوبر 1956 رفقة بن بلّة، خيضر، بوضياف والكاتب مصطفى الأشرف، بتواطؤ من الملك المغربي الحسن الثاني مع الجهاز الاستخباراتي الفرنسي، بحسب ما أكده الدكتور بوضرياسة. واستمر اعتقاله لغاية 1962. ورغم تواجد حسين أيت أحمد بالسجن، إلاّ أنه عيّن وزيرا للدولة في التشكيلات الثلاث للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كاعتراف بنضاله من أجل القضية الوطنية. أطلق سراحه مع زملائه بعد وقف إطلاق النار.
في 1954 نادى للاتفاق حول جبهة التحرير الوطني، عارض نظام بن بلة كنائب في المجلس التأسيسي وابتداءً من 1963 قاد تمرّدا مسلّحا في منطقة القبائل باسم حزبه «جبهة القوى الاشتراكية». أُلقي عليه القبض سنة 1964، وحكم عليه بالإعدام قبل أن يصدر قرار بالعفو عنه، ليبقى في سجن الحراش الذي هرب منه في 30 أفريل 1966. وقد وضع اتفاق بينه والراحل أحمد بن بلة حول نظرة استشرافية لمستقبل الجزائر، لكن الاتفاق لم يَرَ النور، قال أستاذ التاريخ، بسبب التصحيح الثوري الذي قام به الرئيس الراحل هواري بومدين سنة 1963.
بالمقابل، أبرز محدثنا أنه بعد اغتراب المجاهد حسين آيت أحمد في أوروبا، ناقش سنة 1977 رسالة في الحقوق بجامعة نانسي، وفي 1990 عند ظهور التعددية الحزبية والإعلامية عاد إلى الجزائر، وأعاد تنشيط حزبه. وبعد اغتيال محمد بوضياف في جويلية 1992، رجع إلى سويسرا ليستقر بها.
يعتبر آيت أحمد من المناضلين من أجل السلام والاحترام الصارم لحقوق الإنسان، حيث دعا إلى تنظيم ندوة وطنية للإصلاح للخروج من الأزمة الدموية التي عاشتها الجزائر، وبارك لقاء «سانت ايجيديو» بروما سنة 1995، انسحب من الانتخابات التي نظمت سنة 1999.
علما أنّ المجاهد آيت أحمد لديه خمسة إصدارات منها كتاب «الحرب وما بعد الحرب» الصادر في ديسمبر 2004، مؤلف حول قضية اغتيال المحامي مسلي، إصدار بعنوان الصمت حول الجزائر والصادر سنة 2003، كتاب مذكرات مكافح 1942-1952 الذي يتطرّق فيه لمساره النضالي.