طباعة هذه الصفحة

مسيرة كفاح لأحد شهداء منطقة الجعافرة

الشيخ حميطوش رائدا في تبليغ الثورة إلى قرى المنطقة

ولد الشهيد الشيخ عيسى حميطوش يوم 12 أكتوبر 1917، بقرية بوندة الكبيرة التابعة لبلدية الجعافرة ولاية برج بوعريريج، وعندما بلغ سن الخامسة أدخله أبوه إلى المسجد ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القآن الكريم على عادة أبناء الريف القبائلي كله، وأتم حفظه عام 1927 فألحقه أبوه بزاوية بوداود في جبال جرجرة ليحكم حفظه ويتقن روايته وكذا ليدرس العلوم العربية الدينية واللغوية كالفقه والحديث والسيرة النبوية والنحو والصرف وغيرها.
حسب ما أوضحه الدكتور الراحل يحيى بوعزيز في كتابه «ثوارات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين: من شهداء ثورة أول نوفمبر 1954-1962»، فإن الشيخ بعد إتقانه دراسة هذه العلوم والمعارف، تفرغ للتدريس في نفس الزاوية لمدة عام واحد كما جرت عادة كل الزوايا، وفي عام 1931 عاد إلى مسقط رأسه ولزم والده الصياد وأخذ عنه حرفة الصيد حتى أصبح من كبار الصيادين والقناصين.
كما لزم عنه الذي كان يتولى الإشراف على شؤون العائلة وورث عنه النخوة والشجاعة والشهامة والرجولة والمحافظة على العرض والشرف العائلي، كما ورث عنه منصب رئاسة الفرقة في القرية، مما أكسبه عداوة قايد الدوار.
وفي الفترة من 1934 إلى 1939 متن علاقته بحزب الشعب الجزائري من الناحية الوطنية والسياسية، وبجمعية العلماء المسلمين الجزائريين من ناحية التعليم والإصلاح الديني والإجتماعي، وفي عام 1939 دعي للخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، ولكن الكشف الطبي أعفاه من ذلك بعد أن مرض واعتلت صحته.
وفي عام 1945، إلتحق ببلدة اليشير غرب مدينة برج بوعريريج كمعلم للقرآن الكريم لدى عائلة ابن محمد، واستمر في هذه المهنة عدة سنوات وتخرّج على يده عدد من حفظة القرآن الكريم، وخلال مجازر 8 ماي 1945 اعتقلته السلطات الإستعمارية وسجنته في بلدة مجانة أسبوعا كاملا ثم أطلقت سراحه.
في عام 1947، أذنت له جمعية العلماء بإنشاء مدرسة حرة في قريته بوندة الكبيرة، وتعاون مع عدد من الرفاق وحول أحد مساجد القرية إلى مدرسة بعد جهد جهيد بسبب معارضة كبار القرية الذين يدعون «بالمزاور» والمرتبطين بقائد الدوار. وبعد اكتشاف أمر المنظمة الخاصة السرية التابعة لحزب حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية في مارس 1950، اعتقل وصدر الحكم عليه بسنة ويوم سجنا، ولكن صديقه محمد الطاهر بن أخروف كلف المحامي محمد الصالح بن مصباح بالدفاع عنه وتمكن من إطلاق سراحه بعد عدة أيام فقط من صدور الحكم عليه، ويقال أن فرحات عباس استعمل نفوذه كذلك.
دبرت ضده مؤامرة اغتيال من طرف جماعة من خصومه والحاقدين عليه، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، رغم أنه وظف في القرية كمعلم للقرآن الكريم والصلاة بالناس، إلا أنه قاطع التعليم وهاجر إلى فرنسا وإلتحق بثلاثة إخوة أشقاء له هناك، وبقي عندهم عاما واحد ثم عاد إلى القرية وبصحبته بندقية صيد اشتراها من هناك ودعا سكان القرية إلى بناء مدرسة جديدة تليق بالتعليم العصري الحديث، لكنه وجد معارضة ضده من قائد الدوار وأعوانه في القرية الذين استعملوا النعرة القبلية وأذكوها حتى قسموا سكان القرية إلى صفين متعاديين.
وعندما حاول سكان القرية المجاورة إصلاح ذات البين وجدوا صعوبات كبيرة ولم يفلحوا في مساعيهم، لكن المدرسة أسست في المكان المقرّر له وأرسلت جمعية العلماء الشيخ أحمد حسين ليصلح ويهدئ الأمور بين الفريقين، وبعد فتح المدرسة تغيّر أسلوب الشيخ عيسى ولوحظ عليه كثرة التغيب عن القرية لفترات أحيانا تطول وأحيانا تقصر، ولاحظ عليه أفراد عائلته كثافة التجمع مع رفاقه إثر كل عودة من غيابه في منزله.
خاض معارك في قرى إقليم أو موسى وبوختالة وثاركبات
وفي أواخر 1954 غاب عن القرية أكثر من شهرين ، وفي إحدى ليالي نوفمبر عاد واجتمع بمعلم القرية «علي الحوار» في منزله وطال اجتماعهما، وفي الصباح أخبر أسرته بأنه سيسافر إلى تونس ليعالج عينييه وهو في الحقيقة ينظم اتصالاته بالمجاهدين، ولم يعد إلى القرية إلا بعد أن حمل السلاح وارتدى اللباس العسكري وكان رائدا في تبليغ الثورة إلى قرى المنطقة مثل القلعة، تازلة، بلعيال، والشكبو وغيرها.
في أواخر 1955 اشترك مع المجاهدين في محاربة المصاليين المعارضيين للثورة بنواحي أوقاس وبني يعلى والبابور، حيث خاض معارك في قرى إقليم أو موسى وبوختالة وثاركبات.
 وفي عام 1956 أرسله القائد عميروش إلى الأوراس في مهمة وعاد بفيلق من الجنود على رأسهم المجاهد البطل علي النمر.
بعد مؤتمر الصومام عاد إلى مسقط رأسه مع عدد من ضباط جيش التحرير الوطني أبرزهم زيغود يوسف، أعمر أوعمران، وبعد ذلك حيكت ضده مؤامرة من طرف الحاقدين عليه فمثل أمام لجنة تأديب وجرد من كل رتبه العسكرية، ونقل إلى بلاد القبائل الكبرى وواصل عمله حتى استعاد كل رتبه العسكرية، استشهد بربوة سيدي المسعود في ضواحي أربعاء بني دوالة في شهر جويلية 1958، كان يحمل رتبة نقيب وقد أقام مجاهدوا المنطقة سنة 1987 نصبا تذكاريا له ولزملائه في مكان استشهادهم.