طباعة هذه الصفحة

الأستاذ محمد عمرون من جامعة تيزي وزو لـ«الشعب»:

نجاح الحّل السياسي في ليبيا مرهون بإرادة الداخل وتوافق الخارج

حوار : فضيلة دفوس

عادت الأزمة اللّيبية هذه الأيام الى واجهة الاهتمام العالمي من خلال المساعي التي تبذلها ألمانيا بهدف عقد مؤتمر دولي يعيد مسار العملية السياسية الى سكته الصحيحة.
المسعى الألماني يتزامن والاقتتال الدائر بالعاصمة طرابلس بين الأطراف الليبية التي تحولت إلى فواعل منفذة لإرادات قوى إقليمية ودولية همّها الوحيد الاستحواذ على ثروات الليبيين ومدّ نفوذها في هذه الدولة التي تمثل نقطة وصل بين أوروبا و أفريقيا .
حول أهداف هذا المؤتمر و حظوظ نجاحه بعد فشل مؤتمري باريس و باليرمو، حاورت « الشعب»، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، محمد عمرون، الذي خلص الى أن طاولة المفاوضات هي الفيصل بين الفرقاء الليبيين، لكن يجب أيضا أن ترافقها توافقات بين القوى الإقليمية والدولية المتنافسة حول ليبيا لفرض الحل السياسي السلمي.
- « الشعب»: عاد الحديث عن مؤتمر دولي حول ليبيا تسعى هذه المرة ألمانيا لعقده قبل نهاية السنة، ما تعليقكم؟
 الأستاذ محمد عمرون: هي مبادرة جديدة ضمن مجموعة من المبادرات السابقة التي تحاول إعطاء نفس جديد لحل الأزمة الليبية التي طالت، وتداعياتها توسعت، واللاعبون فيها من دول وجماعات تكاثرت أعدادهم، ويبدو أن الأوروبيين يريدون إنهاء هذه الأزمة بسرعة مقارنة ببقية القوى الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس كثافة مبادراتهم في هذا المجال، فبعد مؤتمري باريس وباليرمو، برلين تستعد لعقد مؤتمر آخر في هذا الخريف حول ليبيا، والحقيقة أن هذا الاهتمام الأوروبي مرّده بالأساس إلى تكلفة الأزمة في ليبيا على أوروبا، هذه التكلفة يمكن ان نرصدها في صورتين، الأولى: كون أن النزاع واستمراره بهذه الطريقة سيفاقم التهديدات الإرهابية ويزيد من تدفق اللاجئين ولا ضمانات حول تأمين مصادر الطاقة، وهي مسائل تشكل تهديدا مباشرا لأمن أوروبا، فالمسائل الثلاث كلها حساسة وحيوية بالنسبة للأوروبيين، لا يمكن التغافل عنها، وتستوجب التحرّك السريع.
الصورة الثانية مرتبطة بتحوّل الأزمة في ليبيا إلى موضوع خلاف رئيسي بين قوى مهمة داخل الاتحاد الأوروبي، وما حدث بين فرنسا وإيطاليا من خلاف ديبلوماسي حاد حول هذه الأزمة مؤشر سلبي على تماسك وتجانس السلوك الأوروبي الجمعي اتجاه الأزمات الدولية، وبالتالي فالتحرك الألماني مفهوم، حيث جاء لإنقاذ البيت الأوروبي من أزمة تصدّر تهديدات خارجية حقيقية وتؤثر في البناء التكاملي الأوروبي داخليا.

الوسيط الألماني يتوّفر  على المصداقية


- بعد إخفاق مؤتمري باريس وباليرمو، هل تتصوّرون بأن ألمانيا ستنجح فيما فشلت فيه فرنسا وإيطاليا بإحياء العملية السياسية في ليبيا؟
 إن نجاح أي مبادرة لحل الأزمات الدولية مرتبط بتوفر مجموعة من المعطيات في الوسيط وفي الفواعل المباشرة وغير المباشرة المشاركة في الحوار، ففي الحالة الليبية، نجد أن الوسيط الألماني يتوفر على قدر من المصداقية والثقة، كون ألمانيا لم تتورط في تسليح أي جهة من الجهات المتصارعة في ليبيا، كما أن موقفها غالبا ما كان يتماهى مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وهي نقطة قوة سترتكز عليها الديبلوماسية الألمانية من أجل إقناع طرفي النزاع في ليبيا للجلوس إلى طاولة الحوار، بالمقابل فإن نقص خبرة ودراية ألمانيا بالواقع الليبي مقارنة بفرنسا وإيطاليا، قد يحد من فاعلية الوسيط الألماني في هذا المجال.
أما عن الفواعل المشاركة في هذا الحوار، فإذا ما تحدثنا عن طرفي الأزمة المباشرين وهما حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج في طرابلس، والجيش الليبي بقيادة حفتر، فإنهما لم يصلا إلى درجة الإدراك المشترك المفضي إلى ضرورة إيجاد الحل وتقديم التنازلات، وهو ما يعكسه استمرار الاقتتال في العاصمة طرابلس لما يزيد عن الستة أشهر، وهي صورة تعكس عن إرادة الحسم بالقوة وليس بالحوار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الفواعل غير المباشرة المؤثرة في النزاع ليست متوافقة عن الحل، فبينما تدعو الجزائر وتونس إلى حل سياسي توافقي بين طرفي الأزمة، تتبنى قوى إقليمية ودولية أخرى مثل مصر والإمارات وقطر وتركيا و فرنسا وروسيا مقاربة دعم أحد الأطراف على حساب الآخر، وبالتالي فإنه من الصعب الحديث عن فرصة انعقاد هذا المؤتمر ناهيك عن نجاحه، فنجاح المؤتمر مرتبط بمدى تغير الظروف الحالية وعلى رأسها تقارب في وجهات النظر بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف الليبي.

- بينما تتضاعف الجهود والمساعي لإعادة قاطرة الحل السياسي إلى سكتها الصحيحة، لا يزال الوضع الميداني في ليبيا يعيش على وقع الاقتتال والهجوم العسكري الذي أطلقه اللواء المتقاعد خليفة حفتر في أفريل الماضي على العاصمة طرابلس، ما الحل لهذه المعادلة الصعبة؟
 أعتقد أن اللّواء المتقاعد خليفة حفتر كان يهدف من وراء هذه العملية إلى الحسم العسكري أو على الأقل تحقيق نتائج ميدانية على الأرض من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة، يضطر فيها «السراج» إلى تقديم تنازلات كبرى، لكن على الأرض، وبعد ستة أشهر من بداية الهجوم على طرابلس، الأمور لم تحسم، وحالة الكرّ والفرّ، هي المسيطرة في جبهات القتال، وبالتالي رهان «حفتر» خاسر إلى حد الآن، وهو الذي وعد بـ «تحرير» طرابس، في غضون أسابيع، وأمام تزايد عدد القتلى والضغط الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المطالبة بوقف العمليات، قد يجد «حفتر» في مؤتمر برلين فرصة حفظ ماء وجهه من خلال تعليق العمليات العسكرية أو إعلان توقفها، وهذا ضمن مخرجات هذا المؤتمر، بالمقابل قد ترفض حكومة الوفاق الوطني الجلوس إلى طاولة الحوار ما لم يتوقف القتال في طرابلس، في محاولة منها لزيادة الضغط على اللواء «حفتر»، وفي كل الأحوال، يبدو أن الطرفين يستخدمان كل الأدوات المتاحة،السياسية والعسكرية والدبلوماسية من أجل الحسم، إلا أن موازين القوى بينهما مازالت متقاربة، ما يجعل «الحسم» مؤجل على حين.

الفرقاء .. فواعل تنفذ إرادات قوى خارجية

 - معضلة ليبيا وسبب مأساتها هي الجهات الخارجية التي تحرك الفرقاء الليبيين كالبيادق وتزّج بهم في حرب بالوكالة لا تبدو لها نهاية، ما قولكم؟

 شكّل «الخارج» عاملا مؤثّرا في صيرورة أحداث ما يسمى بـ «الربيع العربي»، ولعلّ الأزمتين السورية والليبية تجسد أعلى مظاهر هذا التأثير، ففي ليبيا، مارست قوى إقليمية ودولية تدخلا مباشرا في شؤون هذا البلد، بل نجد أن فرنسا وإيطاليا يتنافسان على مصادر الطاقة بهذا البلد، أما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية فكلاهما يريدان إنتاج نظام سياسي يتماهى مع سياستهما في المنطقة، فلن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بتكرار تجربة نظام القذافي الذي شكل عقبة في وجه كثير من السياسات الغربية في إفريقيا، كما أن روسيا لن تقبل بنظام سياسي ليبي جديد يبتعد عن دائرة نفوذها، وفي خضم كل هذا التناقض المصلحي، تحوّلت الأطراف الليبية المتصارعة إلى فواعل منفذة لإرادات قوى إقليمية ودولية أكثر من كونها أطرافا ليبية تخدم لصالح ليبيا والليبيين.

المعضلة الأمنية تتفاقم بالجنوب

- لا شك أن عدم الاستقرار في ليبيا يلقي بظلاله الداكنة على المنطقة والجوار، خاصة وأن الحديث يدور عن لجوء الكثير من إرهابيي داعش إلى الجنوب الليبي بعد دحرهم من سوريا والعراق، ما تعليقكم؟
 لا شك في أن ليبيا تحولت منذ 2011، إلى بؤرة للإرهاب وعديد الجرائم المنظمة من تهريب للبشر، إلى تجارة المخدرات، فحالة «اللادولة» التي تعيشها ليبيا اليوم، تشجع مثل هذه التنظيمات على الاستقرار فيها والانطلاق في عمليات داخل العمق الليبي أو في دول الجوار، وأمام الاهتمام الإعلامي والدولي بشرق ليبيا وشمالها (بنغازي وطرابلس)، فإن الجنوب «المسكوت عليه» تحوّل إلى مستقبِل لكل الإرهابيين ليس من العراق وسوريا فقط، وإنما من الساحل جنوب الصحراء، بعد تشديد الخناق عليهم في هذه الدول، وكلما طال أمد الأزمة الليبية، كلما استقوت هذه الجماعات أكثر وربطت صلات مع جماعات «مافيوية « عالمية، بل يتغلغل الإرهابيون في عديد القبائل في المنطقة، إما مصاهرة أو تجارة، ما يجعل فك الارتباط بينهم لاحقا أمرا معقدا، ليتحول الجنوب الليبي إلى معضلة أمنية قد تستغلها قوى غربية كذريعة لأجل إنشاء قواعد عسكرية بالمنطقة، وتقويض السيادة الليبية وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة.

الحل في ليبيا يجب أن تكون فيه بصمة جزائرية

-  أكيد أن الجزائر تدرك المخاطر التي تحيط بها بسبب الأزمة اللّيبية وهي تتعامل مع الوضع بحذر ويقظة، ما قولكم؟
 منذ بداية الأزمة اللّيبية، رافعت الجزائر من أجل حل سلمي وسياسي لهذه الأزمة، وحذرت من التدخلات العسكرية، وكانت قد رفضت من قبل تدخل حلف الناتو في ليبيا سنة 2011، تماشيا مع مبادئها في السياسة الخارجية، واستضافت على أرضها في عديد المرات، جميع الأطراف الليبية من اجل الحوار والدفع بمسار سياسي آمن لحل الأزمة، وعملت على التنسيق مع دول الجوار من أجل توحيد المقاربة والرؤية نحو هذه الأزمة، من خلال استحداث آلية للتشاور بين دول الجوار الليبي، كما دعمت كل القرارات الأممية والاتفاقيات في هذا الصدد، وهي بذلك تحاول الخروج من منطق الاستقطاب والصراع الذي تريد أن تفرضه قوى إقليمية ودولية في هذا النزاع -كما اشرنا إلى ذلك سابقا-، إلا أن الواقع الجغرافي يفرض على الجزائر أن لا تغيب عن أي حل سياسي مستقبلي في ليبيا، فإفرازات الأزمة الليبية مهما كانت، بايجابياتها أو سلبياتها، ستكون فيها الجزائر أول المتأثرين بها، وعليه أعتقد بأن أحد أهم التحديات الراهنة في السياسة الخارجية الجزائرية هي الأزمة الليبية، حيث أن الحل في ليبيا يجب أن تكون فيه بصمة جزائرية، وهذا تعزيزا لأمننا القومي وحفاظا على سيادتنا الوطنية، خصوصا وأن أطرافا إقليمية ودولية عملت على تحييد الدور الجزائري في حل الأزمة الليبية.

طاولة المفاوضات هي الفيصل بين طرفي النّزاع

- في الأخير، إلى متى تستمر الأزمة اللّيبية، وهل ستكون الغلبة لصالح الحلّ السلمي؟
 عاجلا أم آجلا، ستكون طاولة المفاوضات هي الفيصل بن طرفي النزاع في ليبيا، فأمام صعوبة الحسم العسكري لأي طرف، تقتضي العقلانية من الجميع، الإسراع في الحوار والخروج بورقة طريق سياسية برعاية أممية، تكون الأولوية فيها لإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية على أساس احترام الإرادة الشعبية.
عقلانية طرفي النزاع في ليبيا يجب أيضا أن ترافقها توافقات بين القوى الإقليمية والدولية المتنافسة حول ليبيا، لتسهيل الحوار، أما عدا ذلك، فالوضع في ليبيا سيزداد تأزما، والتدخلات الأجنبية ستزداد حدّتها، وسنتجه إلى حالة من كسر العظام، يكون فيها الخاسر هو ليبيا الوطن والمواطن اللّيبي بالدرجة الأولى.