طباعة هذه الصفحة

شهادات تاريخية عن مظاهرات 11 ديسمبر 1960

محطّة خالدة في مسيرة الثّورة...قال فيها الشّعب كلمته

الجزائر: سهام بوعموشة

تحل علينا الذّكرى 59 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، التي قال فيها الشعب الجزائري كلمته «لا للإستعمار الفرنسي، نريد استقلال بلادنا وإطلاق سراح زعماء الثّورة»، وتشاء الأقدار أن تطل هذه الذكرى التاريخية الخالدة وبلادنا تعيش حراكا شعبيا سلميا من أجل التغيير، وإعادة مكانة الجزائر التي شوّه صورتها عملاء فرنسا بالداخل الذين خانوا الشّهداء.
انتفاضة 11 ديسمبر 1960 شكّلت منعرجا حاسما في حرب التحرير الوطني، وبرز صداها على الصّعيد الخارجي بتسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة، خرجت فيها الجماهير في عدة مدن أهمها الجزائر العاصمة، كانت بدايتها حي بلكور وبالتحديد شارع ليون سابقا محمد بلوزداد حاليا. لم تكن الوضعية العامة في العاصمة على أحسن ما يرام، حسب ما جاء في الكتاب الصادر عن الجمعية التاريخية والثقافية 11 ديسمبر 1960 لبلدية بلوزداد سنة 2010، في أجواء صعبة سادها اليأس وخاصة غياب الثقة، مدينة محاطة بالجيش والشرطة إذ كان القمع سيد الموقف، إضافة إلى مخططات «شا»ل والحجارات المفقودة والتوأمان التي قام بها الجنرال ديغول. في نفس الفترة جرت عدة مبادرات سياسية منها الخطاب حول تقرير المصير في سبتمبر 1959، النداء من أجل توقف القتال في نوفمبر 1959، ما يعرف بسلم الشجعان في جوان 1960، وبمجرد أن شعر المتشدّدون بأنّهم مهدّدون لجأت جبهة الجزائر فرنسية لتدعيم المنظمة، ودعا عشية سفر الجنرال ديغول إلى إضراب عام.
موازاة مع ذلك، حاول بعض الضباط المؤيدين لسياسة الجنرال ديغول أن يغتنموا الفرصة لدفع الجزائريين إلى مساندته، معتقدين بأن شعارات مثل «يحيا سلم الشجعان»، «عاشت الجزائر جزائرية»، «عاش ديغول» يمكنها كسب الجزائريين وجعلهم يقفون إلى جانب ديغول ضد الراغبين في التطرف وفصلهم عن الحكومة المؤقتة وعن جبهة التحرير الوطني.
المظاهرات امتدّت لباقي الولايات حيث بدأت المظاهرات يوم 9 ديسمبر بالغرب الجزائري حين زار ديغول عين تموشنت للتصريح بأنّ الجزائر جزائرية، أين نشبت مواجهات ويوم العاشر من نفس الشهر بالعاصمة استمر الفرنسيون في التظاهر ومهاجمة الجزائريين، وتنصب الحواجز مع إطلاق عدة قنابل يدوية، المواجهة مع قوات الأمن الفرنسي بلغت أعالي العاصمة بديار المحصول، السعادة، سهول باب الوادي والحراش والقبة وبئر مراد رايس وبئر خادم والقصبة ومناخ فرنسا، حيث كانت النّقاط السّاخنة في الأحياء الشعبية رافعين شعارات «الجزائر جزائرية»، «الجزائر مسلمة» و»أطلقوا سراح بن بلة». أما يوم الأحد 11 ديسمبر 1960 وردت برقيات عن وكالة الأنباء الفرنسية، والتي تناولتها صحيفة «لوموند»، تؤكّد أنّ الجزائريين ينزلون من الأعالي التي تقع فوق شارع ليون بلوزداد حاليا، وهم يردّدون شعارات تعبّر عن الوطنية حاملين الأعلام الخضراء. وتضيف الصحيفة أنّه حين وصولهم إلى شارع جليان المسمى اليوم شارع مولود زكاري استقبلوا بالرصاص الذي أطلقه أوروبيون، فرقة من حراس السلك، وفي حدود الساعة الحادية عشرة وقعت صدامات في شارع جليان وفرقة من المظليين تتموقع في الحي، وفي منتصف النهار أفواج من الجزائريين يتحركون في مختلف الأحياء بديار المحصول والسعادة والمرأة المتوحشة، وتغلق الطريق في وجه الآلاف من الجزائريين الذين اجتمعوا حول علم كبير قرب مقبرة سيدي امحمد يغنّون ويصرخون والأعلام الخضراء والبيضاء في النوافذ بأيدي النساء. وفي الساعة الواحدة زوالا ازداد عدد المتظاهرين الجزائريين حيث فاق الخمسة آلاف، مرددين «الجزائر حرّة»، «عاشت جبهة التحرير»، «عاشت الحكومة المؤقتة»، «يسقط ديغول»، «عباس في الحكم»، «التفاوض مع الجبهة»، «يسقط «لقيارد»، وبعد هذا بقليل تقع أحداث مؤلمة بباب الوادي بين الأوروبين والجزائريين، ويكلّف الجنرال «قنب ولد»بإعادة الأمن في العاصمة. لكن المواجهات تستمر في ديار المحصول وبباب الوادي، وفي حدود الساعة السادسة مساء والربع الوضع يهدأ تدريجيا في نواحي العاصمة مع بقاء الغليان في بلكور، ويدخل حضر التجوال حيز التنفيذ ابتداء من الساعة الثامنة ليلا، وامتدت المظاهرات إلى ولايات وهران، عنابة وقسنطينة. المظاهرات حقّقت نجاحا سياسيا ودوليا ومتنفّسا للثورة في الجبال كانت تشير الحصيلة الرسمية إلى 200 قتيل وحوالي 500 جريح، دون احتساب الذين عولجوا من طرف أطباء جزائريين في مراكز العلاج المخصصة للمظاهرات. حقّقت المظاهرات صدى عالميا، حيث وجّه فرحات عباس نداء تضامن الدول العربية، وكانت الردود عديدة بمساعدة تيتو وشون إن لاي وجمال عبد الناصر الذي ندّد بالهجمة الحقيرة، وأكد ملك المغرب تضامنه مع الجزائر وكل سفراء الدول العربية المعتمدة بتوتس، ونفس الموقف عبّرت عنه المنظمات النقابية للصين وإيطاليا، المغرب، ألمانيا والإتحاد السوفياتي. في نيويورك كان التحضير للدورة 15 لدورة منظمة الأمم المتحدة خاض فيها المندوبون الجزائريون معركة لتنظيم استفتاء تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وقد ساعدتهم المظاهرات في مهمتهم وعبّر عن ذلك كريم بلقاسم قائلا: «قال لنا أمحمد يزيد الذي كان مع الوفد الجزائري في نيويورك إنّ مظاهرات 11 ديسمبر لعبت دورا أساسيا في النقاشات وسمحت بتغليب إختيار الشعب في تقرير مصيره، وكانت أهم نجاح دبلوماسي في كفاحنا من أجل التحرير الوطني، وأعلنت المجموعة الدولية في هيئة الأمم المتحدة ولأول مرة عن وقوفها إلى جانبنا»، حيث كانت هذه المظاهرات متنفّسا للثّورة في الجبال.