طباعة هذه الصفحة

لبنان محاصر.. في حلقة التكليف والتأليف

تفاوت صارخ بين مطالب الحراك وطرح السياسيين

جمال أوكيلي

ما زال اللبنانيون محاصرين في حلقة التكليف والتأليف المغلقة.. في كل مرة يطفو إلى السطح اسم لا يلبث أن يختفي بشكل سريع وهذا ما ينطبق على الصفدي والخطيب، ليعود الحديث عن الحريري لرئاسة الحكومة وتزداد معه موجه المعارضة لهذه الشخصية في الشارع احتجاجا على هذا «القرار» الذي ورد على لسان الخيار الثاني المقترح لتولي الجهاز التنفيذي عقب لقائه برجل دين أثار دهشة الرأي العام الداخلي بالتحديد لهذه الكيفية في فرض هذا السياسي في الوقت الذي كان فيه الجميع يبحثون عن البديل لاستكمال مسار سد الفراغ الناجم عن الاستقالة عند اندلاع الأحداث في ١٧ أكتوبر ٢٠١٩.

عودة اسم الحريري ليس قرارا داخليا بحتا وإنما امتدادات بما أفرزه اجتماع باريس الخاص بلبنان والذي تحفّظ في الكشف عن ما قرّره.. ماعدا مطالبة عون بإعادة النظر في منهجيته السياسية في تسيير شـؤون البلد.. ودعوته إلى ما أسموه بتقدير المخاطر المحدقة بالوضع العام وهذا الكلام رسالة موجهة إلى الرئيس اللبناني لتحمّل مسؤوليته تجاه ما يجري في لبنان.. وضمنيا عبارة عن تحذير شديد اللهجة من لدن هذه الأوساط قصد إحداث تغيير جذري في المقاربات الراهنة وتداعياتها على الآجال القادمة.. وهكذا لا ترى في هذه الانتقائية سوى التمسّك بالحريري، تفاديا للوقوع في خيارات غير راغبة فيها كانفراد الموالين لحزب الله، بالقرار وتغييب بقية المكونات من المشاركة في صناعته.
وإن كان التدخل الفرنسي متأخرا فهذا يفسر على خلفية أن عون رفض الإملاءات الخارجية القاضية بفكّ الارتباط بين الثلاثي التيار الوطني الحر، حزب الله وحركة أمل وأن الحل اللبناني ـ لبناني ولا داعي للأطراف الأجنبية التي تريد عنوة حشر أنفها فيما لا يعنيها حتى وإن كان ذلك بحكم «التاريخ».. هذا من جهة وجهة ثانية فإن نغمة تقنوقراطية المشكلة من الكفاءات والاختصاصيين تسمع من جديد، وغايتها إبعاد السياسيين من دائرتها.. وهذا فعلا ما يريده جماعة باريس.
الخلاف الحاد اليوم، قائم حول هذه النقطة الجوهرية الحريري يرغبها على هذه الصيغة، حتى يتخلص ويذهب عنه صداع السياسيين ويعمل في هدوء بعيدا عن أي ضغط يذكر.. وفي مقابل ذلك ينكبّ على حل الأزمات المتعدّدة الجوانب التي تعصف بالبلد، ومثل هذه القناعة «غير واقعية» لأن هذه المعضلات ليست من صلاحية الوزراء وإنما المعالجة تسند إلى فرق وأفواج عمل من الخبراء.. هذا ما جعل باسيل جبران يثور على هذا الطرح رافضا الانضمام إلى أي طاقم حكومي يقصي المكونات السياسية ليتقاطع مع عون الذي يحبذ المناصفة ما بين ما هو سياسي واختصاصي.
والإنسداد حاليا يوجد على هذا المستوى فمن الصعوبة بمكان التوصل إلى حل وسط خاصة وأن السياسيين نسيوا ما يجري في الشارع من مواقف متصلّبة حيال الطبقة الحزبية الحاكمة والمسيطرة على مفاصل الدولة.. لا يريدون هؤلاء الشباب مفهوم السلطة باسم الانتماء إلى الطائفة وتجديد الثقة في سعد يعني استنساخ لأساليب حكم كانت السبب المباشر في الحراك الشعبي.
حتى وإن كان ينتمي إلى الفئة السنية الواسعة فإنه لا يلقى ذلك الإجماع المأمول من قبل مكونات أخرى التي لا ترغب في إعتلائه سدة رئاسة الحكومة مرة أخرى بعد أن سير العهدات السابقة بصعوبة كبيرة انتهت بانتفاضة الشارع إلى غاية يومنا هذا وظهرت فعلا الفجوات في المنظومات الاقتصادية والاجتماعية ويسميه اللبنانيون بـ «الوجع» وهو قمة الشعور بالإقصاء والتهميش من قبل الدولة المركزية يترجمه للأسف تنمامي كره أو كراهية الطبقة الحزبية لم تحدث أبدا في حوليات الفعل السياسي في لبنان.
ولا يدري المتتبعون للشأن اللبناني الشخصية البديلة للحريري في حالة الرفض الشعبي المتواصل للنماذج المقترحة لإدارة هذه المرحلة الحساسة والشائكة، وهذا بعد الصفدي والخطيب ففهي كل مرة تبدو البوادر الأولى للتسوية إلا تسقط سقوطا حرا من قبل القوى الخفيفة التي لا تريد الاستقرار لهذا البلد والدليل كل هذا التداخل وضيق الأفق في إيجاد المخرج اللائق والذي لا يكون سهلا أبدا.