طباعة هذه الصفحة

اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا بالجزائر:

تأكيد حتمية وقف إطلاق النار واستئناف التسوية السلمية

المركز الدولي للمؤتمرات: حمزة محصول

 إشادة باستعداد الجزائر لاحتضان الحوار بين الليبيين

 رفض صــــارم للتدخـــلات الأجنبية في الشـــأن الليبي

شدد وزراء خارجية دول جوار ليبيا، على «ضرورة تثبيت الهدنة والالتزام بوقف إطلاق النار» في هذا البلد النفطي، ودعوا الأطراف الليبية «للانخراط في مسار الحوار السياسي»، للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة بعيدا عن التدخلات العسكرية والأجنبية.

خلص الاجتماع «التشاوري»، لوزراء خارجية 5 دول جوار ليبيا زائد مالي، الذي احتضنته الجزائر، إلى عديد التوصيات الداعية إلى تسريع الحل السلمي في ليبيا»، عبر «حوار سياسي ليبي- ليبي شامل»، برعاية أممية وبمشاركة الاتحاد الإفريقي ودول الجوار.
حضر اللقاء، الذي دعت إليه الجزائر وانعقد، أمس الأول، بالمركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة، رؤساء دبلوماسية تونس، مصر، السودان، تشاد والنيجر، ودعيت مالي إلى الاجتماع رغم أنها لا تملك حدودا مباشرة مع ليبيا، لكن لأنها عيّنة ماثلة عن تداعيات الأزمة الليبية على دول الجوار ومنطقة الساحل الإفريقي.
وأصرّ وزير خارجية ألمانيا، هايكو ماس، على المشاركة في الاجتماع الذي ينعقد على ضوء مخرجات مؤتمر برلين، أين ألقى كلمة أكد فيها، حجم المشاكل التي تسببها الفوضى الحاصلة في ليبيا على دول الجوار.
وقال ماس: «إن الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة والإرهاب، كلها تهديدات تعاني منها دول الجوار ومصدرها الوضع الأمني المتأزم في ليبيا»، معتبرا أن الاجتماع «مهم لإفريقيا وأوروبا على حد سواء».
وعزز الوزير الألماني، ما ذهب إليه نظراؤه من الدول التي تقاسم حدود شاسعة ووعرة مع ليبيا، حينما قالوا إنهم «أول المعنيين بالأزمة الليبية بعد الليبيين»، لذلك «لنا رأينا وسوف نقدمه للجميع»، يقول رئيس الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقدوم.
ونظرا للروابط التاريخية والجغرافية بين ليبيا وجيرانها، خرج المجتمعون في لقائهم «التشاوري»، بعديد التوصيات الداعمة بإلحاح إلى تسوية سلمية وشاملة للأزمة «برعاية أممية وبمشاركة الاتحاد الإفريقي ودول الجوار»، مثلما ورد في البيان الختامي.
رفض العنف
المشاركون في اجتماع الجزائر، وانطلاقا من مبادئ الحرص على «الوحدة الترابية والوطنية وسيادتها»، ومن واجب التضامن مع «الشعب الليبي الشقيق»، عبّروا «عن انشغالهم العميق إزاء التطورات الخطيرة التي تشهدها ليبيا وتداعياتها السلبية على أمن واستقرار دول الجوار».
وتناغما مع المخرجات الرئيسية لمؤتمر برلين المنعقد، الأحد الماضي، أكد «الوزراء على ضرورة التزام الأطراف الليبية بوقف إطلاق النار»، معلنين في السياق عن دعمهم للنتائج التي خلصت إليها قمة القوى الكبرى.
ودعا اتفاق برلين إلى تثبيت الهدنة والسعي لإقرار اتفاق مستدام لوقف إطلاق النار مع تشكيل لجان مشتركة تتولى مراقبة العملية.
وأعرب الوزراء، «عن تطلعهم إلى أن يهتدي الأشقاء الليبيون إلى تسوية سلمية لأزمة بلادهم، بعيدا عن أية حلول عسكرية أو تدخلات أجنبية، بما فيها المرتزقة والميليشيات».
واللافت أن «المليشيات والمرتزقة»، لم تعد القضية المسكوت عنها، بعدما سببته من أضرار بشرية ومادية جسيمة في معركة السيطرة على طرابلس، التي بدأها العسكري المتقاعد خليفة حفتر في 04 أفريل الماضي.
«رفض الإرهاب والعنف مهما كان مصدره وتأمين الحدود والتنسيق الأمني»، من بين البنود التي تضمّنها البيان الختامي للاجتماع. كما شكل التطلع إلى «تنظيم الليبيين لانتخابات شفافة ونزيهة تعيد الشرعية للسلطة الوحيدة والموحدة» الهدف الأسمى الذي تدعمه دول الجوار.
المشاركون أشادوا «بالجهود التي بذلتها الجزائر خلال الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر برلين، والتي تجسدت في زيارات عديد الوفود رفيعة المستوى إلى الجزائر من بينها وفود ممثلة للأطراف في الأزمة الليبية».
وثمن المشاركون إعلان الجزائر خلال مؤتمر برلين، استعدادها لاحتضان «الحوار بين الليبيين»، بما يخدم وحدة الشعب الليبي وسيادته.
وضع لا يحتمل التصعيد
في كلمته الافتتاحية، أكد وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم، الذي ترأس الأشغال، أن «الوضع في ليبيا لا يحتمل التصعيد»، مفيدا «بأن دول الجوار لها من المسؤولية ما يؤهلها للقيام بالدور المنوط بها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة وتسهيل الحوار فيما بينها».
وأشار الوزير، إلى أن «روابط الأخوة والتاريخ المشترك، يستوجب علينا كدول مجاورة لليبيا، أن نكثف جهودنا في المرحلة المقبلة في سبيل دعم التسوية السلمية».
وحرص رئيس الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقدوم، على التأكيد بأن اجتماع دول جوار ليبيا «تشاوري ولا ينافس أية مبادرة من المبادرات وهدفه السلم والسلام بين الليبيين»، مشدد على أهمية التنسيق ودعم الاتحاد الإفريقي للجهود الأممية.
يذكر، أن آلية دول جوار ليبيا، أطلقت سنة 2014، بمبادرة من الجزائر، وعقدت عدة اجتماعات تشاورية على مستوى وزراء الشؤون الخارجية، وكادت أن تتطور إلى مستوى الرؤساء أواخر سنة 2017.
وتعثرت المبادرة في السنوات الأخيرة بفعل تعدد المؤثرين والمتدخلين المباشرين في المشهد الليبي، من خلال دعم الأطراف المتناحرة، ما أدى إلى تدهور الوضع وإفشال عديد المبادرات الأممية المتعاقبة.
وأعادت الجزائر بعث الآلية، أياما قليلة بعد احتضان العاصمة الألمانية لمؤتمر برلين، الأحد الماضي، ودعت إليه الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى الجزائر، تركيا، مصر وإيطاليا ومنظمات الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
أول ضحية
الجديد في اجتماع الجزائر هذه المرة، هو دعوة مالي للاجتماع، وهي التي لا تملك حدودا مباشرة مع ليبيا، لكنها تعتبر «أول ضحية للأزمة الليبية»، مثلما أكد وزير خارجيتها تييبيلي درامي.
وأشار درامي، أنه وبعد سقوط نظام القذافي سنة 2011، عن طريق العنف والفوضى والتدخل العسكري لحلف الناتو، «فقدت مالي الثلثين من مساحتها الجغرافية لصالح التنظيمات الإرهابية»، قبل أن تحرر بعد تضامن دولي ومساعدة دول غرب إفريقيا التي شكلت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة «ميونيسما».
الوزير المالي، لفت أيضا إلى آثار التصعيد الحاصل في ليبيا في الأشهر الأخيرة على بلاده والنيجر وبوركينافاسو، حيث تسبب هجمات تبنتها تنظيمات تابعة لداعش الإرهابي، في سقوط عشرات المدنيين والعساكر.
وتابع: «أن حل الأزمة الليبية على قواعد صحيحة أساسها الحوار والمصالحة الشاملة، من مصلحتنا جميعا (يقصد دول الجوار)»، مفيدا أنه لا يمكن حل الأزمة الليبية «دون الاتحاد الإفريقي والجيران».
وأشاد المتحدث بدور الجزائر التي تعمل بشكل حثيث من أجل حوار شامل «ندعمه جميعا». ولم يفوت الفرصة لتذكير المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه عشرات الأطفال والنساء الأبرياء الذين يموتون في الساحل الإفريقي بسبب الأزمة الليبية.
وزير خارجية التشاد، محمد الشريف الزين، واصل في نفس اتجاه نظيره المالي، مشيرا إلى التبعات الكبيرة والثقيلة التي تعانيها دول الساحل بسبب الأزمة الليبية.
وقال: «بعد الليبيين، نحن الجيران أول من يعاني مما يجري في هذا البلد الجار»، مستدلا بالعمليات الإرهابية الأخيرة في منطقة الحدود الثلاث بين مالي النيجر، بوركينافسو.
وأكد الزين، على أن الحل الوحيد في ليبيا لا يمكن أن «يخرج عن الحوار الشامل، الذي يتيح تهيئة الظروف الملائمة للحل ويؤسس لبناء مؤسسات الدولة الليبية»، داعيا إلى إشراك الاتحاد الإفريقي في المبادرة الدولية الجارية بقيادة الأمم المتحدة.
وانسجمت مداخلة الوزير التشادي، مع تأكيدات وزير الخارجية صبري بوقدوم بشأن «الطابع التشاوري للاجتماع»، حينما أكد أن تعدد المبادرات لم يؤد في النهاية إلا «لعرقلة مسار التسوية عدة مرات».
تبعات أمنية ومالية
وزير الخارجية التونسي صبري باش طبجي، شدد هو الآخر، على «تغليب الحكمة والتبصر بين القادة الليبيين»، من أجل وقف النزاع المسلح والعودة إلى طاولة الحوار.
وأكد أن الشروع في تسوية شاملة ضرورة مستعجلة، خاصة «وأننا المعنيون بالدرجة الأولى بما تعرف ليبيا»، يقول المتحدث. ليضيف: أن «التهديدات الأمنية على دولنا تجعلنا أكثر من يدفع التكلفة ويتكبد أكبر الخسائر».
في إشارة إلى تبعات تأمين الحدود والتصدي الاستباقي للأعمال الإرهابية والتكفل بالنازحين والمتضررين من الاقتتال الداخلي الليبي. وعبر الوزير التونسي عن دعم بلاده لنتائج مؤتمر برلين، خاصة ما تعلق بتثبيت الهدنة والعمل على بلوغ وقف إطلاق النار واستئناف الحوار السياسي، ونوه في الوقت ذاته بالدور الذي تلعبه الجزائر لحل الأزمة الليبية.
وأكد وزير خارجية مصر، سامح شكري، دعم بلاده «الصادق» لخلاصات مؤتمر برلين، مؤكدا أن الإرهاب وارتباطاته بالفوضى الأمنية الحاصلة في ليبيا، تمثل التحدي الأكبر لدول الجوار.
وأدان الوزير المصري، أطرافا خارجية تساهم في تأجيج الوضع من خلال تمويل وإرسال فرق من المرتزقة والمليشيات.
وكيل وزارة خارجية السودان عبد العزيز عبد الله، أعلن دعم بلاده للجهود الرامية لإحلال السلم في ليبيا، عن طريق الحوار بين الليبيين، للاتفاق على خطة انتقال ديمقراطي لإعادة بناء المؤسسات الليبية الموحدة.
وعبّر كل المتدخلين في الاجتماع، عن رفضهم «المطلق للتدخلات الأجنبية»، مهما كان مصدرها، واعتبروها أساس الأزمة الحاصلة في ليبيا منذ 9 سنوات.
ومما يفهم من الاجتماع، أن جيران ليبيا، يدفعون «بعد الشعب الليبي»، ثمن حماقات التدخل المباشر لجهات إقليمية ودولية في الشأن الداخلي الليبي ودعم طرف على آخر، ولا يريدون أن يحقق الآخرون مصالحهم الضيقة على حساب أمنهم واستقرارهم.
وزير الخارجية الألماني: أنتم مفتاح الحل
«أصر»، وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، على حضور اجتماع الجزائر لدول الجوار، خاصة أنه ينعقد أياما قليلة بعد المؤتمر الذي احتضنته بلاده حول الأزمة ذاته.
وبعد التشاور بين المجتمعين، انضم ماس إلى طاولة جيران ليبيا، بعد أن رأى أنه من المهم لبلاده متابعة أصداء «قمة» برلين لدى الدول المهتمة بالشأن الليبي.
وأثنى الوزير الألماني على دور دول الجوار، قائلا: «أنتم مفتاح الحل في ليبيا»، وأبدى تفهما كبير للانعكاسات الوخيمة عليهم بسبب دوامة العنف المؤججة بفعل التدخلات الخارجية.
وأشار المتحدث، إلى نتائج القمة التي استضافتها بلاده، خاصة ما تعلق بالتزام دول مشاركة بالامتناع عن دعم الأطراف الليبية المتصارعة، وفرض احترام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 المتعلق بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وقال ماس في هذا الشأن: «ننتظر أن تصدر الأمم المتحدة ما يفرض الالتزام بحظر الأسلحة ومعاقبة من يخل به».
ولحل الآن لا يوجد قرار أممي يضمن التنفيذ الصارم لقرار الحظر، من خلال إقرار العقوبات، وكشفت البعثة الأممية في ليبيا في آخر تقرير لها لمجلس الأمن أنها أحصت 10 دول خالفت لائحة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.