طباعة هذه الصفحة

شراكة متعدّدة القطاعات بمعايير دولية

سعيد بن عياد
25 جانفي 2020

تعكس علاقات التعاون بين الجزائر وتركيا صورة يمكن البناء عليها لعلاقات إقليمية ودولية بناءة قائمة على تقاسم الأعباء والمنافع لفائدة الشعوب في كنف السلم والاستقرار الذي يعطي نفسا للنمو والتنمية.
علاوة على العمل المشترك حول ملفات إقليمية بمعايير الشرعية الدولية، أبرزها الأمن والسلم، من خلال تعزيز التشاور والتنسيق، كما هو الحال بالنسبة للأزمة الليبية التي بلغت مرحلة متقدمة على مسار الحل السلمي، بوضع الملف على سكة الحوار وإبعاد التدخل الأجنبي، كما اتضح في ندوة برلين الدولية، فإن للجزائر وتركيا آفاقا واسعة لمواصلة العمل المشترك بمعايير شراكة متعددة القطاعات.
يوجد في سجل التعاون مؤشرات إيجابية تؤكد مدى القدرات التي يمكن تعزيزها في الظرف الراهن ومستقبلا ضمن معادلة متوازنة، لإنجاز أهداف النمو لفائدة البلدين، في ظل أزمة تضرب الاقتصاد العالمي، انعكست سلبا على الأسواق وزادها تأزما اللاإستقرار في أكثر من منطقة.
المستوى الرفيع للعلاقات السياسية، أثمر رصيدا معتبرا من المكاسب الاقتصادية، من خلال جملة مشاريع استثمارية وشراكة إنتاجية في أكثر من مجال، منها الصناعة النسيجية والفولاذ، إلى جانب المبادلات التجارية التي لاتزال حاليا لصالح الطرف التركي وينبغي تحسين ميزانها نحو توازن أكثر وفقا لرؤية مستقبلية ترتكز على تبادل الخبرات والتكنولوجيات، خاصة في قطاعات يمكن البناء عليها مثل السياحة المتبادلة والفلاحة والطاقات المتجددة.
اللقاء الذي يجمع رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات من البلدين، اليوم، فرصة أخرى للتواصل مجددا حول مشاريع مشتركة يلعب فيها القطاع الخاص دورا أكثر فعالية، ضمن الرؤية الإستراتيجية للاستثمار الخلاق للثروة والمنتج للقيمة المضافة في البلدين، وفقا للمؤشرات التي تعكسها السوق وبرؤية تتابع تطورات الأسواق العالمية والإقليمية.
الجزائر هي أول شريك لتركيا في القارة الإفريقية وهي مقصد ناجح لمؤسسات تركية تنشط في ظل تنافسية نزيهة، مستفيدة من نفس المعاملة التي تقدمها للمتعاملين الذين ينخرطون في ديناميكية الاستثمار، شريطة الالتزام بدفاتر الشروط ومعايير الجودة والآجال.
كما أن الجزائر بحكم مميزاتها الاقتصادية وخصوصياتها الإستراتيجية على مستوى الربط بين أسواق ضفتي المتوسط والعمق الإفريقي، قادرة على الدفع بشراكة إنتاجية أكثر حيوية، من حيث الحجم والقدرات في المنافسة، من خلال بناء مشاريع بين مؤسسات جزائرية ونظيرتها التركية لانتزاع مكانة هي في المتناول إذا تضافرت الإمكانات وتطابقت الرؤية، بحيث يتم إنجاز الأهداف الاقتصادية بنفس قوةِ الانسجام السياسي.
ولعل من أبرز الأوراق التي يمكن للمتعامل الاقتصادي التركي أن يستفيد منها بنظرة أوسع، الموارد البشرية الجزائرية، التي لديها الكفاءة لتقديم الإضافة التنافسية، في ظل اتجاه العالم إلى اقتصاد المعرفة واتساع رقعة الرقمنة لاقتصاد النفقات حتى يمكن للمنتوج أو الخدمة من كسب معركة المنافسة الإقليمية والدولية التي تواجه الاقتصاد التركي، خاصة في أسواق القارة العجوز، حيث يمكن للذكاء البشري أن يعطي المناعة للشراكة المتبادلة.
وتوفر المنظومة الجامعية والتكوينية موارد بشرية مؤهلة تواكب التطور العلمي والتكنولوجي بوتيرة لها أثرها في المسار الاقتصادي بثقل لا يمكن تجاهله، يمكن أن يدعم الدور الذي تلعبه الموارد المالية والمادية في بلوغ الأهداف الاقتصادية ويمكن لمشاريع بالشراكة المتبادلة أن تستفيد منها، خاصة المؤسسات الناشئة، على الفور، شريطة اتضاح معالم استثمارات ذات جدوى تحكمها تطلعات متوازنة وتقودها رؤية واضحة المعالم تراعي المركز الاقتصادي لكل طرف.
إن قطاعات مثل الفلاحة والصناعة التحويلية والسياحة والنسيج، الذي قطع شوطا معتبرا في الميدان، إلى جانب النقل بمختلف أنواعه، خاصة البحري، منافذ محفزة للعمل المشترك الذي يعود بفوائد متبادلة للبلدين، بحيث يمكن تجاوز مستوى التجارب والمبادرات المحدودة باتجاه رحاب عمل واسع النطاق يقود بواسطة مشاريع تستند إلى مؤشرات واقعية تدرج في البعد الزمني طويل المدى إلى إنجاز أهداف الاقتصاد للبلدين بمعايير عالمية تصمد أمام منافسة تقودها شركات دولية تستهدف الوصول إلى أسواق ناشئة بنزعة هيمنة تتطلب صياغة نمط شراكة أكثر جرأة حول قطاعات يراهن عليها من الجانبين.