طباعة هذه الصفحة

المؤتمر الدولي «القيمة في الدراسات الإعلامية» بمستغانم

نحـــو تأسيـس مركزيْــن لدراســة القيّـــم

أسامة إفراح

دعمت جامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم مسعاها إلى استكمال بناء مدرسة متكاملة للتفكير والبحث، في إطار ما بات يُعرف بـ»مدرسة مستغانم». وتجلّى ذلك في تنظيم مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية بجامعة مستغانم المؤتمر الدولي السادس «القيمة في الدراسات الإعلامية والأكاديمية»، بمشاركة 40 ورقة بحثية عُرضت خلال 6 جلسات علمية و3 ورشات تكوينية. وأكّد المشاركون على أخلقة العمل الإعلامي وتأطير العملية الإعلامية في الفضاء الشبكي.
نظم مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، المؤتمر الدولي السادس «القيمة في الدراسات الإعلامية والأكاديمية»، الساعي إلى تطوير العمل البحثي في الوسط  الجامعي، واستكمال بناء مدرسة متكاملة للتفكير والبحث أخذت تسمية «مدرسة مستغانم للإعلام»، وتطوير محاور عمل كرسي عبد الرحمن عزي للإعلام الذي تأسس انطلاقا من التوصيات السابقة للملتقيات المنعقدة في ذات الجامعة.
أكد منسّق التظاهرة الدكتور العربي بوعمامة على ضرورة تكثيف الجهود من أجل إعلام قيمي يراعي ضوابط مجتمعنا ومكوناته لتحقيق التماسك والتقدم والرقي. كما أكّد الدكتور بوعمامة لـ»الشعب» أن هذه التظاهرة العلمية هي نتاج تضافر جهود عدد من الأكاديميين وثمرة عمل متواصل على مدى سنوات، ومحاولة جادّة لانخراط الدراسات الإعلامية في مواكبة التحولات الحالية، والتأكيد على أهمية القيم في أداء الرسالة الإعلامية.
لم يخلُ برنامج هذه التظاهرة العلمية من بصمة الدكتور عبد الرحمن عزي، صاحب نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، حيث قًدّمت مداخلة افتتاحية له موسومة بـ»القيمة في الدراسات الإعلامية: نظرة مقارنة»، تطرق فيها الدكتور عزي إلى علاقة القيمة بالنص، خصوصا الدراسات الإعلامية التي تشكل سردا معرفيا، وتاريخ هذه العلاقة عندنا وفي الغرب.
تعدّ نظرية «الحتمية القيمية في الإعلام» واحدة من النظريات المُستَّجدة في حقل علوم الإعلام والتواصل، والتي تعرف حاليا نوعا من الاستواء النظري والمنهجي، الذي تَعرفه كافة النظريات العلمية والمعيارية أثناء صيرورة وانتقالها من الارتكاز على مَرجعية ابستيمولوجية مُتمايزة وتَحديد خياراتها المنهجية إلى نضجها وانخراطها في تَفسير الظواهر المُركبة والمُعقدة وإعادة بنائها في إطار مُنتظم وعلائقي.
في سياق الظرفية الحالية، تعيش المجتمعات العربية والإسلامية تحولات تكنولوجية دالة وعميقة على مستوى أبنية وسائط الإعلام والتواصل، خصوصا في ظل انصهار ثلاثية التكنولوجيا والاقتصاد والمجتمع، حيث أضحت التقنية مظهراً جوهريا من مظاهر التفاعل والتواصل الإنساني، ناهيك عن التغيرات في محتوى وآليات إنتاج المعني والمحتوى والمظاهر التي يتخذها.
يجدر الاعتراف بأنه يصعب الوقوف، من الناحية المنهجية والنظرية، عند مجمل هذه التحولات التي تميز مجمل الظواهر الاتصالية والإعلامية، خصوصا في بعدها الثقافي والقيمي والحضاري، إذ أن رصد هذه التحولات، لا يمكن أن يكون مثمرا ومفيدا، إلا بالاعتماد على مقتربات ومداخل علمية تمتاز بالديناميكية والحركية، وبشكل خاص، الاعتماد على مقاربة نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، كونها تشكل أهم المداخل النظرية والمعرفية لقراءة الوضع الراهن لهذه التحولات.
في هذا السياق وهذه الظرفية، جاء المُلتقى السادس لطرح الإشكاليات التي تَفرضها التَحولات الأنثروبولوجية والقَيمية، سواءً المُعلنة والظاهرة أو المُستترة، والتي نَتَجت بدورها عن التَحولات التَكنولوجية المُفاجئة والمُتلاحقة على مُستوى وسائط ونُظم الاتصال، كما يَهدف الملتقى إلى فَحص قدرة نظرية الحتمية القَيمية في بَلورة نَموذج تفسيري لفهم وتحليل مُختلف هذه التحولات، وكذا وَضع استبصارات مستقبلية دقيقة لأفق هذه التحولات في أبعادها القيمية والثقافية والحضارية، إضافة إلى مُحاولة سَبر مُختلف المَصاعب وكذا الرهانات، التي يُمكن التفكير فيها بُغية الدفع بالاتجاه القيمي مَنهجيا وابستيمولوجيا قدما وتَعضيد كفاءتها التفسيرية من أجل فَهم وتَفهم ما أحدثته وتُحدثه التكنولوجيات الرقمية على مستوى علاقات وتصورات ومخيالات وتمثلات الأفراد، خصوصا وأننا نمر بفترات قوية من التحولات العميقة على مستوى القيم الثقافية والجمعية.
تفرّع الملتقى، الذي انتظمت فعالياته، يومي 29 و30 جانفي المنقضي، إلى مجموعة محاور، نذكر من بينها: «التحوّلات التكنولوجية والقيمية، الدلالات والتقاطعات»، «مشروعية سؤال القيم في ظل الوسائط الاتصالية الجديدة»، «القيمة في دراسة الوسائل المسموعة والمرئية»، «القيمة في مناهج الاتصال الكيفية»، «القيمة والحياد في البحث العلمي الإعلامي»، «القيمة والتعاطف (empathy) في البحث العلمي الإعلامي».
خلص المشاركون في المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات، نذكر منها التأكيد على التواصل مع المؤسسات الأكاديمية والإعلامية في العالم العربي، حول أهمية دراسة القيم وتعزيز أهميتها في الدراسات الأكاديمية.
كما دعا المؤتمرون إلى ضرورة أخلقة العمل الإعلامي، وتأطير العملية الإعلامية في الفضاء الشبكي، مؤكدين أن العديد من الظواهر الخطيرة التي طالت الإعلام وكيانه الرمزي والمهني. ودعوا إلى إيلاء المنظومة القيمية مزيدا من الاهتمام في البرامج البيداغوجية والمناهج بالمؤسسات الجامعية لمختلف المستويات، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالدراسات التي تعنى بالوسائط الجديدة للإعلام والاتصال وضوابطها وتحدياتها، وإدراج مخرجات المنظومة القيمية الإعلامية في برامج التربية والتعليم الوطنية.
أوصى المؤتمر بعدم قصْر دراسات تأثير الإعلام الجديد على فئات الشباب فقط، بل تعميمها على باقي الفئات العمرية، وأيضا مخاطبة وسائل الإعلام الوطنية بضرورة تضمين شبكاتها البرامجية مواد وبرامج إعلامية توعّي مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حول الاستخدام الأمثل لها.
ثمّن المشاركون مبادرة قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، بتأسيس مركز دولي وآخر وطني لدراسة القيم، كما دعوا سلطة الضبط السمعي البصري إلى إدراج المراقبة القيمية للمضامين الإعلامية ضمن صلاحيتها.