طباعة هذه الصفحة

مذكّرا بتجربة الجزائر الرائدة

بلكـروي: أحلـم بمسرح للطفولـة والشبــاب

أسامة إفراح

يُعتبر المسرحي عبد القادر بلكروي من الأسماء ذات الخبرة الطويلة على الركح، وهو الذي عمل إلى جانب أعلام الفن الرابع، على غرار علولة وسيراط بومدين. لطالما حلم بلكروي بمسرح موجّه للطفولة والشباب، مع تحديد واضح ودقيق لمختلف الفئات العمرية، وما يلائم كلّ فئة من مضمون.
وعاد بلكروي، في هذه السانحة، إلى تجربة الجزائر في هذا الصدد؛ تجربة يمكن البناء عليها لمواكبة تحوّلات العالم الجديد، مع الحفاظ على خصائصنا وقيمنا.
ينطلق المسرحي عبد القادر بلكروي من أربعة عقود من الخبرة، يُحاول أن يستخلص منها ما قد يفيد مسرح الطفولة والشباب في الجزائر. ولكن قبل ذلك، يؤكد المسرحي عبد القادر بلكروي على أهمية الفن، ويخصّ بالذكر الفن الرابع.. يرى أنه في ظل التقدم التكنولوجي وذوبان الحدود، أصبح العالم مكانًا يمكن للجميع أن يتعلموا ويتواصلوا فيه، فالإنسانية تعيش حقبة جديدة وطموحات جديدة وفتوحات متعددة، ومع كل ما سبق بقي المسرح بالدور الرئيسي الذي يلعبه، هو المسرح.
ويتساءل بلكروي: «لماذا نزعج أنفسنا للخروج لمشاهدة عرض، ونتحدى البرد والمطر، ونأخذ من وقتنا ومالنا، عندما تكفينا نقرة فأرة ليكون هذا العرض في متناولنا؟ لأنه «المسرح» الفريد، الموجود بالكامل في لحظة معينة، إنها اللحظة التي لا يمكننا أن نمسك بها، العابر، الماء الذي يتدفق بين أصابع كل الفنون، إنه أكثر ما يشبه للحياة (يستشهد بلكروي بمقولة سارازاك)».
يعود بلكروي إلى الفضاءات التي وفرت «التعبير الاحتفالي» للطفل غداة الاستقلال، على غرار الكشافة الإسلامية الجزائرية، مراكز الشباب، المدرسة، السينما وغيرها... مشيدا بالمؤطّرين في ذلك الوقت: «كان الفعل التربوي ضروريًا وكان التأثير الثقافي يفرض نفسه. لقد أثمرت هذه المرحلة من حيث تكوين الكائن الاجتماعي».
ويعتبر بلكروي أن هذه الديناميكية تندرج ضمن مشروع إطلاق مسرح الطفولة والشباب في الجزائر المستقلة. ويستشهد بلكروي بتجربة مسرح وهران الجهوي «عبد القادر علولة»، التي يصفها بـ»المغامرة الجميلة»، دون أن ينفي وجود تجارب رائدة أخرى مثل تجارب المسرح الوطني الجزائري، مسرح بجاية، فريق 70 وفريق CT (وهران) ونجوم الغد (الجزائر العاصمة).
مثلا، مهّدت الاستفادة من التجربة والخبرة الألمانية الشرقية سنة 1974، مهّدت الطريق لتأسيس أول قسم مسرحي للأطفال في الجزائر، جمع ممثلين شبابا جددا من معهد برج الكيفان وبعض الأعضاء من الفريق الفني لمسرح وهران، وكانت أولى ثمار ورشة العمل مسرحية تحت عنوان «النحلة» سنة 1975.
تلى ذلك تجربة أخرى سنة 1979، كان بلكروي جزءًا منها كذلك، حيث يقول عنها: «كان شعارنا هو تقديم أفضل ما لدينا من خلال الصفات الفنية والسلوك المثالي. وهناك مجموعة من المبادئ التي وجهت رؤيتنا: أولا النظر في الطفل ككائن اجتماعي كامل. ثانيا، إنتاج مسرح يهم بالكبار ويعجب الأطفال. ثالثا، إقناع أفضل المؤلفين بالكتابة للأطفال، وأفضل المخرجين والممثلين بالانخراط في هذا المجال الصعب والمعقد». وتوالت النجاحات بعد ذلك، حتى نال المسرح الجزائري اعتراف الداخل والخارج بمستواه في مجال مسرح الطفل.
ويرى بلكروي أن خصوصية هذا النوع من المسرح تكمن في تنظيم العمل في أدوات المقاربات والتحليلات، وتنوع الريبيرتوار، وتحديد الفئات العمرية...». ويضيف: «يجب أن نكون جزءًا من دينامكية عالم جديد مع الحفاظ على خصائصنا وقيمنا».
كما أن المسرح فن جماعي بامتياز والعملية الإبداعية فيه هي مجموع الجهود المشتركة. من جهة أخرى، «شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فرض مسرح للأطفال لنفسه، خصوصا وأن الإشادة بفضائله لم تتوقف، فهو يتيح الوصول إلى المعرفة في فرحة اللعب والترفيه، وهو أيضا أداة تعليمية ذات أهمية كبيرة»، يقول بلكروي، مقدما وجهة نظر نقدية، حيث يعطي الأولوية لمجموعة من المعايير في تشكيل فرقة فنية، على رأسها المستوى التعليمي والفكري، ويقودها مخرج مقتدر متحكم في موضوعه، يتعاون بشكل وثيق مع أخصائي في السوسيوبيداغوجيا.
وممّا يؤكّد عليه بلكروي، ضرورة أن يطور مسرح الشباب برامج أنشطة جوارية، مثل: العرائس، والمهرج، وألعاب الخفة، والرقص، وغيرها... وهذا سوف يساعد على تنويع ريبيرتوار الشباب والتعريف بهم. كما يؤكّد على أن الاستقرار عنصر النجاح وكذلك الأداء، ويسمح بظهور نتائج نوعية. هذه هي الخطوط الرئيسة لحلم يسمى «مسرح للأطفال والشباب»، يقول عبد القادر بلكروي.