طباعة هذه الصفحة

المرحوم عياش يحياوي... هدوء ورزانة

«ذاكــرة المكـان» هـوس الشّاعــــر

جمال أوكيلي

رحل عنّا في غرّة الشّاعر والباحث عياش يحياوي، المقيم بالإمارات إثر تعرّضه لوعكة صحية خطيرة خلال الأيام القليلة الماضية، نقل على جناح السّرعة إلى المستشفى لتلقّي العلاج اللاّزم، غير أنّ خبر وفاته سقط كالصّاعقة على من عرفوا هذا الرّجل الهادئ في حركاته والرّزين في كلامه.
عياش كان إنسانا من طراز خاص لا يصاحب كل من تعرف عليه، زملاؤه يقاسمونه نفس القيم في التّربية والأخلاق بجريدة «الشعب» في أواخر الثمانينيات، منهم بشير حمادي، مصطفى هميسي، عبد الحميد عبدوس، بوعلام رمضاني، عبد الرحمان شويعل، قاسم الدراجي، عبد الرزاق دكار، عبد العزيز لعيون، مسعود مروش وغيرهم... الذين كان يتحدّث معهم بكثرة ويحاورهم في كل قضايا السّاعة بالرّغم من أنّه لا يحب الثرثرة والنّقاش البيزنطي، كلّما شعر بذلك ينسحب بشرف دون أن يجلب انتباه الآخر. وهكذا كان، لا يظهر له أثر حضوري في قاعات التّحرير التّابعة لعدّة أقسام، يضع أو يسلّم مادّته ثم يغادر مسرعا.
هكذا كانت يوميا عياش، ذهنه شارد في أفق أخرى غير التي يحاكيها في عمله، وفي كل لحظة تعود به ذاكرته النقية إلى مسقط رأسه بالريف، يحب كثيرا الجهة التي ولد وترعرع فيها، آخرها ما بثّه من صور حيّة عبر حسابه الخاص بالفايسبوك، تتعلّق بالمكان الذي قضى فيه صباه رفقة عمّه وذويه، وقد تساءل الكثير عن خلفية ما نشره يحياوي، كون الفترة الفاصلة بين ما تمّ إظهاره ووفاته ليست ببعيدة جدا وإنما تعود إلى الأيام الأخيرة فقط.
ويسجّل عن المرحوم، أنّه كان يتمتّع بحكمة خارقة في الرد على كل من يستفزّه عند نشر فقرة معيّنة من آرائه لا يسقط في الخطاب المتطرّف أو يطلق العنان لكلام غير مسؤول، وإنما يحاول أن يكون عادلا ومحايدا دون إلحاق الضّرر المعنوي بأحد أو الإساءة للآخر.
وهذه الصّفات الإنسانية الرّاقية لا نجدها إلا عند رجال مشبّعين بثقافة احترام الغير، وهذه هي سيرة عياش طيلة حياته.
إنّنا في هذا المصاب الجلل، ندعو المولى العزيز القدير أن يسكنه فسيح جنانه ويلهم ذويه الصّبر والسّلوان.