طباعة هذه الصفحة

بعد صراع مرير مع المرض

حسينة... قلم نظيف يرحل في صمت

سعيد بن عياد

نزل علينا خبر صاعق آخر، برحيل زميلة من طراز نادر، اختطفها الموت في صمت..
حسينة كتفي ذات الخصال الحميدة والمتشبعة بالقيم المهنية، بقيت وفية لذاتها لا تفارقها الابتسامة، رغم ثقل الأيام ومتاعب الحياة..
عرفناها منذ سنوات الثمانينيات، زميلة بيننا في أسرة «الشعب»، ذات شخصية قوية تحتفظ لنفسها بمكانة متميزة وسط قاعة التحرير وحولها، لا يتسلل إليها غضب أو انزعاج أو أي شيء من صور نفتقدها اليوم بفقدان أصحابها من ذوي القلوب الواسعة المتسامحة والحس الرهيف.. لم تؤذ أحدا ولم تضعف يوما لترسم شخصية امرأة من حرائر هذا الوطن، اللواتي يصمدن في وجه تقلبات الزمن ونكران الكثيرين وجحود مهنة تنال من صاحبها الكثير، بل أعز ما يملك.. الصحة..
قاومت ما أصابها بمفردها، فلم تيأس يوما، أملا في التخلص من ضرٍّ لا يرحم، فتسلحت بابتسامتها الهادئة ونظراتها المعبرة عن سمو أخلاق عالية، لمواجهة ظروف وزنها كجبل، دون أن تنتظر عطفا من أحد أو تطلب من غيره أكثر مما يملك، في زمن اختفت فيه قيم الشعور بألم من احترق من أجل إسعاد وتنوير الغير، مدافعا عن وطن وثقافة وقيم ورسالة إعلامية نظيفة..حسينة، المرأة الصحفية البسيطة في تعاملها والغنية بثقافتها، التي تنقلت كفراشة تعشق الهدوء والاحترام بين عناوين متعددة، بعد انهيار بنية إعلام منسجم في خضم أزمة أخلّت بتوازن بلد وزعزعت مجتمعا برمته.
من «الشعب»، قلعتها الأولى، إلى مغامرة في عناوين منها «السلام» التي اختفت، فـ»الأصيل».. لكنها لما أرادت العمل بأحد العناوين، قوبل طلبها بالرفض، كان بدأ زمن الردة والتنكر لمن لا يطلب ولو كان به خصاصة.. لم تكترث للأمر وتعاملت معه كقدر محتوم إلى حين..كانت كتومة، لا تسيء، ومتحفظة تعرف كيف ترسم، بأدب، نادر اليوم، حدود صداقة وزمالة مع محيطها المهني.. امرأة، حقا من طينة راقية، تعطي ولا تأخذ، تشعّ من حولها الأمل لإسعاد الآخرين..من غربة الوطن إلى غربة أخرى خارجه أكثر مرارة، سعيا للعلاج في كرامة، لعل تجيد بها إنسانية البشر.. لا ندري كيف كانت أيامها هناك.. لكن بالتأكيد بقيت تتحسر على ما لحقها من إجحاف.. وهي التي سخرت قلمها لخدمة إعلام نظيف وراق وهادف، ساهمت به في مرافقة مسار وطن بحجم الجزائر دون أن تنال مرافقة ممن قطفوا ثماره إلى حدّ التخمة.