طباعة هذه الصفحة

في ندوة بجامعة معسكر

مختصون يرافعون من أجل دستور توافقي

معسكر/ أم الخير.س

خرجت الندوة العلمية المنظمة من طرف كلية الحقوق والعلوم السياسية لجامعة معسكر حول المحاور المقترحة لتعديل الدستور، نهاية الأسبوع، بجملة من التوصيات والاقتراحات قدمها مختصون في القانون، خلال الندوة التي حضرها طلبة ومهتمون بالشأن السياسي، ونشطها نخبة من الأساتذة.

خلصت جلسات اللجنة إلى اقتراح إدراج فقرة في ديباجة الدستور، تشير إلى الحراك الشعبي ودوره في التحولات التي تعيشها الجزائر وتقوية العلاقة بين الشعب وجيشه، مع الحرص على تحرير الدستور باللغة العربية والإشارة إلى طبيعة نظام الحكم السائد.
إضافة إلى النص على تعارض المصالح في الدستور بما يسمح بتعزيز أخلقة الحياة العامة والنص على إنشاء سلطة وطنية مستقلة لضمان شفافية الحياة العامة، إلى جانب سن قانون جديد لمكافحة الفساد، وتعديل قانون الصفقات العمومية.
أما في ما تعلق بمحور الحقوق والحريات، تضمنت توصيات المشاركين في الندوة العلمية، اقتراح تقليص عدد المواد الناظمة للحقوق والحريات في الدستور واعتماد مصطلحات دقيقة تتوافق ومفاهيم الحقوق وجوهر الحياة، مع إمكانية اعتماد ميثاق للحقوق والحريات يلحق بالدستور.
في محور تنظيم السلطات، دعت توصيات الندوة إلى الفصل في طبيعة النظام السياسي، وضبط التوازن داخل السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية والوزير الأول، إضافة إلى تعزيز مكانة المعارضة البرلمانية بتوسيع حقوقها لممارسة رقابة فعالة على السلطة التنفيذية.

دمج قوانين السلطة القضائية في قانون واحد

كما شملت التوصيات، الدعوة إلى وضع قانون عضوي يسمى بقانون السلطة القضائية، بحيث يتم دمج مختلف القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية في قانون واحد، على غرار القانون العضوي الخاص بالمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاء وقانون التنظيم القضائي، إلى جانب تعديل المادة 173 من الدستور بإعادة النظر في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، التي تمنح لقاض من المحكمة العليا أو مجلس الدولة ينتخب من قبل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، حيث اعتبر المختصون أن ترؤس رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى يعد خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات باعتبار رئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية،زيادة على الدعوة إلى تحديد طبيعة العلاقة بين قضاة النيابة ووزارة العدل.
كما جاء ضمن توصيات المختصين في القانون الدستوري لجامعة معسكر، دعوتهم إلى تفعيل القضاء الدستوري باعتباره الضامن والساهر على تطبيق الدستور وحماية الحقوق والحريات، والدعوة إلى إنشاء محكمة دستورية مع تعزيز دور المؤسسات الرقابية والدستورية.
د.عمار عباس:دساتير عاجزة وليدة أزمة
في ملخص للنقاش الثري الذي بلغته الندوة العلمية، قدم الدكتور، عمار عباس، لمحة تاريخية عن التعديلات الدستورية التي عرفتها البلاد، مشيرا في مداخلته أن الدساتير التي مرت بها الجزائر كانت كلها دساتير وليدة لازمة أو آلية لحلها، لافتا أن التعديلات الدستورية السابقة رغم أهميتها عجزت عن حل الأزمات، بدليل عجز المجلس الدستوري عن حل الانسداد السياسي، خلال الأشهر الماضية، وتطبيق الدستور لولا تدخل المؤسسة العسكرية ممثلة في الفقيد الفريق أحمد قايد صالح في دعوته لتفعيل المادة 102.
كما قدم الدكتور عمار عباس دراسة موجزة للمحاور السبعة التي سيشملها التعديل الدستوري، مقدما أيضا بعض المؤشرات التي تثبت نوايا رئيس الجمهورية في وضع دستور توافقي شامل يطرح على استفتاء شعبي بعد نقاش متخصص واسع، موضحا أن هذه الإجراءات المتبعة لتعديل الدستور بداية من تكليف لجنة تقنية لصياغة مشروع التعديل إلى عرضه على استفتاء شعبي هي إجراءات –دستورية –فمن حيث المضمون اعتبر الدكتور عباس المحاور السبعة التي يشملها التعديل تستهدف في صلبها تدعيم النظام الديمقراطي وتعزيز الحقوق والحريات وأخلقة الحياة العامة والحياة السياسية.
كما ذهب الدكتور عمار عباس إلى القول أن الخارطة الحزبية في الجزائر – وهمية - لذلك سيسمح تعديل الدستور حسبه بتدعيم النظام الديمقراطي وإعادة الاعتبار لأحزاب المعارضة  وتعزيز المعارضة البرلمانية وإصلاح النظام الانتخابي مع توسيع وإثراء مجالات الحرية وتكريس حريات جديدة.
 واقترح د. عمار عباس، إعادة الاعتبار للأحزاب السياسية من خلال تعديل قانون الأحزاب عملا على بروز طبقة سياسية جديدة واقعية، وتفعيل آليات المسؤولية السياسية والجنائية للسلطة التنفيذية، بتفعيل دور القضاء الدستوري باعتباره آلية فعالة لإدارة الحياة السياسية، من خلال إمكانية استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية تعمل بدورها على تنقية القانون من الأحكام غير الدستورية، والتركيز أيضا، على تحديد طبيعة نظام الحكم في البلاد –الذي لا يعرف أحد طبيعته، على حد قول الدكتور عباس -الذي أكد حاجة الجزائر إلى نظام سياسي مختلط أو شبه رئاسي يتكيف مع الحياة السياسية، يسمح للرئيس المنتخب من طرف الشعب أن يكون حكما فوق المؤسسات.
د. بوداعة حاج مختار: فرصة لإصلاح شامل

من جهته قال الدكتور بوداعة حاج مختار أن الجزائريين أمام فرصة تاريخية لإصلاح دستوري شامل، باعتبار وجود إرادة سياسية لوضع دستور خاص بالجزائريين وليس دستور على مقاس السلطة والرؤساء، أمام تنامي الوعي السياسي للجزائريين ورغبتهم الجماعية الملحة في إصلاح شامل، قائلا أن مكامن الخلل في دستور 2016 مرتبطة بتنظيم واختصاصات السلطات، وبالتحديد تغول السلطة التنفيذية، موضحا في تدخله أنه لا يمكن الحديث عن أي تعديل أو إصلاح دستوري بدون إزالة مظاهر تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية.
د. بختي نفيسة: التوازن بين السلطة التنفيذية والقضائية
كما رافعت الدكتورة بختي نفيسة من أجل تعزيز التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مشيرة أن التعديلات الدستورية السابقة أملتها الأزمات السياسية، وأن الإصلاح الدستوري مهما بلغ فإنه لن يكتمل إلا بالإصلاح السياسي، داعية إلى إعادة ترتيب السلطة التنفيذية وإعادة توزيع الأدوار بين الوزير الأول ورئيس الجمهورية واعتماد آلية التوقيع المجاور الذي اعتبرته الدكتورة نفيسة بختي أساس الرقابة البرلمانية لأداء السلطة التنفيذية.

د. بلخوان غزلان: أخلقة الحياة العامة

من جهتها الدكتورة بلخوان غزلان قالت عن محاور التعديل الدستوري في مداخلتها الموسومة بالمتطلبات الدستورية لأخلقة الحياة العامة، أنه لا يمكن الحديث عن أخلقة الحياة السياسية بدون الحديث عن الشفافية وبدون النص على تعارض المصالح،معتبرة مبدأ تعارض المصالح أحد أركان مسألة الشفافية، ولفتت الدكتورة بلخوان غزلان إلى مخطط عمل الحكومة الذي سطر نقاط أساسية في ما يخص مكافحة الفساد.
وأشار بلخوان أن مكافحة الفساد وأخلقة العمل السياسي تكون عبر فصل المال عن العمل السياسي وإلغاء امتياز التقاضي الذي كان يتمتع به كبار المسؤولين، مع مراجعة الأحكام القانونية لمكافحة الفساد التي أصبحت غير فعالة، إلى جانب توسيع قائمة المعنيين بالتصريح بالممتلكات وتحديد العهدات للجمعيات والمنظمات الجماهيرية.
كما دعت الدكتورة المتدخلة إلى إنشاء سلطة وطنية مستقلة لضمان شفافية الحياة العامة، وإلى مواكبة التعديل الدستوري لمكافحة الفساد بالنص على تعارض المصالح بمصطلحات ومفاهيم دقيقة وصريحة.
د. بن عومر:
تصنيف الحقوق والحريات وتحديد أطر تعميقها
في هذا السياق، دعا الدكتور سيد علي بن عومر، إلى تحديد نقاط التطابق والاتساق بين الحقوق والحريات والنظام العام، ورفع اللبس والتناقض حتى لا تتوسع صلاحيات بعض السلطات وتنقص من الحقوق واعتماد مصطلح واحد يحدد التزامات الدولة، مع إدراج ميثاق الحقوق والحريات الأساسية كملحق تفصيلي لكل حق ولكل حرية واعتماده كجزء من الدستور.
وتطرق الدكتور بن عومر إلى تفسير منع المساس بالحريات الأساسية في المادة 212 من الدستور، بقوله أن رسالة تكليف رئيس لجنة الخبراء تضمنت توضيحا لهذه المسألة على لسان رئيس الجمهورية :»يجب أن ينصب التفكير على توسيع وإثراء مجالات حرية المواطن من خلال تكريس حريات فردية وجماعية جديدة، عند الاقتضاء، وتدعيم الحقوق الدستورية المكفولة»،وبالتالي فإن القصد إمكانية اقتراح دعائم قانونية للحقوق وزيادة الحريات دون إزالة الحقوق الاساسية الموجودة الآن.
واعتبر المتدخل، باب الحقوق والحريات ركنا جوهريا ضمن البناء الجوهري لأي دستور، مشيرا ان الدستور الجزائري المزمع تعديله ضمن مشروع الرئاسة  يتضمن 41 مادة تدستر للحقوق والحريات، غير مصنفة بالقدر الذي يعطيها قدسيتها الدستورية – بإعتبار أن تصنيف الحقوق والحريات هو آلية مفعِلة تمكن المواطن من الوعي بحقوقه وحريته وتضبط تصرفات السلطات باختلافها حول هذه الحقوق والحريات.
ولفت بن عومر أن ترتيب الحقوق ثم الحريات من الأعم والأقوى إلى التفصيلي يعتبر علمية تشريعية ضابطة ضمن العملية السياسية لتعديل فصل الحقوق والحريات، ثم يأتي تصنيف الحقوق والحريات من أساسية طبيعية إلى حقوق مواطنة عامة وحقوق مواطنة محلية، إلى حقوق وحريات إقتصادية وإجتماعية مرورا بالفكرية والنفسية، ما من شأنه أن يوضح شبكة متصلة منظمة من الحقوق والحريات، تمكن في وضوحها من تكريس إحترام أكبر.
كما يسمح  ترتيبها بتوضيح ما للسلطات الثلاث من إلتزامات إتجاه الحقوق والحريات وما للمواطنين من حدود في ممارسة هذه الحقوق والحريات من خلال مقاربة أمن إنساني لتتحول الحقوق إلى هدف مقياسي، داعيا في ذات السياق إلى توزيع العديد من مواد الحقوق والحريات المجمعة في فصل واحد- على فصول السلطات.
ما يشكل حسبه- الضامن-لاستقرار المواد الدستورية في باب الحقوق والحريات العامة لتحقيق الأمن القانوني بوضع مواد تعتبر الحقوق والحريات ضمن قواعد تكريس الأمن القانوني والقضائي، وترتيب دور الجماعات المحلية ضمن عملية تنمية الحقوق والحريات المحلية وإطلاق مشروع التشاركية الهادفة.