طباعة هذه الصفحة

مبتول يرصد تداعيات كورونا على الاقتصاد العالمي

ركود، تراجع الطلب وانكماش السيولة ...صدمات قاتلة للنمو

سعيد بن عياد

 الجزائر في مواجهة تحدّيات أخطرها تفادي الاستدانة الخارجية

يشخص الخبير عبد الرحمان مبتول المشهد الراهن وبالذات، خلال شهر مارس  ثلاث صدمات يعرفها الاقتصاد العالمي: الأولى تتعلق بالعرض مع ركود الاقتصاد العالمي، الثانية تخصّ الطلب بفعل الهلع الذي اكتسح الأسر والصدمة الثالثة تتعلق بالسيولة في وقت أغلب البنوك المركزية تخفض من نسب الفائدة، موضحا أنه استنادا الى مؤشرات تفيد بأن الصادرات العالمية بلغت 320 مليار دولار في شكل مواد وخدمات في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية 2020، علما أن الأزمة في الصين التي تمثل 17 ٪ من الناتج الداخلي الخام العالمي التي تنعكس على سلسلة التموين وبالأخص على الأسواق الناشئة التي تقدر حصتها في الناتج الداخلي الخام العالمي مرتين أكثر من حصتها في 2003، وتكون للأزمة مستقبلا تداعيات على مجمل البنية الهندسية للعلاقات الدولية.
انهيار برميل النفط .. خطر في الأفق
يسجل الخبير في تحليله للظرف بفعل أزمة فيروس كورونا على الآداء الاقتصادي بعد أن أصاب في مقتل أسواق المحروقات أن سعر برميل النفط برنت بلغ في 13 مارس مستوى 34.97 دولارا والوسيط الأمريكي 33.08 دولارا في ظل ضبابية الرؤية لمؤشرات البورصات بالنسبة للمستقبل، مبرزا أيضا مسألة انهيار أسعار الغاز الطبيعي الذي بلغ في السوق الحرة 1.778 دولار لمليون وحدة حرارية و3 الى 5 دولار خارج النقل. وبحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية في 12 مارس، يوضح مبتول فإن الطلب على البترول يعرف تراجعا قويا مع انكماش عميق للاستهلاك النفطي في الصين (14 ٪ من الاستهلاك العالمي و80 ٪ من نمو الطلب) الى جانب اضطرابات هامة للاسفار والتجارة. لذلك يتوقع في العالم أن يصل برميل برنت 43 دولارا كمعدل سنوي في 2020 و 37 دولارا في السداسي الأول، 45 دولارا في السداسي الثاني مقابل توقع 61 دولارا أي بانخفاض بنسبة 29.3 ٪، علما ان معدل البرميل في 2019 بلغ 64.37 دولارا. ووفقا لهذه الفرضية المتفائلة فإن ذروة وباء كورونا تصل بالصين في الثلاثي الاول 2020 بفعل توقف الانتاج والصدمات على سلسلة التموين العالمية ولكون الوباء يحاصر السداسي الثاني فإن معدل النمو يكون عند 204 ٪ فاقدا نصف نقطة.
وبالنسبة للجزائر فإنه وفقا لمعدل سعر 50 دولارا للبرميل في 2020 يكون اجمالي إيرادات سوناطراك أقل من 28 مليار دولار، وبحذف 20 ٪ قيمة الكلفة، تبقى 21 أو 22 مليار دولار كربح صاف. سيتراجع إلى 17 مليار دولار بمعدل سعر  بـ 40 دولارا/ب. وفي ظل معطيات سلبية يتوقع أن تضطر الجزائر للجوء إلى صندوق النقد الدولي، نهاية 2021، معتقدا ان البدائل التي تم تسطيرها من جانب الحكومة، لن تنتج ثمارها، إلا بعد 3 أو 4 سنوات. هذا يضع البلاد أمام تحدّيات مصيرية أبرزها تفادي السقوط في آفة الاستدانة الخارجية وبالذات من صندوق النقد الدولي، علما ان تجربة مريرة حصلت مطلع التسعينات بكلفة مرهقة خلفت تداعيات اقتصادية واجتماعية ينبغي العمل على أن لا تتكرر.
الصين هي الداء والدواء
في هذا الإطار، فإن السيناريوهات المتوقعة، تشير الى ان النمو في الصين يتراجع الى أقل من 5 ٪ هذا العام قبل ان يعود للتعافي ليرتفع في أكثر من 6 ٪ في 2021 لما ترتفع معدلات الانتاج بالتدريج الى المستويات المنتظرة، وعندها يمكن ان يستقر السعر عند 50 دولارا للبرميل، غير انه اذا استمرت الأزمة، يضيف الخبير مبتول، بانتشار الفيروس في آسيا والمحيط الهادئ الى جانب أوروبا وأمريكا الشمالية فإن النمو العالمي يمكن ان يسقط الى 1.5 ٪ في 2020 علما ان الصين تستهلك 14 مليون ب/ي وتستورد 11 مليون ب/ي.
في ظل هكذا توقعات وهي واردة إذا لم يكن كبح سرعة تمدد فيروس كورونا مهددا العالم برمته فإن النمو يتراجع بالنصف المتوقع قبل ظهور الوباء وحينها يمكن ان يصل سعر برميل النفط بين 20/30 دولارا.
ويتوسع الرصد التحليلي للخبير الجزائري، موضحا ان احتياطات الصرف لبعض البلدان يمكن ان تشكل قوة امتصاص للصدمة، مشيرا الى انه الى 1 جانفي 2020 بلغ احتياطي الصرف للصين 3120 مليار دولار، روسيا 562 مليار دولار، السعودية 499 ، قطر 200، الامارات 107، ايران 100، الجزائر 62 مليار دولار، ونيجيريا 38.
من هذا الوضع، فإن البلدان من أعضاء منظمة أوبك الأكثر تضررا إذا تمادت الأزمة هي: الجزائر، ايران، العراق، نيجيريا، أنغولا وفنزويلا أول خزان عالمي للنفط، وهو بلد على شفا إفلاس.
التضامن بدل الأنانية.. هل ممكن؟
ويعرج الخبير على جانب آخر علاوة على التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكذا انعكاسات انسحاب بريطانيا «بريكست»، يتمثل في اعلان الرئيس الأمريكي ترامب إلغاء لمدة 30 يوما دخول كل أجنبي أقام بأوروبا الى بلاده لتفادي الوباء، فيما قامت السعودية بعد فشل اجتماع ( اوبك+) الأخير بالرفع من طاقة إنتاجها بـ  2.3 مليون ب/ي، ابتداء من أفريل القادم لتصل 12.3 مليون ب/ي، تليها الإمارات بمليون ب/ي، مما أدى الى انهيار كافة بورصات العالم في 12 مارس الجاري كون الاسواق لم تعد تثق في إجابة اقتصادية ومالية في مواجهة وباء كورونا، مما أدى الى اغلاق الحدود، المصانع، المدارس ما يشكل مكبحا حادا غير مسبوق للاقتصاد العالمي.
لمواجهة الصعوبات الاقتصادية، يضيف مبتول، فإن البنك العالمي رصد 12 مليار دولار لدعم أنظمة الصحة واقتصادات البلدان المتضررة، كما ان الصين ضخّت 43 مليار دولارا لمساعدة المؤسسات، اليابان 4 ملايير، بريطانيا 35 مليار أورو وايطاليا 25 مليار أورو. كما قامت أمريكا بتخفيض نسب الفائدة بنصف نقطة وبريطانيا من 0.75 الى 0.25 ٪ لتسهيل الوصول الى القروض. وفي فرنسا سطرت الحكومة اجراءات مساعدة للمؤسسات آملة في تحرك أوروبي منسق.
ويمكن أن يؤدي انخراط المجموعة الدولية في عمل تضامني بإشراف منظمة الصحة العالمية بدل الانزواء خلف أنانية وطنية، كما هو سائد في بلاد شعارها «أمريكا أولا» وفي أوطان ارتفاع هيمنة اليمين المتطرف الى بناء نظام وقاية يساعد على كبح انتشار وباء كورونا لإرساء أرضية جديدة للنمو فالعالم كله في قارب واحد والنجاة من الكارثة تعني الجميع.