طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

لا لتكرار السيناريو السوري

فضيلة دفوس
12 ماي 2020

مرّة أخرى ندقّ ناقوس الخطر و نؤكّد بأن الوضع في ليبيا خطير و هو ماض لينزلق في الحرب أكثر ، ما يعني أنّنا غير بعيدين عن تكرار المأساة السورية إذا تواصلت فوضى العسكرة و التسليح و إغراق البلاد بالمقاتلين والمرتزقة و حتى الارهابيين المدفوعين من دول محدّدة الهويّة كلّ همّها بسط نفوذها على هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي ووضع يدها على ثرواتها ،أو فقط تدميرها وخلق بؤرة توتّر سوداء بمنطقة المغرب العربي .
لا شكّ أن التصعيد الذي تشهده الجارة الشرقية هذه الأيام و الذي يتزامن وانشغال العالم بمحاربة وباء كورونا ، لا يصنعه فقط فرقاء الداخل المستعدين على ما يبدو لتدمير البلاد وقتل العباد مقابل الوصول إلى سدّة الحكم ، بل الذي يهندسه ويحوله الى حرب حارقة هي مجموعة من البلدان اصطفّ بعضها مع هذا الطرف الليبي و أخذت الأخرى مواقعها الى جانب الطرف المقابل ، و كلّ واحدة تزوّد الطرف الذي جعلته سلّما لتحقيق أهدافها الخبيثة ، بالسّلاح و بالمقاتلين بل وتدعمه في القتال بطائراتها التي تغطي السماء الليبية دون حسيب أو رقيب ، و المثير للرّعب في ظلّ هذه الفوضى الأمنية الخلاّقة ،أن ليبيا أصبحت مرتعا للإرهابيين الذين تمّ استقدامهم من منطقة الشرق الأوسط بعد إنهاء مهمّتهم التدميرية القدرة في بلاد الشام و الرافدين، و قد نشهد قريبا -لا قدّر الله- دخول هؤلاء الدمويين على الخط ليباشروا مجازرهم و تفجيراتهم ، فالمهم بالنّسبة للمتكالبين على ليبيا أن ينسفوا كل بارقة أمل في الحلّ السياسي السلمي.
بالتأكيد نحن لا نبالغ بالقول أنّنا نقف عند مقدّمات تحوّل ليبيا الى النموذج السوري ،حيث يمضي خلاف الإخوة الفرقاء الذي يمكن تسويته بجلسة مفاوضات واحدة ، ليتحوّل الى صراع دولي تتداخل فيه المصالح وتتضارب فيه الأهداف ، و الضحية هو الشعب الليبي الذي اعتقد قبل عشر سنوات أنه أخيرا سيقيم الدولة الديمقراطية التشاركية ، و سينعم بخيرات بلاده التي لا تنضب ، فإذا به يتحوّل إلى ذبيح في حرب بدأ لهبها يرتفع إلى عنان السّماء، و لا أحد يبالي بمأساته ، طبعا فالعالم منهمك بمواجهة الجائحة ، و الأصوات الداعية الى التهدئة لا أحد يسمعها أمام الضجيج الذي تحدثه الغارات والقصف و القنص.
و المصيبة الكبرى أن انزلاق ليبيا نحو الحرب أكثر ، ستكون له تداعيات خطيرة على الجوار و الاقليم سواء من حيث موجات اللاجئين أو من حيث تنقّل الارهابيين والمرتزقة ، الأمر الذي يحتّم على الجزائر أن تكثّف جهودها و تسرّع تحرّكاتها لكبح التصعيد و إقناع فرقاء الداخل بحتمية الحوار لحلّ كلّ الخلافات ، و رغم إدراكنا بأن جهات تعمل على إجهاض و عرقلة كل مبادرات الجزائر ، فعلى هذه الأخيرة أن لا تستسلم لأن استهداف ليبيا هو أيضا استهداف للجزائر .
و رغم سوداوية الوضع ، فكلّ ما نتمناه هو خروج ليبيا وشعبها الشقيق إلى برّ الأمان في أقرب وقت.