طباعة هذه الصفحة

رأي

«أوبك» والشراكة الرابحة

فضيلة بودريش
06 جوان 2020

بداية تلاشي فيروس كورنا غير بصورة جذرية من المعطيات الراهنة للسوق النفطية، التي عانت طيلة شهري أفريل وماي من الانهيار الحاد بل وأدخلت الاستثمار والصناعة النفطية في نفق مظلم، صعب من مهمة الاستشراف حول آفاق استقرار، الأسعار خاصة على المدى القريب، بعد ركود اقتصادي حاد جعل العالم على كف عفريت. تغير لافت بدأت تتشكل ملامحه مما بعث الكثير من التفاؤول في تغير الوضع للأفضل.
صحيح أنه لم يكن مستبعدا أن تعود قاطرة النمو تدريجيا، وتنتعش أسواق النفط مجددا، لكن قسوة الفيروس العنيد الذي استشرى بشراسة، عمق من التخوف، حول استمرار الوضع الصعب على حاله لمدة أطول، مما حرك «أوبك+» نحوا اتخاذ قرار تاريخي، سارع بدعم الأسعار، حيث ركز على امتصاص الفائض، عن طريق خفض ما يقارب 10 ملايين برميل يوميا، وقبل ذلك كان المتشائمون يعتقدون بل ويروجون للطرح، الذي يجعل مصير «أوبك» مآله التفكك والانصهار، بسبب حرب الحصص، وعلى خلفية التنافس الحاد المشتعل بين المنتجين، للاستحواذ على أكبر حصة من الأسواق.
إذا الوباء المفاجئ الذي قطع أنفاس المنتجين، بعد شلل الاقتصاد العالمي في سابقة نادرة، ساهم في اتساع «أوبك+» وانفتاحها على شركاء جدد، صار يطلق عليهم «أوبك++»، وهذا ما جعل فائض المعروض مع نهاية شهر ماي الماضي، ينحصر عند حدود 7 ملايين برميل يوميا، رغم استمرار تدفقات الزيوت الصخرية الأمريكية، التي مازالت بعيدة عن الانخراط في مسعى التخفيض، بل أن العديد من المؤشرات باتت تبعث على الارتياح، وتمهد لعودة التوازن للسوق النفطية، وانتعاش للأسعار فوق 45دولارا للبرميل، بالنظر إلى بداية عودة النشاط الاقتصادي العالمي، المرجح أن تكون وتيرته أقوى، مما كانت عليه في السابق، حتى تعوض الشركات العالمية خسائرها، وتتجاوز آثار مرحلة التوقف بمضاعفة الإنتاج.
الأزمة التي كانت حادة على صعيد التسويق، من شأنها أن تنعكس وتضاعف من حتمية تسجيل عجز في التمويل بالنفط خلال شهر جويلية المقبل ، بسبب تخفيضات أوبك وشركائها من المنتجين المستقلين، وهذا ما يفضي دون شك إلى ارتفاع تدريجي للأسعار، إلى مستوى أفضل على الأقل خلال الربع الأخير من عام 2020.
إذا على ما يبدو فإن «أوبك» ستواصل شراكاتها الرابحة مع المنتجين المستقلين، ولن تتخلى عن خيارات التحرك لمنع انهيار الأسعار ولن تسمح بتضرر الأسواق برهان التخفيض، وفي كل مرة تعود بقوة لتصحيح الاختلال، والتنسيق لفرض أسعار عادلة، تخدم المنتج والمستهلك في آن واحد، لأن بلوغ برميل البترول سعر يقارب تكلفته، سيسد من شهية المنتج والمستثمر، وهذا ما يتسبب في موجة ندرة في التزود بالثروة السوداء، ويفضي إلى خلق أزمة حقيقية، قد تشعل الأسعار إلى مستويات قياسية.