طباعة هذه الصفحة

يواجهون قسوة الحياة في المخيمات

اللاّجئـون الصّحـراويّون متمسكّون بأمـل العـودة إلى الوطــن

تندوف: علي عويش

 بعد معضلة اللاّجئين الفلسطينيّين، تشكّل قضيّة اللاّجئين الصّحراويّين إحدى القضايا الأقدم في العالم، وفي القارة الإفريقية تحديدا التي يحاول قادتها تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في القارة بعد أزيد من 44 عاماً من الاحتلال المغربي.
تعنت المغرب ورفضه الجلوس الى طاولة المفاوضات المباشرة مع جبهة البوليساريو، ومواصلته رفض تنظيم استفتاء تقرير المصير حال دون إيجاد حل للقضية الصحراوية، لتتواصل بذلك معاناة الصحراويين مع حياة اللجوء في المخيمات.
يتجدّد الحديث عن معاناة اللاجئين الصحراويين وتسليط الضوء على جانب من واقعهم المرير في المخيمات منذ 45 عاماً كلما حلّ اليوم العالمي للاجئين المصادف لـ 20 جوان، فالشعب الصحراوي الذي يعتمد بشكل كامل على الدعم الدولي وما تقدمه منظمات وجمعيات أهلية في أوروبا من مساعدات إنسانية، تضرر بشكل كبير وساءت أوضاعه المعيشية بشكل خطير بسبب تفشي وباء (كوفيد 19) في العديد من دول العالم، وتوقف خطوط الإمداد و تعليق الملاحة البحرية، ليجد هذا الشعب نفسه في مواجهة الجوع وسط فرض السلطات الصحراوية لإجراءات حجر صارمة للحيلولة دون تفشي الوباء في المخيمات أو في الأراضي المحررة من الصحراء الغربية.
مع تفاقم الوضع الانساني في المخيمات وغلق السلطات الموريتانية لحدودها البرية مع الأراضي الصحراوية المحررة، سارعت الجزائر ممثلةً في وزارة التضامن الوطني والهلال الأحمر الى تنظيم جسر جوي ضم 06 طائرات عسكرية محملة بمساعدات غذائية و طبية لفائدة الصحراويين، بالاضافة الى مساهمات سخية من المجتمع المدني الجزائري الذي أرسل عدة قوافل للمخيمات كعربون صداقة وأخوة.

ظروف قاسية  

تشهد مخيمات اللاجئين الصحراويين معدلات مرتفعة من سوء التغذية والتقزم بين اللاجئين، ومعدلات عالية جداً من فقر الدم بين النساء والأطفال، ما دفع بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع الهلال الأحمر الجزائري الى تقديم مجموعة من رؤوس الماعز لفائدة 263 أسرة متضررة بشدة من سوء التغذية خاصة النساء الحوامل والمرضعات.
السيدة «ديدة الكوري» صحراوية قاطنة بمخيم بوجدور تكافح يومياً من أجل توفير قوت يومها وإعالة أطفالها التسعة ووالديها المسنين، فقد استفادت من هذا البرنامج الذي يندرج كذلك في إطار التخفيف من الآثار الاقتصادية المترتبة عن تدابير الحجر الصحي.
تروي السيدة «ديدة» لـ «الشعب» كيف أن انتشار مرض رئوي في قطعان الماعز و الأغنام بالمخيمات ، تسبب في فقدانها لأغنامها الـ10 من مجموع 4000 رأس نفق بسبب هذا المرض في المخيمات.
وتضيف أن معظم الشباب والرجال في المخيمات فقدوا مصدر دخلهم اليومي بسبب عجزهم عن إيجاد فرص عمل نتيجة غلق المخيمات والمنافذ المؤدية الى مدينة تندوف المجاورة، كما أصيب الأطفال بالملل الشديد والاكتئاب بسبب بقائهم لساعات داخل الخيم وغياب فضاءات للترفيه.

كورونا يحصر الدّعم الدولي

السيدة «لهدية عبيد البشير» أم لثمانية أطفال تعتمد هي الأخرى بشكل كلي على حليب الماعز في تغذيتها كأُم مرضعة، تعاني ابنتها البالغة من العمر 11 شهراً من سوء تغذية حاد، تحاول هي الأخرى مثل السيدة «ديدة»، والكثير من النساء في المخيمات تأمين قوت اليوم لأطفالهن بعدما فقد الرجال وظائفهم وتوقف الدعم الدولي، تقول السيدة «لهدية» أنّ ما تشهده المخيمات خسارة كبيرة ولكنها تنتظر انتهاء الوباء الذي حلّ بالماشية للتفكير في كيفية إعادة مشروعها من جديد وإعالة أسرتها.
محمد سالم ددي، شاب صحراوي ثلاثيني ولد في المخيمات وترعرع فيها، يتطلّع بشغف لرؤية أرضه المغتصبة، يقول إنّ أرض الصحراء الغربية جميلة رغم أنه لم يزرها من قبل، فهو لم يغادر مخيمات اللاجئين يوماً أين أمضى كل حياته متنقلاً بين ورشات صناعة الطوب وبيعها لإعالة أسرته»، وعلى غرار الكثير من شباب المخيمات، لا يفكّر «محمد سالم» في الهجرة الى أوربا مفضّلاً البقاء وسط أهله قائلاً: «لن أهاجر الى اسبانيا بحثاً عن فرص أحسن، فإسبانيا هي سبب المعاناة التي نعيشها اليوم، وهي من باعت أرضنا للمغرب وتركت صاحب الأرض يعاني الأمرين في اللجوء».

صيف صعب على الأطفال

الأطفال الصحراويون هم الفئة الأكثر تضرراً من حياة اللجوء في المخيمات، خاصة في ظل الحجر الصحي المفروض منذ فترة على المخيمات الخمسة، فانعدام مرافق للترفيه داخل المخيمات وتركيز المنظمات الداعمة بالجانب الغذائي والصحي للاجئين الصحراويين زاد من معاناة الأطفال هناك، وهو ما أكده السيد «عبد الحليم عثمان علي الفكي» رئيس المكتب الميداني للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أين أعرب في تصريح خص به «الشعب» عن أسفه لإلغاء برنامج «عطل في سلام» هذه السنة، وقال إن الآلاف من الأطفال الصحراويين سيواجهون هذه السنة صيفاً صعباً  بسبب إلغاء البرنامج الذي كان يوفر لهم عطلة مريحة بين أسرهم الحاضنة في أوروبا، وأوضح أن المفوضية تدرس حالياً رفقة اليونيسف وشركائها إمكانية تنظيم أنشطة ترفيهية بديلة في المخيمات فضلاً عن الدعم الفعلي لبرامج تعلم الأطفال عن بعد.
أطفال المناطق المحررة من الصحراء الغربية ليسوا بأفضل حال من نظرائهم في المخيمات، فالعزلة التامة عن العالم و غياب أي نشاط ترفيهي هناك أثّر عليهم بشكل كبير، فالكثير من الأسر هناك لا تمتلك جهاز تلفاز وتعتمد على ألواح الطاقة الشمسية للتزود بالكهرباء.

مهما طال الزّمن..

تقول «فاطيمتو نفعي»: «نحن نصلي كل يوم وندعو الله من أجل إنهاء معاناتنا ووضع حدّ لحياة اللجوء، فنحن نريد أن ننعم بالاستقلال والعودة الى أرضنا وإقامة دولتنا، وفي كل يوم يزداد يقيننا بأنّ أرض الصحراء الغربية ستتخلص من ويلات الاحتلال والتنكيل والتهجير القسري الذي يتعرض له إخواننا بالمدن المحتلة، فحياة اللجوء تحت الخيم رغم قسوتها لن تنسينا ما يعانيه سكان المناطق المحتلة من انتهاك سافر لحقوق الانسان والمواثيق الدولية، ناهيك عن الاستغلال الجائر للثروات الطبيعية في الصحراء الغربية المحتلة».
هذا الواقع المرير لن يثني من عزيمة الشعب الصحراوي على نيل الحرية والاستقلال، بل يزيدنا إصراراً و يقيناً بأن هذا الشعب سيعود يوماً لأرضه ويجمع شتاته ويقيم دولته الصحراوية المستقلة على أرضه مهما طال الزمن.