طباعة هذه الصفحة

متحف المجاهد بباتنة ...ذاكرة شعب

أول شهادة وثّقها المتحف للمجاهد الراحل ناجي نجـاوي رفيق الشهيد بن بولعيد

باتنة: حمزة لموشي

830 شهادة حية لمجاهدين عايشوا التحضيرات الأولى للثورة المجيدة

تحرص مديرية المجاهدين بولاية باتنة بالتنسيق مع متحف المجاهد، على توثيق مختلف الشهادات التاريخية للذين عايشوا الثورة التحريرية المجيدة خاصة التحضيرات الأولى بمنطقة الاوراس الأشم الذي يعتبر مهد الثورة وقلعتها الحصينة.
تتواصل عملية توثيق تاريخ الجزائر ومنطقة الأوراس خاصة، من خلال تسجيل الشهادات التاريخية الحية لعدد من المجاهدات والمجاهدين الذين شاركوا في الثورة التحريرية المجيدة بعاصمة الأوراس باتنة، والذين تتجاوز أعمارهم 80 سنة، أبدوا استعدادهم التام لنقل شهاداتهم وتوثيقها حفاظا على الذاكرة التاريخية الجماعية للجزائريين.
وقد تكفل المتحف الولائي للمجاهدين بباتنة منذ سنوات، بهذه العملية الهامة بتعليمات من وزارة المجاهدين،  حيث كشفت مصادر رسمية عن تمكن فريق البحث لمكتب التراث التاريخي بذات المتحف من جمع 830 شهادة حية لمجاهدين واكبوا التحضيرات الأولى للثورة المجيدة، تحدثوا عن أدق التفاصيل التي رافقت عملية اندلاع الثورة بمنطقة أريس ثم الأوراس ككل.
وأشارت ذات المصادر المتابعة للملف، أن توثيق هذه الشهادات للمجاهدين الأحياء، قد انطلقت منذ سنة 2000، من خلال تنقل فريق جمع الشهادات إلى منازل المجاهدين المرضى واستضافة الأصحاء منهم بمقر المتحف، من خلال تسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية الكبيرة لإنجاح العملية التاريخية، التي تحظى باهتمام كبير من طرف وزارة المجاهدين.
وقد تم إلى غاية نهاية العام المنصرم، جمع أزيد من 380 ساعة هي مدة شهادات تاريخية أصبحت تعتبر مادة تاريخية دسمة لمرحلة هامة من تاريخ الجزائر الحافل بالبطولات والأمجاد والتضحيات، من شأنها أن تكون مرجعا هاما لمختلف الباحثين والاكاديميين والمهتمين بدراسة التاريخ لتأليف مؤلفات تاريخية توثق لهذه المراحل المهمة من نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، كونها تضم –حسب مصادرنا- تسجيلات حية ونادرة لعدد كبير من المجاهدين من الرعيل الأول للثورة والمؤثرين في تاريخها خاصة الذين كانوا رفقاء للشهيد البطل أسد الثورة مصطفى بن بولعيد، ويعرفون الكثير عن الثورة وأدق تفاصيلها.
ورغم رحيل العديد من المجاهدين خلال السنوات الأخيرة بباتنة، إلا أن مجهودات متحف المجاهد لا تزال متواصلة وبقوة من أجل تسجيل شهادات حية لمن تبقى منهم على قيد الحياة مهما كانت طبيعة مساهماتهم في الثورة التحريرية بالمنطقة، حيث يحرص المتحف الولائي للمجاهد بباتنة على مسابقة الزمن من أجل تسجيل شهادات حية لمن تبقى على قيد الحياة من مجاهدي الثورة التحريرية بالمنطقة.

مرض المجاهدين وتقدمهم بالسن عائقان أمام توثيق التاريخ

يقوم فريق المتحف إما بتوجيه دعوات للمجاهدين الذين يتمتعون بصحة جيدة للقدوم للمتحف لتسجيل شهادتهم،أو التنقل مباشرة لمقر إقامتهم خاصة بالنسبة للمجاهدات والمجاهدين كبار السن والذين يعانون من أمراض، واستحضار ما عايشوه من أحداث مهما كانت خلال الثورة المجيدة وتوثيقها.
وعن المشاكل التي يواجهها فريق التوثيق فهي المرض والسن المتقدمة لأغلب المجاهدين الأحياء إضافة إلى كبر مساحة باتنة، وشساعة رقعتها الجغرافية وصعوبة التضاريس التي احتضنت التحضيرات الأولى للثورة.
لكن ورغم ذلك تم حسب مصادرنا إلى غاية نهاية العام المنصرم 2019 توثيق عدد كبير من الشهادات بالصوت والصورة خاصة لمجاهدي الرعيل الأول من الثورة رفقاء الشهيد الرمز أسد الثورة مصطفى بن بولعيد قبل أن توافيهم المنية في السنوات الأخيرة.
وتعتبر شهادات المجاهدين ناجي نجاوي وعمار بن شايبة رفيقا الشهيد مصطفى بن بولعيد من أبرز الشهادات التاريخية الموثقة بالصوت والصورة، كونهما رافقا البطل بن بولعيد في تحضيراته الأولى لاندلاع الثورة، كما تم تسجيل شهادات المجاهدين محمد بيوش الذي وافته المنية مؤخرا، وكذا أوصيف لخضر اللذين حضرا اندلاع الثورة مع بن بوالعيد وشاركا في الهجوم على الثكنة العسكرية بوسط مدينة باتنة وكذا في معركة تبابوشت الشهيرة بكيمل.
ومن بين الشهادات الهامة – حسب ذات المصادر-  تسجيل نادر للمجاهد أحمد قادة، الذي توفي قبل عامين وكانت «الشعب»، قد وثقت بدورها شهادته في لقاء خاص جمعها به، بمنزله بطريق تازولت، تم نشره في عدد سابق.
وكان للحضور القوي والمميز للعنصر النسوي في شهادات متحف المجاهد بباتنة، تأثيره الكبير على توثيق الحقائق التاريخية، حيث تم تسجيل عشرات الشهادات لمجاهدات على غرار البطلة مهاني بوستة المعروفة بالشهيدة الحية والتي مازالت على قيد الحياة.
ويعتبر مضمون الشهادات مادة خصبة، تناولت التحضيرات الخاصة بالثورة منذ أربعينيات القرن الماضي، لاسيما جمع السلاح، ثم ليلة انطلاق الأفواج من دشرة أولاد موسى ودار بلقواس بخنقة لحدادة، والعمليات التي تم القيام بها إضافة إلى توثيق كل ما تعلق بها من ألبسة ومخطوطات ومذكرات ووثائق، وحتى تجهيزات وعتاد من بقايا أسلحة قديمة وذخيرة كان يستعملها المجاهدون.
ويحوي المتحف المئات من الألبسة والآلات الحربية والأدوات المستعملة في حياة ومعيشة المجاهدين في تلك الحقبة التاريخية الهامة، إضافة إلى المعروضات والوثائق التاريخية التي نجح المتحف بجمعها خلال السنوات الماضية في إطار المساعي المبذولة لكتابة تاريخ الثورة.
ويفتح المتحف أبوابه بشكل دائم ومستمر أمام الزوار، للاطلاع على هذه الكنوز الثمينة من المعروضات التاريخية المصنوعة بدماء وعرق وجهود رجال ونساء آمنوا بالوطن وأخلصوا له وضحوا بأغلى ما يملكون وهي حياتهم من أجل جزائر مستقلة ومزدهرة.
وقد قادت «الشعب» العديد من الزيارات للمتحف، والالتقاء بالعشرات من الوفود والزائرين من مختلف مناطق الوطن، خاصة خلال المناسبات والأعياد الوطنية والتاريخية، حيث يجد الزائر سواء معلم أو متعلم ضالته في الغوص في مكنونات تاريخ بلادنا، فأهمية المعروضات تساعد على معرفة التاريخ أكثر وتكسب الزائر خبرات جديدة وترسخ لديه المعلومات التي يعرفها وتفاصيل ضرورية عن الفترة التاريخية، وتساعده في التمكن من البعد الزماني والمكاني في العملية التعليمية، كما أنها تجسد له بعض الوقائع التاريخية وتربط في ذهنه بين ما يتعلمه في المدرسة وبين الواقع التاريخي، وتنمي وتثبت له المعلومات وترسخ روح الانتماء للوطن والاعتزاز بهويته.
والجدير بالذكر أن متحف المجاهد بباتنة هو مرفق عمومي تاريخي، يتواجد بمحاذاة طريق تازولت بمدينة باتنة، أطلق أولى عمليات تسجيل أحداث الثورة التحريرية بلسان صناعها يوم 28 فبراير من سنة 2000، حيث كانت أول شهادة وثقها المتحف ترجع للمجاهد الراحل ناجي نجاوي رفيق الشهيد مصطفى بن بولعيد.
جناح مميز لأب الثورة الجزائرية مصطفى بن بولعيد
ككل المتاحف والمعارض التاريخية الموزعة عبر كل إقليم الوطن، يخصص متحف المجاهد بباتنة، جناحا كبيرا ومميزا للشهيد البطل مصطفى بن بولعيد، من خلال توثيق سيرته ونضاله بالصورة والصوت، حيث يتوفّر المتحف على الصور الفوتوغرافية الخاصة بالشهيد قبيل الثورة وبعدها، وكل ما تعلق بالتحضيرات التاريخية لثورة الفاتح نوفمبر 1954.
ومن بين الشهادات التاريخية الهامة الخاصة ببن بولعيد والتي يحوزها المتحف شهادة المجاهد الراحل أحمد وشهادة المجاهد عمار بن شايبة المدعو علي، والذي نجا من حادث انفجار المذياع على الشهيد مصطفى بن بولعيد، والذي يروي تفاصيل هامة حول لقاء دشرة أولاد موسى والسرية التامة التي تمت فيها عملية توزيع الأسلحة وكذا اللقاء الحاسم بقرية القرين بمنطقة بولفرايس سابقا ببلدية أولاد فاضل والذي وضعت خلاله اللمسات الأخيرة لتفجير الثورة وصياغة بيان أول نوفمبر 1954.
ونجد توثيقا لشهادة المجاهد المرحوم عمر مستيري، ابن منطقة كيمل، التي اتخذ منها بن بولعيد قاعدة خلفية للتحضير للثورة التحريرية، حيث يروي تفاصيل رحلته مع بن بولعيد نحو الحدود التونسية الليبية لجلب السلاح، ثم أولى عمليات الثورة التحريرية والهجوم على الثكنة العسكرية الفرنسية بقلب مدينة باتنة ليلة الفاتح نوفمبر 1954.
يضاف لما سبق شهادة المجاهد محمد بزيان الذي روى بدقة ذكريات من عايشهم في فترة التحضير للثورة، ثم الكفاح المسلح، حيث كان رفيقا مخلصا ومقربا من بن بولعيد في سجن الكدية بقسنطينة، أين يروي تفاصيل دقيقة للهروب التاريخي من السجن لمصطفى بن بولعيد رفقة ثلة من المجاهدين.
هذه الشهادات حسب ممثلي الأسرة الثورية ومنظمات المجتمع المدني بباتنة، تؤكد عبقرية أسد الثورة وتكشف مدى إخلاصه وعشقه لوطنه الجزائر وجعله من منطقة الأوراس خلفية حصينة لإيواء أعضاء المنظمة السرية، بعد انكشاف أمرها من طرف المستعمر.
ويعرض المتحف أمام الزوار صور بن بولعيد رفقة أفراد أسرته قبل اندلاع الثورة التحريرية، وأخرى بعدها، إلى جانب كتب ومقالات ونسخ من قصاصات جرائد تعود إلى الحقبة الاستعمارية تحدثت عنه، بالإضافة إلى 46 بطارية قديمة متوسطة الحجم، خاصة بالمذياع الذي كان يستخدمه الشهيد، معروضة بالقاعة التي تتوسط المتحف، والتي عثر عليها في أواخر أكتوبر من سنة 2011، أثناء عملية ترميم منزل الشهيد بأريس، كانت موجودة في قبو سري أسفل البيت لم يكن معروفا في أوساط أسرته، والذي حول إلى متحف.