طباعة هذه الصفحة

محمد زهاني الإعلامي الأسبق بجريدة الشعب

«الشعب”... مدرسة الوطنية والحداثة

زهراء. ب

لم يبخل بشهادته عن أمّ الجرائد، وبلغة الحنين إلى ماضٍ عريق عاد الإعلامي السابق وأحد أعمدة جريدة “الشعب”، محمد زهاني، إلى الزمن “الجميل”، حيث كان للعمل الإعلامي نهكة خاصة وسط صحافيين وكتاب ومثقفين، رغم اختلاف توجهاتهم الفكرية، إلا أن همّهم الوحيد كان خدمة الجريدة والمساهمة في تحقيق المشروع الاجتماعي للدولة الوطنية... تحدث بلغة الواثق، كيف ساهمت أمّ الجرائد، دون قيد أو شرط، في تأدية رسالتها الإعلامية ومازالت، رغم بعض الصعوبات والمطبّات، فقط من أجل الوطن أولا، والمواطن ثانيا.
أكد الإعلامي السابق بجريدة الشعب محمد زهاني، أمس، أن جريدة “الشعب” الرائدة في حقل الإعلام المكتوب، هي مدرسة للوطنية والحداثة، حيث تبنّت منذ السنوات الأولى لميلادها خطا افتتاحيا مرتبطا بالوطنية، وهو الخط التحرري المستند إلى مبادئ نوفمبر المرتكزة على الحداثة والعصرنة، والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، والوقوف إلى جانب قضايا التحرر ومناهضة الميز العنصري، والعمل من أجل توفير الأمن والسلم في العالم.
وقال زهاني في ندوة نقاش حول “الممارسة الإعلامية بجريدة «الشعب» في ترقية الحريات عبر الأجيال”، إن جريدة “الشعب” منذ إنشائها وجدت نفسها في خضم مشروع الدولة الوطنية الحديثة، تدعو إلى تبني مشروع المجتمع الحديث، وقد ساعدها في ذلك أن النظام السياسي آنذاك أدرك منذ السنوات الأولى لثورته المجيدة، أهمية الإعلام والاتصال، فجعله إحدى الوسائل الجوهرية في المعركة، لكسب الرأي العام الدولي إلى جانب القضية الوطنية، مثلما أدرك مسؤولو ما بعد الاستقلال ضرورة الاستخدام الأفضل لهذه الأدوات العصرية للحفاظ على إشعاع الثورة من جهة، وتقوية الانسجام والتوافق داخل المجتمع الذي أنهكته الحرب.
ولفت المحاضر الانتباه إلى أن “الشعب” كانت، كغيرها من مثيلاتها الأخرى، قامت بالدور المنوط بها والمتمثل أساسا في إحداث التوازن بين مطالب المجتمع والإمكانات المتاحة، باعتبارها كانت تخاطب الأغلبية الساحقة من المجتمع، من أجل إحداث الانسجام داخل المجتمع الذي كان من أولويات النظام السياسي، فلعبت بذلك دورا بارزا في تحقيق هذه المعادلة والمحافظة على النظام الاجتماعي القائم، وتجنيب البلاد الهزات العنيفة التي قد تعصف بالتوازنات الاجتماعية - السياسة للأمة.
وأشار زهاني، أن “الشعب” كانت بالنسبة لخريجي المدرسة العليا للصحافة في عهده، “مدرسة لتكوين الأجيال، وعميدة الصحف الوطنية، ورمزا من رموز الجزائر المستقلة”، فمنذ ميلادها في 11 ديسمبر 1962 وهي تكبر مع الجرائد الحديثة، والدولة الوطنية، وتجتاز الصعاب والعقبات لتصبح في السبعينيات “صرحا” إعلاميا كبيرا، يضم خيرة الصحافيين الناطقين بلغة الضاد.
واعترف المحاضر، الذي يعدّ من قدماء جريدة “الشعب”، حيث تولى رئاسة التحرير بها، أن فترة الراحل الفذ عيسى مسعودي، وعبد القادر بن صالح، أفضل الفترات في مسيرة هذا الصرح الإعلامي الكبير، حيث فتح الباب على مصراعيه للشباب المتخرّج من مدرسة الصحافة وكل المثقفين الحداثيين، فكانت جامعة لمختلف التيارات الفكرية، وكان هناك تعايش سلمي بين مختلف الأطراف، يجمع بينهم حبّ المهنة خدمة للوطن، وإعلاء صوت جريدة “الشعب”.
ونقل المحاضر أمورا يجهلها جيل اليوم عن أمّ الجرائد، فأكد أن الصحافيين في تلك الفترة لم يكونوا يتلقون الأوامر أو التعليمات فيما يكتبون، أو يحققون فيه، فقد كان الجميع مقتنعا بخط افتتاحي لا يحيد عنه أحد، هو خدمة الجريدة والمساهمة في تحقيق المشروع الاجتماعي للدولة الوطنية، مشيرا إلى أنه “إذا كانت هناك تعليمات فكانت توجه للمدير أو رئيس التحرير، وهو من يحاول إيصالها بشكل سلسل إلى بعض الصحافيين، لكتابة افتتاحيات أو تعاليق ذات طابع سياسي، أما غير ذلك لم يمارس أي ضغط وكان هناك هامش مهمّ للمحافظة على الذات الشخصية للصحافي، وهذه هي “المعادلة التي حافظت على توازن وديمومة الجريدة”.
واسترسل قائلا: ما زاد في سهولة عمل الصحافي أن جريدة “الشعب” كانت منحازة للأغلبية الساحقة وجزءا من الحركية الاجتماعية السائدة آنذاك، حيث كان التوجه العام للدولة تقريبا، ما كان يرغب فيه ويتبنّاه الشعب في عمومه.
هامش الحرية الممنوح للصحافة المكتوبة – يقول المحاضر – كان أكثر اتّساعا فكانت القضايا الفكرية، والقضايا الدولية، وتلك المرتبطة بهموم وانشغالات المواطنين أقل تعرضا للنقد، فصفحة من مثل “اهتمامات المواطنين” كانت ترجمة لانشغالات القراء، وكانت تتوفر على حيز كبير من حرية النقد والطرح، فضلا عن أنها كانت تلعب دورا إيجابيا في تقريب المسافة بين السلطة والمواطن، وتساهم في نزاع فتيل التوترات والنزاعات الاجتماعية.