طباعة هذه الصفحة

تأهيل المورد البشري الحلقة المفقودة

نورالدين لعراجي
19 جويلية 2020

الإعتراف بأن منظومتنا الصحية مريضة ليس عيبا ولا طعنا في المواثيق ولا خرقا للأعراف، العيب تركها تتخبط في أورامها المستعصية وبأيدينا وسائل العلاج والتخفيف من آلامها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحفظ ماء وجهها الذي  يبقى تاجا فوق رؤوس الأصحاء كما يقال، ونحن نتجه نحو جزائر جديدة  حقيقة وليس مجازا.
 المنظومة الصحية تعيش حالة استنفار قصوى، حري بنا دق ناقوس الخطر، لأن الجائحة عمت وصارت تشكل تهديدا حقيقيا، لا نستطيع إخفاءه مهما حاولنا غض الطرف أو الاستسلام لذلك، ما يحدث من تعسف واللامبالاة في مستشفياتنا وبعض المصحات، حري بنا إظهاره أمام شمس الحقيقة والحد من  التسيب الحاصل، حتى نضمن الحد الأدنى من الرعاية الصحية ورفع الغبن عن يوميات الطوابير التي تشهدها هذه المرافق.
جميعنا يدرك أن هذه المنظومة وليدة ممارسات بالية وعقليات متحجرة، ليس من باب النقد الجارح، بل إنها الحقيقة المرة التي نراها ونلمسها يوميا، العيب عندما نلتزم الصمت وهي تزداد من السيئ إلى الأسوأ، ليس بإمكاننا إصلاحها في هذا الوقت القصير من تفشي الأزمة، فهناك خطر قاتل يتربص بنا في كل مكان، ولو حاولنا إعادة النظر في النصوص والقوانين التي تتحكم وتحكم هذه المنظومة، لبقينا سنوات عجاف أخرى نتجرع صور مأساتنا القاسية ولا نصل إلى حلول تعيد قاطرة الصحة إلى السكة.
المنظومة الصحية لا تعني الوزير بعينه أو مدير الصحة على مستوى الولاية، ولا تعني أيضا مدير المستشفى، فالوزراء يحجون إلى بناية « صلامبي «  ويغادرونها، ينفذون برامج السياسة الحكومية، لكنهم يهملون عنصرا مهما وهو تأهيل المورد البشري الذي  يبقى الحلقة المفقودة ضمن منظومة السياسية الصحية برمتها.
زيارة ميدانية لمستشفياتنا وقد نستثني القلة القليلة منها في بعض الولايات، لوجدناها تبكي حالها وتشتكي ما لحقها من تسيب وهوان، بعدما عششت بين أقسامها  «ثقافة  تخطي راسي «  « نخدم قيس دراهمي « وصارا القاسم المشترك في المؤسسات الاستشفائية إن لم نقل  في أغلبيتها.
إصلاح المنظومة الصحية لا يكتمل إلا بإعادة الاعتبار لثلاثة عناصر ضرورية  ويتعلق الأول بصون كرامة المريض، حتى لا يشعر هذا الأخير على أنه عالة على الأسرة الطبية، ثم تأهيل الأطقم الطبية الساهرة على سلامة الأرواح من الهلاك، الامتثال للوازع الانساني قبل المهني الوظيفي، وعندما تتوفر هذه الدعائم ستعود الهيبة للمنظومة العلاجية، وعوض اللجوء إلى حجز تذاكر سفر نحو الضفة الأخرى للعلاج، يلغى هذا الاستثناء ويبقى المريض مهما كانت مكانته على سرير وطنه ويتساوى الجميع في العلاج لأن الداء واحد.