طباعة هذه الصفحة

صور التكاتف في جائحة كورونا تصنع الفارق

المجتمع المدني ورجال الأعمال يلبُّون دعوات الأئمة

نورالدين لعراجي

 طاهري: التبرعات وإنقاذ النفس من الهلاك أعظم أجرا من الأضحية

 يصنع أبناء الجزائر في كل يوم صورة متفردة من صور التضامن والتكافل والتكاتف، يعجز اللسان عن وصفها، فهي تعكس معادن الخيريين والطيبين الذين يتصدقون في السراء والضراء وحين البأس، يتصدقون من أموالهم حين تدعوهم الضرورة والواجب الإنساني إلى ذلك، وعبر كل مدينة تتكرر الصور والشخوص ويبقى المغزى من ذلك أكبر شاهد على مواقف أصحابها.
يسارع المجتمع المدني ورجال الأعمال الى العمل الخيري كلما دعاهم الواجب الى ذلك بعيدا عن كل مظاهر البهرجة، ودون ان يشعر الآخرون بنوايا صدقاتهم، وهم على أتم الاستعداد لتقديم ما يمكنهم من مساعدة أو أية وسيلة مادية كانت لفك الغبن والتنفيس عن معاناة المرضى في بعض مستشفيات الوطن حيث تعاني هذه الأخيرة من ضغط الإصابات المرتفع وعجزها في التكفل بالأطقم الطبية التي هي تحت وصايتها سواء من حيث الأكل والإيواء والنقل وكذلك باقي المستلزمات الطبية الأخرى.
وأمام نداءات المنتمين الى الأسرة الطبية بالمصالح الاستشفاىية قصد مساعدتهم في تقاسم العجز المسجل في مرافقها، بادرت جمعيات المجتمع المدني والكشافة الإسلامية بتبني المبادرة من خلال نداءات وجهتها الى بعض المؤسسات الفندقية حول إمكانية إيواء العاملين بالمستشفيات لعدم تمكنهم من الذهاب إلى بيوتهم في ظروف الأزمة، ونفس الدعوة وجهوها الى بعض المطاعم قصد توفير وجبات يومية لهؤلاء بعدما فرضت الجائحة سلطتها عليهم داخل مقرات عملهم أو في مرافق محجوزة لذات الغرض.
وأمام عجز ميزانية المستشفيات على توفير الكثير من المستلزمات الضرورية لمجابهة كوفيد 19 والتقليل من حدة انتشاره وفي نفس الوقت تحقيق الحد الأدنى من الرعاية والاهتمام للأطقم الطبية الساهرة على مواجهة الوباء، تجد نفسها مضطرة في اللجوء الى شركاء آخرين للتخفيف من عبء التكاليف والمتطلبات بشكل يومي.
في هذا الصدد، يقول: «س.جمال» أحد أعضاء جمعية فاعل الخير ببريكة، ان متبرعا قام بشراء شاحنة صهريج كبيرة الحجم ووضعها تحت أيدي الجمعية قصد المساهمة في التخفيف من حدة انتشار الوباء.
كما قام ذات الشخص في التكفل بدفع تكاليف إيواء الفندق الذي تم حجزه لإقامة الأطباء والممرضين، وقدم متبرع آخر بشراء ما مقداره 18 جهازا للتنفس، كما تلقت الجمعية كميات معتبرة من الكمامات وأجهزة التحليل، وأدوات التعقيم وزعت على المراكز الاستشفائية المتخصّصة في مكافحة كوفيد 19. وفي ذات الشأن، يقول أحد المتطوّعين بذات الجمعية ان كميات كبيرة من المواد الغذائية تم منحها للمستشفيات بذات المدينة.
ونفس التبرعات تشهدها عدة ولايات انتشر فيها الوباء بشكل كبير، حيث تبرع المحسنون بأجهزة سكانير، وفي مدينة العلمة رجل أعمال تكفل بشراء صهريج كبير الحجم يستعمل في التزود بالأوكسجين للمرضى وهو عجز تعاني منه أغلب مستشفياتنا، وتبرع آخر بأكثر من عشرين جهاز كشف عن داء كورونا، فيما تبرع رجل أعمال في بسكرة بمبلغ مالي معتبر مساهمة منه في التقليل من حالات الاصابة ومساعدة المستشفيات على المقاومة ومجابهة الوباء.
وتبقى صور التكاتف اليومي بين المجتمع المدني والأسرة الطبية بما فيها المرضى وعائلاتهم تصنع الحدث في المشهد الاجتماعي، حيث يقول الأستاذ طاهري عبد الباسط، إمام مسجد الرحمة، ببوشاوي بالعاصمة، إنه وجب علينا كمسلمين الالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي التي تدعو في مثل هذه الظروف إلى التعاون والتكافل الاجتماعي، وهذا ما نصت عليه نصوص كثيرة كقوله تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم»، واستجابة لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وبالعودة إلى مسألة التكافل في هذه الأزمة، يقول الإمام طاهري يكون في مجالين العلم والمال، فالعلم بالتوعية ويقوم به العلماء فهم مصابيح الأمة حيث يقدمون النصائح والإرشادات، كما دعت إلى ذلك وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بمبادرة كلنا مع الطبيب وأما المجال الثاني فهوالمجال المالي المادي والذي ندعو إليه أهل الخير والميسورين من أبناء الوطن للوقوف مع المريض في كل ما يحتاج إليه وما يحتاج إليه المشفى بصفة عامة وهذان المجالان ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد مما يدل على المنافسة بين صاحب العلم وصاحب المال حيث قال: «لا حسد إلا في اثنتين « وذكر صاحب العلم وصاحب المال، والتكافل الاجتماعي ليس في وقت الضعف والحاجة وإنما هو يحقق مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع الإسلامي.
وأضاف المتحدث، ان صور التكاتف تتأكد في الوقت الذي نحن فيه اليوم، حيث يكون المريض في حاجة ماسة ربما الى أبسط الوسائل الطبية والمعقمات فيموت لفقدانها والله إن الأمة كلها شاركت في هلاكه وستحاسب وفي الاخير ودعا كل المسلمين الى التشمير على سواعدهم وأن لا يبخلوا على أنفسهم في تلبية نداء وطنهم لأن هذه التبرعات والصدقات وإنقاذ النفس من الهلاك أعظم أجرا من الأضحية لأن الأضحية سنّة، أما إنقاذ مريض من الهلاك فرض وواجب.