طباعة هذه الصفحة

“الشعب” تستطلع واقع الإعلام الثقافي بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة

إعلاميون يطالبون برفع التهميش عن الصفحات الثقافية

استطلاع: حكيم بوغرارة

أكاديميون يدعون للإنفتاح على الجامعة

قامت “الشعب” باستطلاع واقع الإعلام الثقافي بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة، وهذا من خلال فتح الباب للأسرة الإعلامية وأكاديميين من الجامعة، للحديث عن واقع الثقافة والمشاكل التي تعترض ترقية الصفحات الثقافية ومنه المشهد الثقافي، وكيفية الوصول لتقديم مادة إعلامية تكون في مستوى تطلعات المثقفين والمجتمع والرأي العام، والتي تهدف وترنو في مجملها إلى حماية الهوية والشخصية الوطنية في ظل تيارات العولمة التي تريد ضرب الدول في صميم مبادئها بما يضمن لها تحقيق ذاتها من خلال فرض ثقافتها في مجتمعات غير مجتمعها الغربي.
وبين التفاؤل والتشاؤم، يسعى الإعلام الثقافي في الجزائر لتقديم الأحسن في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة زادت من متاعب رجال السلطة الرابعة لتحقيق نوع من التوازن في حياة المواطن الذي أصبحت المادة طاغية على يومياته، وهو ما جعل الكثير من مقومات الشخصية الوطنية تندثر.
وعبّر الصحافيون الذين التقتهم “الشعب”، بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة، الذي نحتفل به منذ 1993، عن عزمهم على مواصلة الترويج للموروث الثقافي الوطني والدفاع عن التراث المادي واللامادي لبلادنا وضمان تجسيد الحق في الثقافة.
الوضع الاجتماعي والاقتصادي وراء تراجع الاهتمام بالثقافة
أكد الإعلامي عاطف قدادرة، من يومية “الخبر”، أن الإعلام الثقافي هو صورة مطابقة لواقع الثقافة في البلاد، فهو انعكاس للمجالات الأخرى. فبقدر ما يكون هناك رخاء معيشي وتشبّع من الماديات تجعل الفرد يتجه نحو الروح من خلال الاهتمام بالنشاطات الثقافية.
وقد شهد الإعلام الثقافي عبر مختلف المراحل التي مرت بها، طفرات متقدمة ثم عاد لينكمش في فترات أخرى، وهذا حسب مزاج بعض القائمين على قطاع الثقافة في البلاد. ومما يجب الوقوف عنده، أن المادة الثقافية في بلد كالجزائر مقروئيتها ليست جيدة لأسباب يطول شرحها، تتعلق بهموم مجتمع وتحولاته.
ومن أسباب تراجع الإعلام الثقافي، هو حاجات المجتمع التي تتجه نحو المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية وباتت أزهى أيام الإعلام الثقافي مناسباتية بامتياز، حيث تتركز الاهتمامات على المهرجانات الغنائية والأيام المسرحية ومعارض الكتاب والسينما، بينما تعاني في باقي أيام السنة.
وكل هذا المشهد جعل بعض الصحف تحاول مثلا، أن تصدر ملاحق ثقافية، لكنها تختفي باختفاء المشهد الموسمي المرتبط بفترة زمنية قصيرة وهو ما جعل الصفحات مهملة، كما أن الكثير يعتقد أن الثقافة من الكماليات.
الرأي العام والقارئ رهينا أخبار الإثارة، الرياضة والسياسة
أكد سكرتير تحرير يومية “البلاد”، فيصل حملاوي، أن واقع الإعلام الثقافي يدعو للتأسف، حيث لم يجد هذا التخصص من السلطة الرابعة ضالته في الصحافة المكتوبة، وهذا بسبب عدم اهتمام عديد المؤسسات بالمحتوى الثقافي.
وقد ساهمت في بروز هذه الظاهرة، عديد الأسباب، فالرأي العام أو القارئ بصفة عامة في بلادنا تشغله كثيرا أخبار السياسة والرياضة، بالإضافة الى أحداث أخرى كالجرائم وقضايا القضاء المتعلقة بصحافة الإثارة أو الصحافة الصفراء التي طغت على عقول الناس، كما برز هناك نمط يروج للسلبية والمشاكل وهو ما أثر كثيرا على إمكانية الاطلاع على المواضيع الثقافية.
 في سياق متصل ساهم، بحسب ذات الاعلامي، تقاعس مسؤولي الجرائد في دفع القارئ إلى تخصيص جزء من وقته لقراءة الأخبار الثقافية، باستثناء بعض الصحف التي تخصص أكثر من صفحتين، بينما نجد باقي الصحف لا تعطي للإعلام الثقافي حقه، وفي كثير من الأحيان نجد الحيز المخصص للثقافة لا يتعدى الصفحة الواحدة، وإن وُجدت فهي لا تتعدى في غالب الأحيان مجرد نقل نشاطات ثقافية ومواعيد لأنشطة ذات طابع ثقافي، ولنقل إنها مجرد أجندة لمواعيد ثقافية، وهذا في غياب صحف مختصة في الإعلام الثقافي وهذا من خلال اللجوء لأقلام معروفة في الساحة الثقافية من شأنها أن تساهم في الرقي بالفعل الثقافي.
واعترف حملاوي بأن الساحة الإعلامية تعج بصحافيين مختصين في الإعلام الثقافي، إلا أن ذلك لم يشفع لهم لرفع الحيز المخصص للأخبار الثقافية، في وقت يقتصر فيه المشهد الثقافي على بعض المبادرات المناسباتية المحتشمة من الهيئات القائمة على الثقافة.
ويقترح، في سياق تطوير الإعلام الثقافي، تخصيص حيز يكون كفيلا بتقديم الإضافة وتحبيب هذا النوع لدى جمهور القراء وذلك عن طريق صحف مختصة في الإعلام الثقافي تنافس حتى الإعلام الرياضي، الذي حجز مكانة متقدمة لدى الجزائريين، وهي تجربة يجب الوقوف عندها، فدخول الرياضة عالم الاحتراف وبقدر ما كان سلبيا في مجالات، بالنظر لعدم القدرة على توفير ظروف نجاح الاحتراف، إلا أن تألق المنتخب الوطني لكرة القدم ووصوله للعالمية ساهم كثيرا في النهوض بالإعلام الرياضي الذي بات مؤثرا ويستقطب جمهورا من كافة الفئات، بالنظر لاقترانه بالمشاهير ومساهمات “السبونسورينغ” الضخمة، وهو ما يجب أن يصل إليه الإعلام الثقافي.
غياب التخصص ساهم في تدني المستوى
أوضح الإعلامي فاتح إسعادي من يومية “وقت الجزائر”،  عدا بعض الجرائد القليلة التي تعد على أصابع اليد الواحدة، فالصفحات الثقافية على مستوى الصحف المكتوبة الجزائرية مازلت “محتشمة جدا” لأسباب أو عوامل عدة أهمها: “...في اعتقادي، غياب الصحافيين المتخصصين في الشأن الثقافي بالمعنى التام للكلمة. حيث تلجأ معظم المؤسسات الإعلامية إلى توظيف مبتدئين في هذا القسم، لأن الكثير من المسؤولين يفتقدون للحس الثقافي ودوره في تنوير الرأي العام والمجتمع بصفة عامة. كما أن القائمين على التحرير يلجأون لإلغاء الصفحات الثقافية وتعويضها بالإشهار أو مادة إعلامية تعنى بأخبار الجريمة مثلا”.
وهناك أمر يجب الإشارة له هو أن الاهتمام بالثقافة يجب أن يكون شاملا وكاملا ولا ينبغي أن يقتصر على بعض النشاطات بعينها، على غرار المسرح والموسيقي، بل يجب إعطاء قيمة كبيرة للتظاهرات الجوارية التي يمكن أن نكتشف فيها فاعلين يمكن أن يصبحوا كبارا، مع ضرورة متابعتهم وتحفيزهم لتحقيق توازن في الفعل الثقافي، لأن الاهتمام بالمشاهير فقط سيولد عقدة لدى المبدعين الشباب.
كما أن الاهتمام بالفعل الثقافي الجواري سيساهم في الترويج للعادات والتقاليد الجزائرية بمختلف أنواعها والمناطق التي تنتمي إليها. على كلّ، إرساء تقاليد في الإعلام الثقافي أصبح أكثر من ضرورة، ولا يكون ذلك إلا بإخضاع الصحافيين لتكوين عالي المستوى، بالنظر لما للإعلام من تأثير بعيد المدى، خاصة في ظل الحروب الثقافية غير المعلنة.
المثقفون مطالبون بالمساهمة والارتقاء بالإعلام الثقافي
طالب الإعلامي والمختص في مجال السينما، نبيل حاجي، من جريدة “اليوم”، المؤسسات الإعلامية الاتصال بالمثقفين والفاعلين في الساحة الثقافية من أجل أن يكتبوا ويساعدوا على ترقية الفعل الثقافي من خلال الصحف. بالمقابل لم يتوان حاجي في إلقاء اللوم على مسؤولي الكثير من المؤسسات الإعلامية الذين لا يقومون بأيّ جهد لاستقطاب المثقفين في مجالات الرواية والمسرح والأدب وهو الأمر الذي من شأنه أن يعيد الروح للصفحات الثقافية.
وأبدى محدثنا تشاؤمه من واقع الإعلام الثقافي، بعيدا عن المساحات المخصصة له، موضحا أن المضمون هو أكبر ما يقلقه، فما ينشر في الكثير من الجرائد بعيد كل البعد عن مستوى ما يجب أن يقدم للرأي العام.
وحمّل مسؤولية ما وصل إليه الإعلام الثقافي من تراجع، إلى مسؤولي المؤسسات الإعلامية الذين لا يهتمون بالفعل والنشاطات الثقافية، كما أن معظم الإعلاميين يفتقدون للحس الإعلامي، يهتمون فقط بالأخبار اليومية ويهملون الروبورتاج والتحقيق والبورتريه، موضحا “عند الذهاب لتغطية مهرجان أو تظاهرة في منطقة معينة... فالصحافي مطالب باستغلال تواجده هناك لتوظيف مختلف فنيات التحرير لتقديم مادة إعلامية في المستوى”.
وأضاف، “إن مقارنة الصفحات الثقافية الحالية وتلك التي كانت تصدر في سنوات خلت، حيث كان الاهتمام بالشأن الثقافي كبيرا جدا، يدعونا لتشخيص هذا التراجع والعمل على تجاوزه، لأن الروتين الذي يطبع صفحات جرائدنا سينفر الجمهور أكثر، فالكل يكتب نفس المواضيع التي هي عبارة عن أخبار تموت في حينها،في ظل غياب نظرة تحليلية عميقة للمشهد الثقافي”.
واعترف بالمقابل، بوجود نمط غريب في الصحافة الجزائرية يتمثل في طغيان الأخبار السياسية على المادة الإعلامية الأخرى، وحتى وإن سلمنا بسلامة هذا التوجه، فالالتزامات تقتضي ضمان حد أدنى من الخدمة العمومية من خلال تخصيص حيّز للرأي العام يسمح له بالاطلاع على ما يدور في الثقافة ومختلف مناحي الحياة، لأن الثقافة جزء لا يتجزأ من المجتمع ولها دور كبير في التنوير والتثقيف.
واستغرب في سياق متصل، حرمان الثقافة من صفحات الجرائد بالمقارنة مع الرياضة التي تستفيد في بعض الأحيان من 4 صفحات وهو أمر غير سويّ يجب معالجته.
وتوقف حاجي عند تبجح بعض المؤسسات الإعلامية بحجم السحب ونسبة المقروئية، وبحبوحة مالية وهي لا تتوافر على صفحات ثقافية، مختتما حديثه بالتنبيه إلى التأثير السلبي للأنترنت على تقديم مادة نوعية حيث يدفع بالكثير إلى الكسل وعدم بذل جهد، كما ساهم في نشر مقالات خيالية يغيب أصحابها عن الحدث ويبدعون في الكتابة في مواضيع لم يحضروها.
الأستاذة مناصري وفاء: التفتح على الجامعة سيسهم في ترقية الفعل الثقافي
دعت الأستاذة مناصري وفاء، من قسم الأدب العربي بجامعة غليزان، الناشطين في الإعلام الثقافي إلى التفتح على الجامعة لتطوير المادة الإعلامية المقدمة للجمهور، فالجامعات الجزائرية اليوم تتوافر على الكثير من المادة العلمية التي تحتاج للترويج والتعريف، ولن نجد أحسن من وسائل الإعلام للإفادة والاستفادة.
وتطرقت الأستاذة إلى المجالات التي تعرف إبداعات متنوعة وتحتاج للتعريف بها إعلاميا، سواء على مستوى الوطن العربي أو الجزائر.
ففي مجال الدراسات النقدية الحديثة، هناك أحمد يوسف، في جامعة بسلطنة عمان، تطرق لكيفيات تطبيق المذهب النقدي في الشعر وهو موضوع في غاية الأهمية يجب الاهتمام به.
ومن بين المواضيع المهمّ، دراسة التمثيل والشعر، حيث تطرقتُ في رسالة ماجستير لهذا الجانب الذي برز في الألمان بشكل مميز. وقد حاولت في دراستي الوقوف عند الشاعر العراقي أحمد مطر، بعد الإبداعات الكبيرة التي ساهم فيها، حيث ساهم في إخراج القصيدة العربية من سراديب النمطية المتحجرة إلى رحابة التمثيل المفتوح. وقد أخذت قصيدة “الومضة” و«خلق” الكثير من الصدى الإيجابي، حيث عكست التحلي بمظاهر التجديد في الشعر العربي.
وربطت مناصري وفاء ما يحدث في المجال الإبداعي في مختلف الفنون الثقافية والأدبية، بغياب مرجعيات بارزة معروفة تحفّز على الإقبال في المجال الثقافي، فعندما أتحدث مع الطلبة الذين يمكن لهم أن يصبحوا فاعلين في المجال الثقافي أو الإعلامي، ألمس لديهم الكثير من الارتباك الذي لا أريد أن أقول عنه إحباطا، وبالتالي أتوجه للقيام بعمل نفسي يتمثل في دعوتهم للاطلاع على النصوص الإبداعية التي فيها جانب جمالي حتى يحسون بحيوية اللغة وبالتالي يتجاوزون تلك النظرة السلبية.
وثمّنت الأستاذة مناصري التطور الكبير الذي شهدته الرواية بعد العناية الإعلامية والسياسية بها، حيث برزت بشكل لافت للانتباه وتفوقت على الأجناس الأدبية الأخرى، التي يجب أن تلقى نفس العناية الإعلامية حتى نتمكن من تحقيق توازن في المجال الثقافي.
أحمد سرير: الإعلام الثقافي مطالب بالعودة إلى المرجعيات الوطنية
اعتبر الأستاذ محمد سرير، من جامعة المدية، أن الإعلام الثقافي مطالب بالتوجه للاستثمار في الشخصيات الوطنية والتاريخية والدينية واستغلال التراث التاريخي الوطني في مختلف المجالات، بالعامل المهم لاسترجاع المهتمين بالثقافة وتكوين رأي عام وطني محصن من أية تأثيرات سلبية قادمة من الثقافة الأجنبية.
ويرى الأستاذ سرير أن الصفحات الثقافية في اليوميات الوطنية تعاني ويطغى عليها الجانب المناسباتي، كما تهتم بالأمور سطحية، وهو ما يجب تجاوزه، وهذا من خلال إخضاع الصحافيين إلى دورات تكوينية والذهاب للمواضيع التحليلية والتنويع في الكتابات، خاصة من خلال تنميط القارئ على ضرورة المطالعة وهذا بتخصيص مساحات للأدب العالمي الراقي والخالي من أية توجيهات سلبية.
وقال سرير، إن وسائل الإعلام يجب أن تكون وسيطا لترقية الثقافة وهذا من خلال تحفيز الجمهور على الاهتمام بشتى الفنون والإبداعات.