طباعة هذه الصفحة

الباحث عبد الرحيم مقداد لـ «الشعب»:

الحوار، التّنمية ووقف التّدخّلات الخارجية..طريق الخلاص في مالي

حوار: فضيلة دفوس

 اتّفاق «السّلم والمصالحة» إطار أوحد للاستقرار

تعيش دولة مالي منذ الربيع الماضي، تاريخ تنظيم انتخابات تشريعيّة، على وقع توتّر متصاعد وأزمة سياسية خانقة، حيث أدّى تدخّل المحكمة الدستورية لإلغاء مقاعد عديدة فازت بها المعارضة، إلى اهتزاز الشارع الذي تفجّر غضبا في وجه السلطة الحاكمة، وهو ما أدخل هذه الدولة الواقعة بمنطقة الساحل الإفريقي في دوامة حراك رفع سقف مطالبه إلى الدعوة لتنحية الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، بمبرّر أنه أخفق في تجسيد تطلّعات الشعب، وفشل في تحقيق الأمن والتنمية والاستقرار.
«الشعب» تقف اليوم مع السيد عبد الرحيم مقداد، أستاذ وباحث في العلوم السياسية بجامعة وهران، عند تطوّرات الوضع في دولة مالي لتحاول معه فهم أبعاد الأزمة السياسية التي تعيشها، وجهود الوساطة الإفريقية، وأيضا موقف الجزائر باعتبارها كانت على الدوام الوسيط الذي يسارع لنجدة الجارة الجنوبية ويساعدها على حلّ مشاكلها.

- الشعب: تواجه دولة مالي أزمة سياسية خانقة يميّزها حراك معارض رفع سقف مطالبه إلى رحيل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ما تعليقكم على مستجدّات الوضع بالجارة الجنوبية، وما أسباب اهتزاز الشّارع هناك؟
 الأستاذ عبد الرحيم مقداد: تشهد مالي أزمة سياسية منذ إجراء الانتخابات التشريعية المتنازع على نتائجها في مارس وأفريل الماضيين، والتي بلغ صداها هرم السّلطة بعدما رفعت المعارضة سقف مطالبها لتنحية الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.
وقد سارعت مجموعة «إيكواس» للتدخّل في مسعى لحل التوتر المتصاعد بين الحكومة والمعارضة، واقترحت تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة هيكلة المحطة الدستورية على أساس التوافق، وحل الخلاف حول 31 مقعدا كانت المعارضة قد فازت بها لكن المحكمة الدستورية ألغت هذا الفوز، وهو السبب المباشر الذي فجّر غضب الشارع، وفي المقابل، عقدت اجتماعات رسمية من بينها اجتماع الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا مع زعيم المعارضة الإمام محمد ديكو، وعدد من الشخصيات النافذة وائتلاف المعارضة المتمثل في حركة «5 يونيو» وممثلين عن الأغلبية الرئاسية والمجتمع الدولي والنواب الملغي فوزهم من طرف المحكمة الدستورية، وذلك للدفع بمسار المفاوضات للخروج من هذه الأزمة، حيث طالب قادة المعارضة برحيل الرئيس المالي إلى جانب مطالب أخرى من بينها إلغاء الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتشكيل حكومة وطنية والإفراج الفوري عن زعيم المعارضة سومايلا.
هذا التعارض بين مقترحات مجموعة «إيكواس» وبين مطالب المعارضة، جعل الوضع يتأزّم أكثر، حيث شهدت العاصمة باماكو أعمال عنف خلّفت قتلى وجرحى وسط مخاوف من اتساع رقعة التوتر وتبعاته على أمن واستقرار منطقة الساحل الإفريقي، التي تعد من أكثر المناطق هشاشة.
وفي ظل الأحداث المتسارعة، أعلن الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا أنه مستعد للعمل من أجل تسوية الوضعية، وكدليل على حسن نيته، أقدم على حل المحكمة الدستورية في محاولة لامتصاص غضب الشارع، الذي رفع من سقف مطالبه في ظل استياء متنامي من عجز السلطات عن مواجهة تدهور الوضع الأمني في شمال ووسط البلاد، وفشل الحكومة في معالجة المشاكل الاجتماعية والركود الاقتصادي، كل هذا إلى جانب الأزمة السياسية، دفع بالقوى المجتمعة إلى تعبئة الشارع ضد الحكومة والرئيس المالي ما ينذر بمزيد من التأجج والتصعيد.
- أزمة سياسية يقابلها وضع اجتماعي واقتصادي صعب، وتدهور أمني بسبب تفاقم التهديد الإرهابي، كيف يمكن لدولة مالي أن تواجه هذه التحديات الصعبة؟
 على الدّولة المالية أن تعمل على إعادة الشّرعية الدستورية، وتوحيد البلاد مجدّدا وتحسين الأوضاع الاجتماعية لأنها الوسيلة الوحيدة التي من شأنها امتصاص الغضب الشعبي، كما يجب على السلطات في باماكو احتواء الشمال، فذلك سيحد من شدة الأزمة خاصة في شقّها السياسي، ولعلّ الأمر الذي أخّر الوصول لحل بين الحكومة وبين أبناء الشمال باعتبارهم جزءاً من الغضب الشعبي، هو استنجاد الحكومة بالقوى العسكرية الخارجية، وهذا اعتراف من الحكومة بعجزها عن ضمان وحدة البلاد، ما أضعف الثقة بين الطرفين لأن كل منهما يتهم الآخر بأنه السبب في الأزمة.
من جهة أخرى، على الحكومة المالية أن تعمل جاهدة على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من خلال التوزيع العادل لموارد البلاد دون إقصاء أي فئة أو أقلية، هذا ما سيحسّن صورة الحكومة والرئيس المالي، وسيعمل على بعث الشرعية السياسية المفقودة منذ الانقلاب العسكري حسب المعارضة المالية.
- جزء هام من متاعب مالي ناتج عن التّدخلات الخارجية، والفرنسية على وجه الخصوص، ما قولكم؟
 لطالما كانت القارّة السّمراء تشكّل إحدى دوائر السياسة الخارجية للدول الغربية وعلى وجه الخصوص الفرنسية بحكم العلاقات الوطيدة لباريس مع مستعمراتها الإفريقية السابقة.
وقد تمكّنت فرنسا من بلوغ مكانة متميّزة في علاقتها مع الأنظمة الحاكمة في بعض الدول الإفريقية، ومن أبرزها دولة مالي رغم أن سياستها محطّمة لكلّ المجالات الإستراتيجية والاقتصادية والثقافية، وقد كان لهذه السياسة دور كبير ومسؤول عمّا وصلت إليه الأوضاع في مالي بسبب استغلال الثروات المعدنية، ودعم الانقلابات العسكرية، وتغذية عدم الاستقرار السياسي والأمني، وحتى التدهور الاقتصادي وانهيار مؤسسات الدولة وإشاعة ثقافة العنف والفساد، ممّا يجعل ذلك مبرّرا لتحرّكاتها وتدخّلها المباشر في شؤون مالي بدعوى احتواء هذه المشاكل وهي في الواقع تؤجّجها.
- عدم الاستقرار الذي تشهده دولة مالي يعود أيضا إلى تعثّر تطبيق اتّفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، لماذا هذا التعثّر؟ وهل بالإمكان استئناف تطبيقه؟
 لا شك أنّ اتّفاق المصالحة المنبثق عن مسار الجزائر لحل الأزمة، كان بمثابة خارطة طريق للخروج بمالي من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني لو طبّق كما خطّط له، لكن ضعف التنمية في البلاد والظروف المصاحبة للاتفاق لم تكن تسير لصالح تطبيقه.
وبالتالي انعدام نتائج ملموسة على أرض الواقع، ومنه يجب التنويه كذلك إلى دور القوى الأجنبية التي عملت ولازالت تعمل على إحباط أي مبادرة من شأنها إيجاد حل للأزمة المالية، لأن مصلحتها في بقاء الأوضاع كما هي وبالخصوص فرنسا كما سبق وأشرنا، الأمر الذي جعل الاتفاق يبقى حبرا على ورق إلا في بعض بنوده الشكلية، أما عن إمكانية استئناف تطبيقه فهو أمر ممكن من خلال تعزيز هذا الاتفاق ببعض الآليات الإلزامية، وإخضاعه للرقابة من قبل المنظمات الدولية.
- الجزائر كانت دائما تقف إلى جانب مالي لتجاوز أزماتها، فهل ستتحرّك اليوم لمساعدتها أم ستترك المهمة لمجموعة «إيكواس» وغيرها من الجهات الإفريقية؟
 ممّا لا شك فيه أنّ الجزائر كانت ولا تزال تدعّم مالي لتتجاوز أزماتها، وأي مبادرة في هذا الصدد إلا ونجد الجزائر طرفا فاصلا فيها، وهذا راجع لعدة اعتبارات، منها أن الجزائر تعتبر مالي امتدادا استراتيجيا لأمنها القومي، لذلك تعمل جاهدة على إقرار الاستقرار بها، كما أن أي جهة تحاول الانخراط في تسوية الأزمة المالية إلا وتتّصل بالجزائر بحكم أنها الطرف الرئيسي والفعّال في جهود الحلّ، وقد أشار إلى ذلك رئيس البعثة الأممية متعددة الأبعاد المدمجة للاستقرار في مالي السيد محامات صالح اناضيف، حيث أكّد أنّ اتّفاق الجزائر يبقى الإطار الأوحد الذي يحدد سبيل السلام في مالي.
من جهة أخرى، أكّد وزير الشؤون الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، على تمسّك الجزائر بأمن واستقرار مالي، مشدّدا على الجهود التي ما فتئت الجزائر تبذلها في هذا الاتجاه، متمنيا أن تكون الأوضاع التي تمر بها مالي في الوقت الراهن ظرفية، وأوضح أن الجزائر في تواصل مستمر مع كل الأطر المعنية وبأنها مازالت تترأس المفاوضات من أجل تطبيق الاتفاق، وقال: «رغم كل الصّعوبات الحالية فإنّ الجزائر مصرّة في الاستمرار في هذا العمل».
- كيف يمكن لمالي أن تتجاوز أزمتها السياسية بسلام، ثم ألا يمكن للمجموعات الإرهابية أن تستغلّ الوضع المتوتّر لتكثّف هجماتها؟
 على الحكومة المالية أن تدفع بعجلة التنمية الاقتصادية لامتصاص الغضب الشعبي، والتفرغ للأمور السياسية، وعلى المسؤولين والرئيس المالي التحلي بروح المسؤولية والسعي بجدّ لحل الأزمة، لأنّ غياب الإرادة لدى صانع القرار من شأنه أن يجهض أي مشروع سلام، كما ينبغي الحد من التدخلات الأجنبية، وتهيئة جو الحوار مع الفرقاء وممثلي المعارضة والعمل على احتواء مطالب الشمال، والتركيز على مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله خاصة الخارجية منها، والسهر على تطبيق اتفاق المصالحة المنبثق عن مسار الجزائر إذا كانت مالي تريد حقا الخروج من النفق المظلم والأزمة التي تمر بها.
وحول إمكانية استغلال الجماعات الإرهابية للوضع القائم لتكثيف هجماتها، فالأمر وارد، وقد أشار إليه إسماعيل شرقي مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، الذي قال إنه من المهم إعادة بعث اتفاق السلام في مالي، ومنح الدعم اللازم للجيش والبعثة الأممية للقضاء على الجماعات الإرهابية والإجرامية، والعمل على نشر قوات الجيش في مناطق الشمال، كما دعا ذات المتحدث إلى ضرورة دمج المقاتلين الأزواد في قوات الجيش المالي للوقوف دون استغلالهم من قبل الجماعات الإرهابية، وفي هذا الصدد ونتيجة لهذه التخوفات تعمل الجزائر جاهدة لتذليل العراقيل التي تقف حاجزا دون تطبيق بنود اتفاق المصالحة، وبالتالي وضع حدّ لما يجري في المنطقة من نشاطات إرهابية وإجرامية.