طباعة هذه الصفحة

رئيس الجمهورية يضع أسس العهد الاقتصادي الجديد

بلوغ 5 مليار دولار مـن الصادرات خارج المحروقات بحلـول 2021

حمزة محصول

الاستيراد أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس

لن نقترض لا من صندوق النقد ولا من الدول

 بإمكان الخواص الاستثمار في النقل الجوي والبحري

أعلن، أمس، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عن الشروع «فعليا» في بناء اقتصاد وطني جديد، قائم على استثمار واستغلال الطاقات الوطنية بعيدا عن «التبذير المقنّـن»، وحدد آجالا زمنية قريبة لرفع حجم الصادرات خارج المحروقات وتقليص الواردات. وشدد في الوقت ذاته، على تفادي الاستدانة الخارجية، مهما كان نوعها، حماية لسيادة القرار الوطني.
أكد الرئيس تبون، جاهزية الدولة للمضي قدما في النهوض باقتصاد البلاد على أسس وذهنيات جديدة، بما يشكل قطيعة نهائية مع الممارسات السابقة التي كانت ستؤدي «للانهيار التام».
وانطلق رئيس الجمهورية، لدى إشرافه على افتتاح الندوة الوطنية حول مخطط الإنعاش الاقتصادي من أجل بناء اقتصاد جديد، من تقييم مزر للاقتصاد الجزائري، قبل أن يضع المحاور الكبرى لخطته لقلب الأرقام والمؤشرات نحو الأعلى.
وقال أمام إطارات الدولة ومنظمات أرباب العمل والمركزية النقابية: «إن اقتصادنا متخلف، لا نملك أي ترابط بين الشعب الإنتاجية، والأنظار كلها موجهة للخارج من أجل الاستيراد»، معتبرا أن «العلة تكمن في الخمول الذي أصاب العقول بعد ارتفاع أسعار النفط، وفي الجشع لتحقيق الربح السهل على حساب البلد».
هذا الواقع «يجب أن يتغير»، يشدد رئيس الجمهورية، ومن أجل ذلك حدد نهاية السنة المقبلة، كموعد لبداية جني الثمار. فمع أواخر 2021 «يجب أن نصل إلى 5 مليار دولار كصادرات خارج قطاع المحروقات (حاليا 02 مليار دولار)، من مختلف المنتجات، فهناك طاقات كبيرة يمكن تصنيعها وتصديرها نحو الخارج».
ولم يخف الرئيس تبون، أن «الخروج من التبعية للمحروقات»، ظل شعارا تردده مؤسسات الدولة منذ عقود دون أن يتحقق منه شيء، بدليل «أن 98 بالمائة مداخيل البلاد تأتي من البترول والغار»، ولكن «من هذا الاجتماع نتمنى أن نخرج من سيطرة المحروقات بكل ما أوتينا من قوة».
ارتباط اقتصاد البلاد بالنفط، لم يعد قضية اقتصادية «محضة»، فهي بالنسبة لرئيس الجمهورية مسألة «سيادة وطنية» و»سلطة قرار»، إذ أوضح في السياق أن «تهاوي أسعار النفط تسببت فيه دولة أو دولتان (قبل كوفيد-19) وما نحن إلا ضحية»، مضيفا «لو كانت لدينا طاقة إنتاجية خارج المحروقات، لما ظل تفكيرنا مرتبطا لهذا الحد بسعر البرميل، ارتفع أم انخفض».

تشجيع المصدّرين

وهنّأ رئيس الجمهورية بالمناسبة، المصدرين الجزائريين الذين استطاعوا اقتحام الأسواق الدولية، مشيرا إلى «مصنع الإطارات (العجلات) الذي استطاع إيصال وضع منتوجه في السوق الأمريكية».
وقال: «إن هذا أمر يشرفنا ويبقى أنموذجا ينبغي أن يتبع»، وأكد أن الجزائر تستطيع تصدير منتجات أخرى كمواد التجميل والحلويات، ووعد بإعطاء دعم قوي للمصدرين، كالرواق الأخضر ومنح تسهيلات وتحفيزات مالية كبيرة لمن يسوق المنتج الوطني المصنع من المواد الأولية المحلية».
الرئيس وفي كلام طمأن به المتعاملين الاقتصاديين، أدان ممارسات سابقة استهدفت منتجين مخلصين «ذنبهم أنهم أرادوا التصدير للخارج»، وذكر صاحب مصنع للحلويات كان قد أشاد به سنة 2017 (يوم كان وزيرا أول)، فتعرض لمضايقات وخضع لتحقيقات «بتهمة أنه لا يصدر ولا يدخل العملة الصعبة للبلاد».
وأعلن بأن «الدولة وحرصا منها على دعم التصدير، مستعدة للتنازل عن جزء وافر من العملة الصعبة لصالح المصنعين، مع مساعدتهم على توسيع مصانعهم وتسهيل أمورهم مع وزارة المالية»، وقال: «في هذه البلاد من يشكر توجه له السهام والبنادق… هذه الذهنية انتهت، من يحسن نقول له أحسنت ومن يخطئ نقول له أخطأت صحح خطأك».

ليس لدينا بنوك؟
ودعا رئيس الجمهورية المتعاملين الوطنيين إلى توجيه اهتماماتهم إلى الأسواق الإفريقية والتعامل مع المؤسسات الإفريقية «وهي كثيرة»، التي ترغب في التعامل مع الجزائريين، وشجع على توسيع شبكة الخدمات كالنقل والبنوك والخدمات مع دول المنطقة.
وقال مستغربا: «ليس لدينا بنك جزائري في إفريقيا أو بنك مشترك مع دولة إفريقية»، وأعلن بأنه «لا يمنع القطاع الخاص لإنشاء بنوك بالشراكة مع بنك عمومي ومع دولة من دول الساحل (مثلا)».
وشدد الرئيس على الحاجة الملحة لإعادة النظر في قطاع البنوك، قائلا: «ليست لنا بنوك، وإنما شبابيك عمومية».

توفير الملايير… وفتح النقل الجوي

وفي سياق تشخيصه للنموذج الاقتصادي المفلس والمتبع منذ عقود، أشار رئيس الجمهورية، إلى مصاريف سنوية تناهز 12 مليار دولار تخص الخدمات ومكاتب الدراسات الأجنبية والنقل البحري، مؤكدا أن «تطوير الأسطول البحري الوطني وحده سيوفر لنا ما بين 3 و4 مليار دولار سنويا».
وقال: «كم سيكلفنا اقتناء باخرة؟ عندما نعتمد على النقل البحري للشركات الأجنبية، ندفع تكلفة النقل وتكلفة تأخر دخول الباخرة إلى الميناء… خسائر مضاعفة».
وأعلن الرئيس تبون، في المقابل، عن فتح الاستثمار في النقل الجوي أمام المتعاملين الخواص قائلا «لا يوجد أي مانع كي يؤسس متعامل شركة طيران».
ولا يكتمل طموح الدولة في رفع حجم الصادرات، إلا باكتمال حلقة «اللوجستيك (النقل) والبنوك والدبلوماسية الاقتصادية»، بحسب رئيس الجمهورية، الذي دعا إلى خلق تمثيليات لغرف التجارة ومؤسسات الإنتاج في الخارج.

الاستيراد... التبذير المنظم

طموح الدولة في ترقية الصادرات، يسير بالتوازي مع وضع حد للاستيراد الذي يتم بطريقة «تمس بالنخوة الوطنية»، وقال تبون «إلى متى نستمر في الواردات على حساب الإنتاج الوطني؟ هل يعقل في بلد ينتج الفواكه أن يستورد الفواكه المركزة من الخارج».
وعاد رئيس الجمهورية إلى الواقع المر الذي اطلع عليه يوم توليه حقيبة التجارة بالنيابة سنة 2016، أين اكتشف درجة تحايل بعض المستوردين على الدولة وعلى الاقتصاد الوطني، وقال «مستورد استفاد من رخصة استيراد الفواكه لإنتاج العصائر، نصف ما يستورد يذهب للعصير والنصف الآخر يبيعه في السوق».
واعتبر أن استيراد رقائق البطاطس، وبلادنا تتنج سنويا كميات وافرة من البطاطا وبجودة عالية، قائلا إن: «هذا انتحار اقتصادي... إنه عرقلة وتحطيم».
وأشار أن البلاد كانت تستورد سنويا ما قيمته 750 مليون دولار من الصلصات سنويا، في وقت يمكن إنتاج  أنواع منها في الجزائر وبجودة عالية، وعن طريق مؤسسات ناشئة ومصغرة.
وأضاف، «يحدث هذا في الوقت الفلاح الجزائري ينتج، ومصير منتوجه التلف»، واستطرد: «الهرولة وراء الربح السهل والسريع على حساب الاقتصادي، إلى درجة أصبحنا في وضع كادت أن تذهب ريحنا لولا لطف».
ولفت إلى أن الاقتصاد الجزائري كاد أن يصل إلى حد الانهيار وستتبعه تداعيات خطيرة، قائلا: «لولا 57 مليار دولار المتبقية في احتياطي الصرف لكنا اليوم نتوسل أمام المؤسسات الدولية، وعندها لن يبقى لنا سيادة قرار ولا حرية موقف... كل هذا بسبب التبذير المنظم».
وشدد في السياق على الرفض المطلق للعودة إلى الاستدانة الخارجية، لا من صندوق النقد الدولي ولا من البلدان الصديقة والشقيقة حفاظا على السيادة الوطنية»، يقول الرئيس تبون.

الإنتاج الفلاحي يفوق مداخيل النفط

ما كانت الجزائر لتصمد أمام ما أسماه رئيس الجمهورية بـ «الزوبعة» الناجمة عن تهاوي أسعار النفط وتفشي وباء كورونا، لولا الإنتاج الفلاحي الوفير من مختلف المواد وبأسعار في المتناول.
وقال الرئيس: «لأول مرة في تاريخ الجزائر، تفوق قيمة الإنتاج الفلاحي مداخيل النفط»، وتوقع أن تبلغ عائد المحروقات نهاية السنة 24 مليار دولار، بينما قدر الإنتاج الفلاحي بـ25 مليار دولار.
وتوجه بتحية خاصة للفلاحين، ووعد بتوفير الضمانات التحفيزية لهم، على غرار «غرف التبريد»، وشدد في السياق على أهمية توجه المصنّعين نحو الصناعة التحويلية، لتفادي كساد المنتجات الفلاحية، داعيا الحكومة إلى الحرص على الانسجام بين الشُّعب الصناعية والفلاحية.
وفي السياق، أوضح أن الترخيص باستيراد المصانع من الخارج، في ظل الركود الذي أصاب الاقتصاد الرأسمالي، يصب في خانة دعم شبكة التصنيع في ظرف وجيز (سنة)، مشيرا إلى أن تكلفة هذه المصانع لا تتعدى 20٪ من قيمتها الحقيقية.
كما أكد وضعية سوق الطاقة، ليست مقلقة بالنسبة للجزائر، باعتبار سعر البرميل يفوق 45 دولارا في الآونة الأخيرة، بينما السعر المرجعي المحدد في قانون المالية التكميلي هو 30 دولارا، إضافة إلى التكلفة المنخفضة لاستخراج البرميل الواحد والتي تتراوح ما بين 6 و24 دولارا.

نستطيع الصمود… لكن بشرط

رغم الواقع المزري للاقتصاد الوطني، لازال في مقدور الجزائر الصمود لسنة أو سنتين، بحسب الرئيس تبون، فـ»57 مليار دولار كافية إلى غاية وصول الإمدادات من ثمار الاستثمار خارج قطاع المحروقات.
القيمة المتبقية من احتياطي الصرف، لا ينظر إليها رئيس الجمهورية، كغلاف مالي متبقي لتغطية أشهر معدودة من الواردات، حيث كشف عن تخصيص غلاف مالي بقيمة 1900 مليار دج من الآن إلى غاية نهاية السنة «لتمويل الاستثمار» وخلق مشاريع تنمية اقتصادية.
كما أعلن عن تخصيص حصة مالية تصل إلى 10 مليار دولار لتمويل المشاريع الاستثمارية الضخمة بالعملة الصعبة.
ولكنه شدد في المقابل، على بناء الاقتصاد الوطني يقوم على الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، داعيا إلى تفادي الاستثمارات الكبرى المنافسة للخارج، بسبب التكلفة الباهظة وصعوبة تسويق المنتوج النهائي.

منع استيراد الوقود

في سياق دعم الآلة الإنتاجية الوطنية، أعلن رئيس الجمهورية عن منع استيراد البنزين من الخارج العام المقبل، وشدد على حتمية تغيير النموذج الاقتصادي الوطني، نحو ترقية الإنتاج المحلي بالاعتماد على الكفاءات الوطنية.
وقال: «لدينا أهم مورد أولي وهو الشباب، كل سنة يتخرج من جامعاتنا 250 ألف طالب، هل من المعقول ألا نصنع ثلاجة في 2020»، وأضاف بأن «الجزائر لديها كل الإمكانات لتصنيع كل شيء، بما فيها محركات السيارات، مثلما كان عليه في السبعينيات».
وتطرق الرئيس إلى الصناعة الميكانيكية، وما توفره من عشرات الآلاف من مناصب الشغل، خاصة عن ربطها بشبكة مناولة محلية قوية.
وشدد في المقابل على السعي وراء القيمة المضافة عند تشجيع الصادرات، «فلا يمكن الحديث عن التصدير والمادة الأولية للمنتوج المصنع مستوردة والمصنع مستورد»، مشيرا في السياق إلى حديث البعض عن تصدير السيارات بالقول: «إلى أي درجة يظنوننا أغبياء، يريدون تصدير السيارات ماذا تصدرون؟ الهواء المنفوخ في العجلات».

إصلاح وتشجيع

تمر خطة الإنعاش الاقتصاد، عبر إصلاحات عميقة للإدارة من خلال تعميم الرقمنة «للقضاء على البيروقراطية والضبابية المفتعلة»، يؤكد الرئيس تبون.
وجدد التأكيد على الطابع الاستعجالي لرقمنة الضرائب وقطاع المالية بصفة عامة، مشددا على تحقيق عدالة ضريبية «ففي وقت مضى كانت شركة كوسيدار تحتل المرتبة الخامسة في الوفاء بالأعباء الضريبية، بينما يحتل متعامل، يزعم أن رأسماله 20 مليار دولار، المرتبة 154».
وأبدى رئيس الجمهورية دعما مطلقا للقطاع الخاص الذي يشكل 80٪ من الاقتصاد الوطني، وأعلن في السياق عن رفع التجريم عن الفعل التسييري، لتحصين الإطارات من المضايقات والابتزاز.
ولكن الرئيس تبون، أعتبر أنه من غير العادي أن يسير 85٪ من هذا القطاع بالقروض العمومية، وقال إن اللجوء في كل مرة إلى القرض البنكي «غير منطقي».
وتابع، «عندما يحصل متعامل على قروض بالملايير ويحقق أرباحا، لماذا يعود مرة أخرى للاقتراض من البنك؟ أم أن ملايير الدولارات ذهبت إلى فنادق الخمس نجوم في الخارج».

الرسائل المجهولة...  إلى القمامة

في ختام خطابه أمام أعضاء الحكومة ورجال الأعمال والمركزية النقابية، أعلن رئيس الجمهورية، توجيه تعليمة للعدل والمصالح الأمنية «لعدم أخذ رسائل التبليغ المجهولة بعين الاعتبار» وهو ما تفاعلت معه القاعة بالتصفيق مطولا.
وقال الرئيس: «من يملك الشجاعة هناك 180 جريدة والمتهم بريئ حتى تثبت إدانته»، مضيفا «سياسة الضرب تحت الحزام وهذه الرسائل لها مكان واحد هو سلة المهملات»، مشيرا إلى امتلاك الدولة القدرة على التحري.
وفي سياق رفع التجريم عن فعل التسيير، أكد الرئيس أنه لا يشمل قضايا الفساد، مثل تبييض الأموال وغيرها من الجرائم المرتبطة بالمال العام.