طباعة هذه الصفحة

5000 مليار دينار في السوق الموازية

نحتاج الشجاعة لتغيير أوراق العملة

بقلم: محمد سي الهاشمي

تبخرت 6500 مليار دينار التي طبعها بنك الجزائر منذ 2017 تحت مسمى «التمويل غير التقليدي» في الطبيعة كأنها خيط دخان.
تلاشى المبلغ الكبير الذي قدمه الوزير الأول السابق أحمد أويحيى (حاليا رهن الحبس) على أنه «الوصفة السحرية» لإبعاد شبح إفلاس الاقتصاد بعد أزمة انهيار أسعار النفط في 2014، لأنه كان العلاج الخطأ للسرطان الذي كان ينخر الاقتصاد الوطني، والذي هو الفساد والاستيراد العشوائي وسطوة الأوليغارشيا والتهرب الضريبي.
بعد تعيينه على رأس الوزارة الأولى في أوت 2017، وعوض أن يقول الحقيقة للشعب الجزائري، راح أحمد أويحيى، يزيف الحقائق، قائلا إن حجم السوق الموازية لا يتجاوز بالكاد 1700 مليار دينار أي حوالي 12% من الكتلة النقدية، وأنها (السوق الموزاية) لا تكفي لحل مشاكل البلاد في الظروف التي تمر بها.
الوزير الأول أويحيى أخفى الحقيقة، لأن حجم السوق الموازية عند ذلك التاريخ كانت عند 5000 مليار دج بأقل تقدير. المبلغ يعادل تقريبا 30 % من الكتلة النقدية التي بلغت حوالي 15000 مليار دج، وهو مستوى جد مرتفع مقارنة مع 3% في بلدان الاتحاد الأوروبي.
لن نعود للنقاش البيزنطي، حول التمويل غير التقليدي وهل يصلح للحالة الجزائرية. لأن الأمر مفصول فيه، فالتمويل غير التقليدي علاج طبقته الولايات المتحدة وبعض الدول المتطورة التي تملك اقتصادا حقيقيا وقدرة على الإنتاج. لقد كان قرار أحمد أويحيى جريمة كاملة الأركان في حق الدولة والمجتمع، متحججا بعدم القدرة على دفع الأجور بداية من أكتوبر 2017.
لا يمكن تطبيق سياسة «التسهيل الكمي» على الحالة الجزائرية التي لا تملك قدرات إنتاجية ولا سوق مالية يمكنها تحقيق فوائض لتغطية العجز، فضلا عن الضبابية في تطبيق الإجراء من طرف الحكومة ومحافظ بنك الجزائر حينها.

هل تجنبت الجزائر انفجار التضخم؟
-لقد تجنبت الجزائر ضغوطا تضخمية (بلغ معدل التضخم في الجزائر بين 2000 و2019 معدل متوسط عند 4.382%) ناتجة عن طباعة 6500 مليار دج، ليس بفضل نظام حوكمة مالية ونقدية متطور من قبل الحكومات السابقة، بل نتيجة احتواء هذا المبلغ من السوق الموازية التي أثرت على سرعة تداول العملة وخلق النقد (بسبب محدودية قدرة البنوك على إقراض زبائنها) والذي ظهر في شكل تراجع رهيب للسيولة البنكية التي نزلت إلى حوالي 1000 مليار دج حاليا مقابل 2700 مليار دج في ديسمبر 2013.

أزمة هيكلية
إن ما يعانيه الاقتصاد الوطني، ليس أزمة ظرفية عابرة، بقدر ما يعاني من أزمة هيكلية تتطلب إصلاحا عميقا وجوهريا للنظام الضريبي والنظام المالي والنقدي بل وإصلاحا أعمق لنظام حوكمة المالية العمومية.
صحيح أن فرصة الإصلاح التي كانت شبه مجانية خلال مرحلة البحبوحة المالية التي مرت بها البلاد إلى غاية نهاية 2013، ضاعت إلى الأبد، ولكن المرور إلى بناء منظومة اقتصادية حقيقية بات ضرورة حيوية وإن تطلب كلفة اجتماعية واقتصادية، لأن الأمر يختلف اليوم مع ما كان في نهاية 2013، لقد كانت البلاد تتوفر على 193 مليار دولار احتياطات نقد أجنبي وعلى 7000 مليار دج موجودات صندوق ضبط موارد الذي تم تجفيفه كليا بنهاية 2017.
اليوم بات من الضروري، بل من الحيوي، المرور نحو إصلاح هيكلي دائما يقوم على الشفافية والمصارحة والمكاشفة، وهي العناصر التي بدأت ملامحها الكبرى تبرز مع الخطاب المسؤول والشفاف الذي سمعناه من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في «اللقاء الوطني حول مخطط الإنعاش الاقتصادي من أجل اقتصاد جديد» بالعاصمة الجزائر في 18 -19 أوت الجاري، ويقوم أيضا على إصلاح هيكلي في العمق لنظام ودور بنك الجزائر في اتجاه إعادة الصلاحيات الكاملة لمحافظه والكف عن أي تدخل سياسي في إعداد السياسات النقدية.
سرعة الإصلاح تتطلب العلاج بالصدمة
إن معدل الاكتناز المرتفع يفسر في جزء كبير منه التراجع القوي للسيولة البنكية الذي هو معرقل أساسي لقدرة البنوك على الإقراض الذي يخلق بدوره النقود وبالتالي نمو الودائع تحت النظر، كما أن قدرة البنوك على توفير السيولة تضررت بفعل ارتفاع الاحتياطي الإجباري للبنوك البالغ حاليا 6% مقابل 1 % في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع للتساؤل لماذا لا يتحرك البنك المركزي لتخفيض هذه النسبة لتمكين البنوك التجارية من توفير هامش حركة جديد يرفع من قدرتها على توفير السيولة في ظل الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد والتي قد تكون لها عواقب وخيمة في حال عدم التحرك في الوقت المناسب وبالسرعة اللازمة لتنفيذ القرارات المواتية، بداية بمراجعة معدل الاحتياط الإلزامي ووضع خطة جريئة لاحتواء الكتلة النقدية الموجودة في الدائرة غير الرسمية عبر سحب الأوراق الحالية، وطرح أخرى بديلة للتداول، وهو ما يمكن الدولة ليس فقط من تغطية عجز الموازنة، بل إقرار عدالة ضريبية عبر توسيع الوعاء الضريبي وليس زيادة الغبن الضريبي على الشركات والأفراد الصالحين، في انتظار حزمة ثانية من الإجراءات ليس أقلها إجبار أصحاب الثروات على دفع ضرائب تتناسب مع ثرواتهم الحقيقية سواء في الجزائر أو في الخارج وتأميم الثروات المنهوبة من طرف العصابة، قبل الوصول في مرحلة ثانية إلى إصدار دينار جديد يستعيد ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.