طباعة هذه الصفحة

مئات التهمهم البحر في 2019

حقائق مرعبة عن «الحرّاڤة»

باتنة: حمزة لموشي

123920 مهاجر غير شرعي عبروا إلى الضفة الشمالية للمتوسط في 2019، يعانون الويلات في تسوية وضعياتهم وسط تنامي حركات عنصرية في أوروبا المناهضة لهذا الزحف البشري، والذي وإن تراجعت أرقامه باستمرار بسبب سياسة الاتحاد الأوروبي التي تعالج الظاهرة من زاوية أمنية بحتة.ظاهرة «الحرقة»، أو معضلة العصر، تهدد أمن الدول واستقرارها، منها الجزائر، التي تسعى لإيجاد مقاربة تفكك مسببات الظاهرة وترسم معالم حل..في هذا الشأن، قدّم مخبر الأمن الإنساني لجامعة باتنة مقاربة علاج الظاهرة بإصدار كتاب بعنوان «حدود العلاقة بين الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والاتجار بهم»، من تأليف البروفيسور رقية عواشرية والدكتورة بن عثمان فوزية. من خلاله يرصد «الشعب ويكاند» أسبابا وحلولا للظاهرة، وتثمينا للإنتاج العلمي والفكري في هذا المجال.

اقتناعا منها بدور الجامعة في قيادة التغيير والمساهمة في إرساء معالم الجزائر الجديدة، قدمت جامعة الحاج لخضر باتنة 01، مقاربة في علاج ظاهرة الهجرة غير الشرعية، واقتراحات حلول لمعضلة العصر.
أنتج مخبر الأمن الإنساني للجامعة مرجعا في تحليل الظاهرة، وأصدر كتابا بعنوان «حدود العلاقة بين الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والاتجار بهم».
الكتاب الذي ألفته البروفيسورة رقية عواشرية من جامعة باتنة 1، والدكتورة بن عثمان فوزية من جامعة سطيف 2، ويندرج ضمن سلسلة الدراسات الأكاديمية للمخبر، غايته تشجيع الباحثين على إجراء دراسات ميدانية معمقة حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي عادت إلى الانتشار إلى درجة باتت تهدد الأمن الوطني.
وعن الغرض من إصدار هذا الكتاب ومميزاته، قالت البروفيسور رقية عواشرية، في تصريح حصري لـ»الشعب ويكاند»، إن الكتاب يتضمن البحث في العلاقة بين متغيرات الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
وأثبتت الدراسة أن الهجرة غير الشرعية سوق خصب لتهريب المهاجرين الذين عادة ما يقعون ضحايا لجماعات الإتجار بالبشر، ما يؤكد خطورة هذه الظواهر المرتبطة في أغلب الحالات.
وبحسب عواشرية، تهدف الدراسة إلى لفت انتباه صانعي القرار إلى العلاقة المتينة بين الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والاتجار بهم، والحلول لمواجهتها، وينبغي أخذها في الاعتبار عند مراجعة بنود بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو لعام 2000.
وتهدف الدراسة إلى لفت انتباه أجهزة الهجرة ومراقبة الوثائق لدى الدول الأعضاء في بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو لعام 2000، إلى جملة التدابير التي جاء بها هذا الأخير في مكافحة تهريب المهاجرين، وذلك لوضعها على أرض الواقع واتخاذ التدابير التقنية والتشريعية اللازمة.

أسباب وخلفيات

شارك في إعداد هذا البحث البرفيسور رقية عواشرية، وهي أستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الحاج لخضر باتنة 01، والدكتورة فوزية بن عثمان، أستاذة محاضرة من قسم الحقوق بكلية العلوم القانونية بجامعة سطيف 02 وعضو بفرقة الأمن الإنساني، لإعطاء مقاربة تحليلية تتضمن الأسباب المؤدية إلى تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة والتي أصبحت تقلق السلطات العمومية وتشغل بال الرأي العام.
وعن سؤال «الشعب ويكاند» حول الصعوبات التي اعترضت مهمة فريق البحث في تتبع أسباب وخلفيات الهجرة غير الشرعية، أكدت الأستاذتان مواجهة جملة من المتاعب في إجراء دراسات ميدانية، في غياب إحصاءات دقيقة، لأن مثل هذه الظواهر عادة ما تكتنفها السرية، سواء من قبل الضحايا الذين يخافون البوح بأي شيء خشية التصفية الجسدية من قبل الجماعات الإجرامية المنظمة، التي تمتهن المتاجرة بالبشر، أو «تكتم السلطات الرسمية عن هذا الموضوع لحساسيته وتأثيره على سمعتها دوليا»، على حد تعبير الباحثتين.
اهتمت البروفيسور بالظاهرة معتمدة على سند رئيس المخبر البروفسور حسين قادري، لإنجاز العمل العلمي الفريد من نوعه وتقديمه في شكل كتاب يعد مرجعا للأساتذة والطلبة والسلطات العمومية، التي تعتبر الهجرة غير الشرعية أحد انشغالاتها وأزمة معقدة لا تقبل القفز عليها واعتبارها مجرد قضية عابرة.
هذا ما توضحه الباحثة عواشرية قائلة: «لم يعد مقبولا البقاء على هامش الأحداث المتسارعة والقضايا المعقدة التي تولدها الهجرة غير الشرعية التي تجاوزت الحدود والأوطان فارضة استنفار دول المعمورة قاطبة»، طارحة السؤال المحير: «ماذا بعد؟ كيف السبيل لوقف النزيف، مع تنامي نشاط عصابات الجريمة المنظمة وارتباطها بالجماعات الإرهابية ومافيا المتاجرة بالبشر؟»..

الجزائر بلد منشأ وعبور

هذه الدراسة مقاربة استشرافية من شأنها المساعدة على حل مشكلة الهجرة غير الشرعية، نظرا للبحث بعمق في الأسباب والدوافع. تقول: «إن الجزائر من الدول التي تعاني من «تفشي» هذه الظاهرة بصفتها دولة منشأ وعبور، وفي فترة سابقة كانت بلادنا مقصدا لمن لم يسعفه الحظ في المرور إلى الضفة الأخرى»، مستدلة في هذا الصدد بما تتداوله وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن قصص شباب في مقتبل العمر، انتهت أحلامهم بالغرق في البحار والمحيطات قبل الوصول إلى ما يسمونه « الإلدورادو»، ومنهم من لم تُنتشل جثثهم، مع كل ما تحمله صور متداولة من معاناة وآلام لعائلاتهم، وتراجيديا لا يمحوها الزمن.
لهذا يرى فريق البحث أنه من واجب السلطات مضاعفة الجهود للتكفل بهموم فئة الشباب التي تمثل غالبية السكان، ويُعول عليها في التغيير والمشاركة في البناء الوطني وتماسك الجبهة الداخلية مدخل الاستقرار الوطني.
وتفصل البروفيسور عواشرية في الموضوع أكثر بالقول إن المهاجرين غير الشرعين عادة ما يدفعون مبالغ مالية تجمع بشق الأنفس والتضحيات، لجماعات الجريمة المنظمة التي تقوم بتهريبهم في «مراكب الموت».
بالنظر إلى تحاليل أهل الاختصاص والمعلومات المسجلة، تعد الجزائر بيئة خصبة ومناخا ملائما ومشجعا للهجرة غير الشرعية، فموقعها الجغرافي-السياسي geopolitique، بوصفها بوابة البحر الأبيض المتوسط، يجعل منها بلد عبور بامتياز.
كما أن التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال وحملات الدعاية والتشهير للحياة الفضلى والتي تصور الغرب «جنة الله فوق الأرض، والحياة فيها لا يكدرها شيء والوصول إليها نهاية معاناة»، زادت حماس الشباب وغير الشباب للهروب نحو الضفة الأوروبية، تبعا لعوامل ذاتية وموضوعية منها الجوار الجغرافي والاتكال على الأهل والأقارب القاطنين فيها.
كل هذا وظفته عصابات تهريب البشر واتخذته «ورقة ابتزاز وإغراء عبر وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي الحديثة للترويج لخدماتها في صورة وكالات سياحية وهمية».
والحقيقة أن الهجرة غير الشرعية، من منظور الأستاذة عواشرية، تشكل وباء على أمن الجزائر واقتصادها، فالجزائر دخلت لغرض مواجهة هذه المشكلة في اتفاقيات مع دول حوض المتوسط، والتي جعلت منها حارسة لحدودها، نظرا لأن هذه الاتفاقيات قامت على البعد الأمني، دون البحث في الأسباب الجذرية للظاهرة.
وتشكل من جانب آخر خسارة للاقتصاد، حيث تفقد الجزائر سنويا خيرة من شبابها الكثير منهم حاملو شهادات، كلفها تعليمهم مبالغ مالية باهظة، فضلا عن أنها منطقة عبور يؤثر على الأمن الصحي لمواطنيها خصوصا سكان المناطق الحدودية.
وتعتبر الباحثة أن تحقيق الأمن الإنساني بمقوماته السياسية والاجتماعية والأمنية يشكل الحل الجذري والأمثل لظاهرة الهجرة غير الشرعية، لأن الواقع العملي أثبت عدم جدية الحلول الأمنية، ولا أدل على ذلك من أن تجريم الهجرة غير الشرعية في التشريع الجزائري لم يوقف الظاهرة التي تتسارع وتزداد حدتها يوما بعد يوم.
لنقل بعض تجارب الدول الأخرى والاستعانة بها في مكافحة هذه الظاهرة ببلانا، ترى الأستاذة عواشرية أن الحلول الحقيقية والناجحة والفعالة يجب أن تنبع من واقع المجتمع ولا تستورد، لذا الأمر يتطلب وجوب الأخذ في الحسبان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدولة التي طبقت فيها التجارب ومدى تقارب ذلك مع واقع الدولة الجزائرية حتى لا تضيع الجهود المبذولة في هذا الصدد.

نتائج وتوصيات للحد من الظاهرة

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها، أن الهجرة غير الشرعية تعد السوق السوداء لتهريب البشر والاتجار بهم بواسطة آليات كثيرة منها المكاتب الوهمية لإلحاق العمالة بالخارج، ووسطاء الهجرة والسماسرة، وغياب تجسيد مبدأ دولة القانون والحق، واستشراف الفساد بمختلف صوره، وعصابات الإجرام المنظم.
وتوصلت الدراسة إلى أن أغلب المهاجرين غير الشرعيين بمختلف أصنافهم وأجناسهم يلجأون إلى خدمات عصابات التهريب اعتقادا منهم أنها المعين الوحيد للوصول للضفة الأخرى في ظل سياسة الباب المغلق التي اتخذتها الكثير من الدول المستقبلة، وهذه العصابات كثيرا ما تكون لها أهداف يصعب التفطن لها بادئ الأمر ليجد المهاجر غير الشرعي «الحراق» نفسه ضحية للإتجار به في مجال المخدرات أو الاستغلال الجنسي وممارسات منافية لحقوق الانسان وكرامته.
يعد فتح طرق جديدة للدخول القانوني وتعزيز الموجود منها خصوصا للاجئين وطالبي اللجوء بوصفهم يشكلون أغلبية الناس الذين يمرون بشكل غير قانوني الحل الأكثر استدامة لمشكلات الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والاتجار بهم.
كما أن مسألة الرضا التي تخلع عن المهاجر غير الشرعي صفة الضحية، يجب أن لا تؤخذ على وجه الاطلاق، وإنما يجب أن تقدر بالسياق الذي جاء فيه، والأخذ بعين الاعتبار العمر فالقاصر لا يمكن أن يعتد بإرادته.
وخلصت الدراسة إلى أن تنامي الهجرة غير الشرعية تتحكم فيها عوامل وأسباب داخلية، نتيجة إخفاق سياسات تنموية، وهي الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، أو نتيجة لحالات الصراع والاضطرابات الداخلية، أو نتاج تراكمات، خاصة حركية العولمة وهيمنة الثقافة الغربية وتسويق الضفة الشمالية على أنها «المدينة الفاضلة» حيث المستقبل مضمون.
وهذا الشعار المخادع كثيرا ما يسقط فيه « الحراقة» الذين رأيناهم يرددون المسائل وهم على « قوارب الموت» في عرض المتوسط صارخين بالفم المملوء من خلال « مواقع افتراضية» وفيديوهات «وداعا المآسي»،  «نحن ذاهبون إلى الفردوس الآخر» حيث «النكهة» و»المستقبل».
فريق البحث الذي شدد على مقاربة بديلة تأخذ في الاعتبار إشكالية الهجرة غير الشرعية بعلاج الأسباب والدوافع، أكد أن المقاربة الأمنية أثبتت قصورها في التصدي للهجرة غير الشرعية والحدَ من ظاهرة التهريب والاتجار بالأشخاص، لذلك تطلب الأمر، التوجه صوب مقاربات مغايرة تتمركز حول إنسانية الإنسان، تدعم المقاربة الأمنية، وتعمل في اتجاهين متكاملين، اتجاه وقائي، واتجاه علاجي.
وتبعا للنتائج المتوصل إليها، اقترح فريق البحث توصيات تتعلق بضرورة طرح وإثراء النقاش بشأن الهجرة غير الشرعية من الجانب الروحي العقائدي، وبيان التصور الإسلامي للأشخاص المقبلين على ركوب قوارب الموت، أو التنقل في مسالك محفوفة بالمخاطر، ووضعها ضمن أطر الأحكام الشرعية، هل يمكن اعتبار ذلك محاولة انتحار أم دفاع عن النفس والعرض؟.
وعلى المجتمع الدولي أيضا أن يتخذ إجراءات مشتركة ومتناسبة وفاعلة من أجل حماية حقوق المهاجرين غير الشرعيين وضحايا الاتجار بالبشر، ووضع تدابير لتحسين اندماجهم في المجتمع، ورفع قيود التمييز واللاعدالة التي يعانون منها، إضافة إلى بناء توافق دولي للهجرة الآمنة والقانونية على أساس حماية حقوق الإنسان لجميع المهاجرين، وضمان أن يستند الاتفاق على القانون الدولي لحقوق الإنسان وجميع الوثائق الدولية ذات الصلة، والعمل على وضع إجراءات محددة في الاتفاق تكفل أنسنة إدارة الهجرة، مثل مواجهة الأسباب الدافعة للهجرة المحفوفة بالمخاطر لتحسين الطرق الآمنة والمنظمة للهجرة.
وأخيرا ضرورة العمل على المستويات الثلاثة الوطنية والإقليمية والدولية لأجل مواجهة مظاهر العنف والتمييز والاستبعاد الاجتماعي ضد المهاجرين وضحايا الاتجار، واتخاذ تدابير لتسوية أوضاعهم، وضمان المشاركة الفاعلة لكل من لهم صلة بتدعيم مركز المهاجر وجعله مواطنا شريكا في تطوير التنمية المستدامة، الحلقة الأقوى في معادلة البناء الوطني، الذي يشارك فيه الجميع.. بعيدا عن كليشيهات عقيمة مثل: «تخطي راسي»..