طباعة هذه الصفحة

الناقد والأكاديمي محمد الأمين بحري:

الخاطرة ليست جنـسا أدبيّا

أسامة إفراح

قراءة الروايات العالمية والعربية للتعرف على كيفية بناء النص

اعتبر الناقد محمد الأمين بحري، أنه من المستحيل النظر إلى الخاطرة كجنس أدبي قار ومتفق على فنياته. وطرح الأستاذ بجامعة بسكرة، على صفحته الخاصة، سؤال: هل الخاطرة جنس أدبي؟ واستند إلى مجموعة من الحجج للإجابة عن السؤال بالنفي، وهو ما لم يلقَ بالضرورة الاستحسان والإجماع، وجاءت بعض الردود على هذا الطرح بكون الإبداع هو الأصل، والنقد هو الفرع، وليس العكس.
ليس جديدا على الناقد والأكاديمي د.محمد الأمين بحري نشر قراءات نقدية أو طرح قضايا نقاشية على صفحته للتواصل الاجتماعي. وكان آخر ما طرحه بحري سؤال: هل الخاطرة جنس أدبي؟ ولعلّ هذا التساؤل يأتي في وقت عمدت الكثير من دور النشر إلى وصف نصوص أصدرتها على أنها «خاطرة»، تماما كما تصف أخرى بأنها «شعر» أو»رواية»، وكأنها تُلبس الخاطرة لبوس الجنس الأدبي.
وللإجابة عن هذا السؤال، انطلق بحري من نقطة مفادها، أن كل الأجناس الأدبية لها نظريات، وتقنيات، ومبانٍ يتأسس عليها نقدها وتحليلها. فالشعر لديه نظريات حسب أنواعه وأغراضه، والنثر له نظرياته موزعة على فنونه السردية (نظرية الرواية، نظرية القصة...) والفنون المسرحية أيضاً لها نظرياتها وإطارها المنهجي والنقدي الذي ينظم أنواعها ومبانيها وفنياتها. إذن، فمن حيث المناهج النقدية، نجد أن للنثر مناهجه التحليلية النصية والسياقية وللشعر نظرياته النقدية الخاصة به، وعلى أساس هذه النظريات والمناهج المرجعية والبنيوية صار النقاد يدرسون الشعر والنثر ويحللون الأجناس الأدبية في أعمالهم.
كما أن البحث الأكاديمي في الجامعات صار يدرس تلك الأجناس الأدبية في أطروحاته ومذكراته الجامعية، اعتماداً على النظريات والمناهج التي تنظم فنون الكتابة في كل جنس، ولولا الإطار المنهجي والنظري لما استطاع النقد أن يتناولها.
وهنا ينتقل بحري إلى تساؤلات أخرى: هل للخاطرة نظرية؟ هل للخاطرة مناهج نقدية خاصة بها ومفكرون ونقاد قنّنوا الكتابة فيها؟ هل هناك من النقاد في أي بلد من كتب لنا كتابًا نقديًا في الخواطر، أو وضع لها إطارا منهجيا وفنيات كتابة يمكن أن تدرس على أساسها؟ وهل هناك رسالة جامعية أنجزت عن خاطرة؟

لا قاعدة نظرية للخاطرة

ويجيب بحري بأننا لن نجد ذلك، ببساطة لأن الخاطرة ليست جنساً أدبياً، فهي لا تملك قاعدة نظرية وإطارا منهجيًا وقوانين تنظم الكتابة فيها وتنقد إذا طبقتها أو خالفتها، فالخاطرة هي تداعٍ حرّ للأفكار، قانونها الوحيد «اكتب كما اتفق بأي شكل أردت. لا قانون لا منهج لا نظرية لا جنس يقيدك».
لذلك يستحيل على النقد أو البحث الأكاديمي أن يتناول شيئا لا يمتلك قاعدة نظرية ولا منهجية ولا قانوناً يطبق عليه ويشكل الخلفية النظرية التي على أساسها يقوم النقد والتحليل التطبيقي، يقول بحري، فجميع الأجناس الأدبية تنقد بالنظر إلى نظرياتها وفنياتها وقوانينها التي أسست لقواعد نقدها، وأي كتابة لا تمتلك نظرية ولا فنيات بناء ولا قوانين تنظم عملية الكتابة فيها يستحيل أن يتأسس عليها أي نوع من النقد، لانعدام المرجع النظري والقوانين البنائية والفنية. وهذا يعني أنها ليست جنسا أدبيا يوضع بين الأجناس ذات النظريات والفنيات والقوانين البنائية التي أسس لها وكتب عنها مبدعوها ومفكروها وفلاسفتها ونقادها، كتبا مرجعية نقدية موجودة في جميع المكتبات والجامعات تنظيرًا وتطبيقًا.
أما كتابة الخاطرة من طرف الأدباء قديمًا وحديثًا فهي متاحة للجميع، إن وجدوا فيها فسحة للنفس المبدعة دون غاية أخرى. ويستشهد بحري في هذا الصدد بكتابات مي زيادة وغادة السمان والرافعي في فن الخاطرة، مؤكدا أن ذلك لا يجعل منها جنسا أو نوعا أدبيا ضمن أحد الأجناس، ولكنها، بحسبه، ضرب من الكتابة الحرة المنفلتة من الضوابط والقوانين والثبات، وهذا ما يجعل من المستحيل أن تكون لها نظرية ثابتة، وبالتالي: «استحالة أن تثبت كجنس أدبي قار ومتفق على فنياته وبنائه لدى من يكتبه».
وعن سؤال عن كيفية عدم الوقوع في أسلوب الخاطرة أثناء كتابة الرواية أو القصة، ينصح بحري بقراءة الروايات العالمية والعربية، من أجل التعرف على كيفية بناء النص، فـ»القراءة هي أفضل ورشة لتعلم الفن الذي تبتغيه»، يقول بحري.

النقد أوّلا أم الإبداع؟

لم يسلم هذا الحكم على الخاطرة لأنها ليست جنسا أدبيا من النقد والانتقاد، وممّن ذهبوا في هذا الاتجاه الأستاذ بجامعة بسكرة صلاح الدين ملاوي، الذي أخذ على بحري أنه صيّر «النقد أصلا والإبداع فرعا»، متسائلا عن مدى استقامة هذا التصور، وإن كانت النظرية أسبق أم النص، كما رأى أن «تحكيم النظرية في هذا الوجود وأدٌ لكل مولود غير معهود».
وأجاب بحري قائلا، إن النصّ حين يُكتب، يأتي النقد ليقنّـن الأساليب ويتخذ من جماع نصوص الفن الواحد مرجعًا للأنواع الأدبية وللنظريات التي تصوغ هيكلة الفنون ومناهج بنائها وتفكيكها وتشريحها. أما إن افتقد الفن للهوية وانفلت عن الهندسة والبناء والتنظيم فلا يمكن للنقد أن يدرسه ولا للنظرية أن توضح شكله ومضمونه، وهذه في نظره فحوى الحديث وخلاصته. وخلُص بحري إلى أن «انعدام النقد يعني وجود تلاشٍ للبناء، وانطماسٍ لهوية الفن التي إن قامت قام نقدها ونظريتها».