طباعة هذه الصفحة

أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، وادي أحمد:

من المبكّر الحكم على فاعلية الطبقة السياسية

سارة بوسنة

يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر وادي أحمد، أن الوقت مبكر للحكم على مدى فاعلية الطبقة السياسية في هذه المرحلة الحساسة، خاصة على ضوء الظروف الصحية الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
لا يمكن قياس مدى ضعف أو قوة التشكيلات السياسية، وفق ما أكد استاذ العلوم الساسية احمد وادي لـ «الشعب»، نتيجة انعدام الظروف الملائمة والبيئة الخصبة، التي يمثل الإعلام الاحترافي الصادق والنزيه عمادها وركيزتها، مشيرا الى ان بعض الأحزاب تشتكي من عدم توفر الظروف الملائمة للنشاط السياسي، وعدم تكافؤ الفرص بين مختلف الفواعل السياسية.
وفي سياق تحليله، ذكر بنشاط الأحزاب السياسة إبان الفترة الاستعمارية، باعتبار أن الانطلاقة الحقيقية للنشاط السياسي بالجزائر كان في تلك الفترة، قائلا إن الساحة السياسية قبيل الاستقلال عرفت نشاطا متميزا للطبقة السياسية الجزائرية، وتميزت بالكفاءة والفعالية، سواء على مستوى النضال الفردي أو النضال الحزبي والجمعوي، أو في إطار جبهة التحرير الوطني.
وبعد الاستقلال مباشرة انعكس انتهاج قيادة الثورة لنظام الحزب الواحد على الأداء السياسي للطبقة السياسية، التي كانت تحمل أفكارا وبرامج وإيديولوجيات مختلفة، تعكس طموحات فئوية وشعبية، تسعى لتجسيدها وتحقيقها على أرض الواقع.
واعتبر المحلل السياسي وادي، أن انتهاج النظام الأحادي في تلك الفترة ساهم في تراجع أداء مختلف الأطياف السياسية التي طالبت، منذ الاستقلال، بفتح المجال لها للنشاط السياسي وتأسيس الأحزاب السياسية في ظل نظام تعددي يقوم على المنافسة وتساوي الفرص، بحيث لم تتمكن هذه الأطياف السياسية من ممارسة العمل السياسي، إلا بعد انتهاج نظام التعددية الحزبية الذي جاء به دستور 1989.
وأضاف المتحدث، أن طريقة انتهاج نظام التعددية الحزبية في الجزائر، تعكس حجم الأزمة التي واجهها نظام الحكم في الجزائر في بيئة محلية ودولية متقلبة وغير مستقرة، فلم يكن أمام السلطة السياسية في ذلك الوقت إلا التكيف مع التطورات والمستجدات المحلية والدولية وتعديل شكل النظام السياسي لتعزيز الديمقراطية الشعبية وفتح المجال أمام الراغبين في ممارسة العمل السياسي والحزبي للوصول إلى السلطة وتجسيد الإرادة الشعبية.
إلا أن الساحة السياسية في الجزائر، بعد انتهاج نظام التعددية الحزبية الذي جاء به دستور 1989، شهدت انحرافا غير مسبوق، وتجاوزات أثرت سلبا على العملية السياسية ككل لعدة سنوات، بل امتدت آثارها إلى غاية اللحظة.
 فالعديد من الملاحظين، يرون أن أسباب هذا الانحراف والتجاوزات السياسية، التي شهدتها تلك الفترة، هو عدم التهيئة المسبقة للساحة السياسية وتحضيرها للنظام الحزبي التعددي، فجيل النضال السياسي في فترة الحكم الاستعماري، ليس الجيل الذي عاش في ظل نظام حزبي أحادي متميز ومختلف عن النظام الحزبي التعددية.
هذا ما يستدعي تنمية سياسية وتهيئة مسبقة للأفراد قبل فتح المجال السياسي أمام جيل جديد عاش في ظل الحزب الواحد.
واعتبر وادي، بأن المشكل يكمن في السلطة الحاكمة التي لم تتدارك الوضع، بسبب انشغالها بحل الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد بسبب الانحراف وحالة الفوضى، وبالتالي يمكن القول إن الطريقة التي طبق بها نظام التعددية الحزبية في الجزائر أثرت في طبيعة العمل السياسي والحزبي فيما بعد.
 فهذا العمل لا يقوم على أسس متينة، خصوصا بسبب مواجهة الطبقة السياسية، لعدة معوقات عطلت تطورها وبروزها كقوة في الساحة السياسية، من بين هذه المعوقات الأزمة الأمنية التي مرت بها البلاد.
 إضافة إلى انعدام الإرادة السياسية الحقيقية لتحقيق التنمية السياسية، وتعزيز العمل الحزبي في الجزائر من خلال صياغة قانون ملائم وإعداد أرضية سياسية خصبة، ودعم العمل السياسي الحزبي بكل نزاهة مع التساوي في الفرص.
فنظام الحكم السابق، عمل على تمييع العمل السياسي والحزبي، وإضعاف القوى السياسية، من خلال ممارسات لا تمت بصلة وأخلاقيات العمل السياسي. أضف إلى ذلك، انتشار الفساد وضعف المنظومة الانتخابية وانتشار ظاهرة التزوير في الانتخابات والتجوال السياسي الحزبي وضعف قانون الأحزاب السياسية والانتخابات، كل هذا ساهم في تراجع الطبقة السياسية في الميدان السياسي.
إن تحقيق التنمية السياسية في الجزائر، على حد قول المتحدث، أمر حتمي. فالعديد من التحديات أصبحت تفرض ذلك بشكل ملح، خصوصا أمام تزايد التذمر الشعبي بسبب مخلفات النظام السابق من بيروقراطية إدارية ومشاريع متوقفة وأخرى فاشلة، وإهمال في التسيير وعقليات لا تشجع على التقدم الى الأمام، إضافة الى مسألة تحقيق التنمية السياسية. وعليه، يجب إعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية بما يشجع تطوير العمل السياسي.
كما يستوجب الظرف الحالي وضع الآليات التي تحد من التجوال السياسي، وقطع الطريق أمام كل من هب ودب لممارسة العمل السياسي، فالسياسة الحقة هي التي تمارس لتحقيق المصلحة العامة من خلال الكفاءة والصدق والنزاهة، وليس بالكذب والخداع والمكر من الأجل الوصول للسلطة. فللأسف، أصبح الوصول للسلطة عند أغلب السياسيين غاية بحد ذاتها، ووسيلة عند البعض الآخر لتحقيق مصالح شخصية. في حين أن أن العمل السياسي هو تكليف من الشعب للقيام بشؤونه وتحقيق طموحاته وآماله والمصلحة العامة. وينطبق هذا خصوصا على المجالس الشعبية، وعليه يجب إيجاد الآليات لقطع الطريق أمام كل الممارسات السلبية وأخلقة العمل السياسي.
وبرأيه، فإن الساحة السياسية تحتاج الى تحفيز، من خلال إعادة الاعتبار لكفاءاتها، بإشراكها في بناء الجزائر الجديدة، سيترك ذلك أثره عليها وببعث روح المنافسة بين مختلف الفواعل السياسية ويبين النوايا الحسنة للسلطة الحاكمة، خصوصا اذا تم الأخذ بعين الاعتبار مبدأ تساوي الفرص وتقديم الكفاءة على حساب كل المعايير الأخرى، فالجزائر الجديدة تبنى بالكفاءة والنزاهة والعدل وبذلك تزدهر الحياة السياسية ومنه الحياة العامة.