طباعة هذه الصفحة

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سليم قلالة لـ «الشعب»: 

استرجاع ثقة الشعب في الدولة «أمر ممكن»

حوار: حياة كبياش

يعتبر الدكتور سليم قلالة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن استرجاع ثقة الشعب في الدولة أمر ممكن، بالرغم من الممارسات السلبية التي كانت سببا في عزوفه عن المشاركة في الفعل الانتخابي، والذي أكدته نتائج استحقاقات سابقة، ويقول إن أحد مفاتحها «أن يؤكد الفعل القول». كما قدم تحليلا واقتراحات يمكن الأخذ بها، في معالجة ظاهرة العزوف، من خلال هذا الحوار الذي خص به «الشعب».

«الشعب»: يرتبط العزوف عن أداء الفعل الانتخابي بفقدان الثقة، هل يمكن استرجاع هذه الأخيرة ونحن على أبواب انتخابات تشريعية ومحلية المعني بها المواطن بصفة مباشرة؟ وكيف ذلك؟
الأستاذ سليم قلالة: الثقة تُبْنى بالتدريج، وليست عملية آلية.. كما فُقدت تُستَرجَع. فُقدت بالممارسة تُسترجَع بالممارسة. البداية ينبغي أن تكون باسترجاع الجو العام للثقة من خلال خطاب سياسي يقدِّمه رجال ونساء يثق فيهم الناس، هذا هو المفتاح الأول. رجال ونساء ثقة بمعنى الكلمة، يتحملون مسؤولية أي انتخابات قادمة ينبغي أن يُقدّمهم المجتمع، وما أكثرهم. بمن في ذلك قدماء السياسيين ممن أثبتوا نزاهتهم عند الحكم وإن اختلف الناس معهم في الرأي أو التوجه.. بعدها تأتي مرحلة الفعل الذي ينبغي أن يؤكد القول من خلال الممارسة، وهذا يُبَرْهَنُ عليه من خلال تجربة حقيقية في الميدان محلية أو وطنية، للأسف هذا لم يحدث في بلادنا لحد الآن.

الاستفتاء.. لاستكمال مسار إنقاذ الدولة

من يتحمل مسؤولية تفويت الفرصة لإدلاء الناخبين بأصواتهم في «الاستحقاقات السابقة»؟، وكيف تقيّم الاستفتاء على الدستور، لاسيما بعد إسناد عملية تنظيمها إلى سلطة انتخابات؟
ما من أحد كان يتصور أن يكون هناك إقبال واسع على الاستفتاء السابق الخاص بالدستور. كان ذلك الاستفتاء مثالا حيّا عن ما يمكن تسميته بالانتخابات الاضطرارية لاستكمال مسار إنقاذ الدولة من الدخول في حالة من الاضطراب.
وفي هذا النوع من العمليات السياسية لم تكن المشاركة الشعبية هي الغاية، إنما تفادي ممارسة الحكم خارج الدستور. وقد تحقق ذلك، وهو المنطق ذاته الذي حكم الانتخابات الرئاسية، ضرورة تمكين الدولة من مؤسسة رئاسية دائمة وواحدة وليست متعدد الرؤوس أو برأس مؤقت أو بلا رأس. لذلك لم يرَ المواطن نفسه معنيا بها، باعتبار ذلك هو الحد السياسي الأدنى لأي دولة، أما هو فيتطلع إلى ما هو أعلى من ذلك.
لذلك، المسؤولية هي مسؤولية المسار العام الذي وجدت الدولة نفسها فيه إثر الاضطرابات الأخيرة التي عرفتها، والذي يتجاوز الناخب والأحزاب والسلطة القائمة ذاتها.
وهذا المسار العام يتدخل فيه مُرَكّب من المتغيرات الداخلية والخارجية لها علاقة بالسياسات الكلية في العالم، التي لا ترى النظام الجزائري سوى فرع بسيط، وأحيانا لا يهمها ولا يُخيفها مصيره.. وهذا ما ينبغي استخلاصه والاستفادة منه إذا أردنا انطلاقة حقيقية تدريجية لبلادنا.
لن يفرح لنا أحد إن أجرينا انتخابات نزيهة أو كان لنا دستور مقبول شعبيا. ولن يحزن علينا أحد إذا لم يحدث ذلك. وهو الأمر ذاته الذي يتعلق بالانتخابات القادمة. ليس أمامنا سوى ربطها بمصالحنا العليا وعلى رأسها استمرارية الدولة والبحث عن كيفيات استعادة الثقة بين مكوناتها وفي سياساتها المختلفة.

التصرف بوعي ومراعاة الضغوط الناتجة عن المحيط الخارجي

يبقى السؤال الملّح والهام جدا أستاذ قلالة، كيف يتم إقناع الناخب بالعدول عن العزوف، وقد عرفنا الأسباب، ويعبر عن رأيه؟
بداية ينبغي أن نُدرك جميعا طبيعة المسار الذي تعرفه الدولة، ونُميِّز تمييزا دقيقا بين العوامل المُعرقِلة، والإشارات الحاملة للمستقبل بداخله.
وفي مستوى ثان علينا أن نراعي الضغوط الناتجة عن المحيط الخارجي المباشر من حولنا، وفي مستوى ثالث طبيعة العالم من حولنا وتبدلاته، ثم نتصرف بوعي وبدقة واضعين في الاعتبار سواء بسواء إمكانية الانهيار وإمكانية الاستمرار. ثم نتخذ القرار إن تعلق الأمر بالانتخابات القادمة أو بالسياسات المختلفة المعتمَدة.
ومن وجهة نظري، ينبغي فتح استشارة واسعة للمواطنين لأجل الإشراف على العملية الانتخابية القادمة، ووضع شروط صارمة للترشح، بما يسمح للكفاءات الشابة الكفأة والنزيهة باعتلاء أعلى المناصب والتكفل بمهمة بناء الدولة بطرق مُستَحدثَة وأكثر فعالية من ذي قبل.