طباعة هذه الصفحة

عامر رخيلة لـ «الشعب ويكاند»:

انتفاضة شعبية حررت العمل الفدائي والعسكري بالأرياف

أجرت الحوار: سهام بوعموشة

 

 

 

 الشعب أثبت عبر التـاريخ أنــــه منقــذ الجزائر

 رسالة للمجتمع الدولي بحق الشعوب في تقرير مصيرها

مظاهرات 11 ديسمبر 1960 هبّة شعبية حررت العمل الفدائي في المدينة وكانت لها انعكاسات مباشرة على جيش التحرير بالريف، ووجهت رسالة للدول الاستعمارية بوجوب تقيد الأمم المتحدة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فكان بطل هذه المظاهرات الشعب وفي مقدمتهم المرأة التي كانت في الصفوف الأولى للمطالبة باسترجاع السيادة الوطنية، هذا ما أبرزه القانوني والمختص في تاريخ الحركة الوطنية الأستاذ عامر رخيلة في حوار خص به «الشعب» بمناسبة الذكرى 60 لهذه المظاهرات التاريخية، داعيا شباب اليوم للإلتفاف حول الخيارات التي تعزز دور الجزائر في المجتمع الدولي ومحيطه.
«الشعب ويكاند»: شكلت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 قوة ثانية ونفسا جديدا لجيش التحرير الوطني، ما هي الدلالات التاريخية التي يمكن استخلاصها من هذه المظاهرات وتوظيفها في واقعنا الحالي؟

عامر رخيلة: دلالات كثيرة، 11 ديسمبر 1960 تمثل هبة شعبية أنقذت الثورة من المخاطر التي كانت تهددها، في مقدمة هذه المخاطر التراجع الكامل للعمل الفدائي على مستوى المدينة، نتيجة ما أقدمت عليه فرنسا منذ سنة 1957، من فرض حصار على الحركة داخل المدينة، ولذلك هبة ديسمبر حررت العمل الفدائي في المدينة وكانت انعكاساته المباشرة على الريف، عندما تحررت المدينة على رأسها العمل الفدائي، ضاعف جيش التحرير الوطني وأفواجه بمختلف جهات الوطن في المدن والأرياف والجبال والفيافي من جهوده الحربية، لاسيما وأن هذه المظاهرات كانت بمثابة فعل ثوري تمكن من قلب الطاولة على فرنسا التي ظل ديغول منذ 1958 إلى 1960 يناور، وهذا من خلال رد شعبي واسع.
وإذا كنت أسجل في هذا اليوم المشاركة المباشرة للمرأة الجزائرية التي كانت لا تحتك بالرجل في الشارع، وجدت نفسها من شابات وصبايا يقفن إلى جانب الرجل بل يقدن المظاهرات وكن في الصفوف الأولى، انعكاساتها الإيجابية كذلك فهي نفس جديد للعمل الفدائي والعسكري المباشر، أثرت على نفسية الإنسان الجزائري أنه لما تحركت مدينة الجزائر والأصداء التي كانت في ذلك التحرك في مواجهة الزيارة الديغولية التي رافقه فيها عشرات الصحفيين الفرنسيين لتغطيتها وتزامن ذلك مع انعقاد الدورة 15 للأمم المتحدة. مما انعكس على جدول أعمالها، بحيث أنه برزت نقطة تخص حق الشعوب في تقرير المصير، فتم توجيه رسالة للدولة الاستعمارية بوجوب التقيد بميثاق الأمم المتحدة لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
هذه الإنتفاضة أعطت للثورة نفَساً جديدا، بحيث لاحظنا أنه مباشرة في 1961 بدأ الحديث في فرنسا على وجوب إيجاد مخرج للمأزق الجزائري، فالهبة الشعبية تعززت في فرنسا بمظاهرات 17 أكتوبر 1961، والذي دفعت فيه ضريبة كبيرة لكن عنده مغزى كبير، لأن إلتفاف الشعب الجزائري سواء بالجزائر أو المهجر حول ممثله الشرعي والوحيد ألا وهو جبهة وجيش التحرير الوطنيين.
العبرة التي نستمدها من هذه المحطة التاريخية في حياتنا اليومية والمعاصرة ووضعنا الحالي، أن الشعب في كل مرحلة من المراحل أكد للتاريخ أنه شعب منقذ للجزائر عندما تكون فيه ظروف غير عادية أو ظروف الأزمة وظروف التحدي، فالشعب هو الرئيس في تغيير الأحداث والوقائع ورسم معالم المستقبل. ولذلك نقول اليوم، الشعب الجزائري مدعو للإلتفاف حول خيارات إجتماعية، وسياسية؛ خيارات تعزز دور الجزائر في الدورة الدولية أو محيطها.
كلما رصّت الصفوف في الداخل كلما تمكنا من التعامل مع المتغيرات، لاسيما ونحن نعيش في بيئة دولية ومحيط إقليمي يتسم بتكالب القوى الإستعمارية والإمبريالية وعدم الإستقرار الموجود في الحدود، لاسيما منها الحدود الشرقية والجنوبية. كل هذه العوامل تجعلنا نستلهم من أحداث 11 ديسمبر 1960 أساليب المقاومة والصمود والمواجهة وإجهاض كل المناورات التي تحاك ضد البلد.

- لم تستطع الإدارة الاستعمارية الفرنسية كسر روابط الصلة بين الشعب وقيادته في جبهة التحرير الوطني، كيف تفسر ذلك؟
 منذ اندلاع ثورة 1954 كانت المناورات سقطت أمام صلابة ذلك التحالف بين الشعب وجبهته وجيشه، وسعي فرنسا الدؤوب لخلق القوة الثالثة في الجزائر كله اصطدم بوحدة الشعب الجزائري. وللتاريخ نقول إن المحاولات كانت عديدة وكثيرة، بالرغم من أن فرنسا تمكنت من تجنيد عشرات الآلاف من الجزائريين في إطار ما يسمى بتنظيم الحركى.
 إلا أن كل محاولات فرنسا لاختراق صفوف جيش وجبهة التحرير الوطنيين، باءت بالفشل، لأن الوحدة التنظيمية للشعب الجزائري كانت معززة بوحدة شعبية، هذه الأخيرة هي التي أمنت الوحدة الثورية وتمكن الجزائريون من تجاوز التناقضات التي كانت سائدة من قبل سنة 1954 في صفوف الحركة الوطنية، إلى درجة أصبحت جبهة التحرير الوطني تجمعا لكل القوى الوطنية، ويعكس واقع الشعب الجزائري بفضل تلك الوحدة بين الجيش والشعب وكفاح المناضلين المدنيين لجبهة التحرير الوطني، والمصداقية التي اكتسبوها في صفوف الشعب تمكن الشعب الجزائري من هزيمة قوى دولية مدعومة بالحلف الأطلسي وبتواطؤ من عديد القوى في العالم.
إلا أن الشعب تمسك بوحدته لاسترجاع الاستقلال وتمسك بالاستعداد الكبير للتضحية. وما أحوجنا اليوم لتلك الروح التي سادت في فترة 1954 و1962، حيث تمكن كل جزائري أن يجعل من نفسه ممثلا لجبهة وجيش التحرير الوطنيين، وبمثابة امتداد لهم في الوسط الشعبي وبمختلف الوسائل وتمكن الجزائريون من إطلاع الرأي العام ويحدثون ضجة كبيرة ليس فقط في فرنسا بل حتى في مستعمراتها بعد اندلاع الثورة الجزائرية، وتمكنت الكثير من الأقطار التي كانت خاضعة للإستعمار الفرنسي والمالي للدول الأوروبية من استرجاع استقلالها، بل كانوا يهددون فرنسا بأنهم سيتبعون الجزائر في أسلوب التحرير، لذلك لا عجب في وصف الجزائر بقبلة الأحرار، وثورتنا محل دراسات واهتمامات في مختلف المراكز والمخابر الدولية.

- يقول المؤرخ الألماني هارتموت إلسنهانس، إن حل المسألة الجزائرية أصبح منوطا بالمفاوضات بين الطرفين ندّا للند، على أساس الإنسحاب الفرنسي بداية من مظاهرات 11 ديسمبر 1960. ما قولكم؟
 الجزائر منذ سنة 1954 دعت فرنسا للجلوس للمفاوضات، لكنها تتعنّت، ولما يتعلق الأمر بالجزائر يتحولون كلهم إلى فرنسيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية والسياسية. وأشير هنا إلى أن الاتحاد السوفياتي المعروف عنه انه ينافس المجتمع الغربي، لم يعترف بالثورة الجزائرية إلا بعد انتفاضة 11 ديسمبر 1960 التي جعلت الإعتراف الدولي بالحكومة الجزائرية يرتفع بشكل ملحوظ.
 ورغم ما قامت به منظمة الجيش السري الإرهابية «لواس»، إلا أن إصرار الجزائريين على الإستقلال الكامل ووضعهم شروطا للجلوس إلى مائدة المفاوضات، اضطرت فرنسا في النهاية للخضوع، أمام الخسائر التي ألحقت بها، وما قامت به الدبلوماسية الجزائرية والإعترافات العديدة والمتواصلة للثورة الجزائرية، والموقف الأمريكي الذي لم يتغير منذ 1957 حتى ولو أنه لم يعلن علنا أنه لا يؤيد فرنسا في حربها بالجزائر.
 كل تلك العوامل مجتمعة جعلت من الثورة الجزائرية في القرن الماضي أنموذجا كسب احترام المجتمعات المناضلة والأحرار في العالم، وجعل بعض الأحرار في فرنسا المناهضين للإمبريالية الفرنسية، ولا ننسى هنا كذلك تلك الوثيقة التي وقعها مجموعة من المثقفين الفرنسيين سنة 1961 والتي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي في كتابه الذي أصدره بالقول: «عارنا في الجزائر». كذلك الثورة قدمت للمجتمع الدولي والفكر التحرري الإنساني مساهمة إيجابية.

- حق تقرير المصير الأداة الأساسية التي استخدمتها جبهة التحرير الوطني في المحافل الدولية، كيف وظف هذا الحق وما هي الظروف المساعدة على تفعيله؟
 بالرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 1945 تضمن بندا خاصا بحقوق الشعوب في تقرير المصير والإستفتاء، بيان أول نوفمبر 1954 نص كذلك على استرجاع السيادة في إطار تقرير المصير، وطبقا لميثاق الأمم المتحدة وخاصة الثورة الجزائرية كان المجتمع الدولي أن القضية قضية تدخل في إطار تقرير المصير وتصفية الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وجب تصفية الإستعمار في العالم، ومع ذلك ظلت فرنسا متعنتة والقضية الجزائرية بالنسبة لها قضية داخلية لا يحق للأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي التدخل فيها.
لكن الهزيمة التي عرفتها فرنسا في الميدان الدبلوماسي، بحيث بمجرد إندلاع الثورة تمكنت خلايا جبهة التحرير الوطني ومناضلون من تحقيق أول انتصار دبلوماسي في مؤتمر باندونغ لدول عدم الإنحياز سنة 1955، هذا المؤتمر أوصى في لائحة بوجوب عرض القضية الجزائرية على الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1955، وهو ما حدث بحيث تمكنت الثورة من عرض القضية على الأمم المتحدة، ونالت مسألة إدراجها في جدول الأعمال 29 صوتا مقابل 28 صوتا؛ بمعنى أنها تحصلت على الأغلبية التي تسمح للجمعية العامة للأمم المتحدة بإدراج القضية في جدول أعمالها وهو ما تم العمل به.
لكن الوفد الفرنسي احتج في الإجتماع وغادر القاعة، وحكمة دبلوماسيي جبهة التحرير الوطني أنهم طلبوا سحب إدراج القضية في جدول الدورة العاشرة في مقابل عودة الوفد الفرنسي لجلسات الجمعية العامة، فتم السحب، لكن ظلت القضية الجزائرية سنوات 1956، 1957، 1958، 1959 و1960 حاضرة في جدول الأعمال ومحل جدل ومناقشة، وتمكن مناضلون بسطاء من تقديم مرافعات تاريخية قانونية وسياسية لصالح القضية الجزائرية.
 وإلتفت العديد من الدول الأفرو-أسيوية حول المسألة الجزائرية، وتعزز هذا الطرح للدبلوماسية الجزائرية بتأييد من أمريكا اللاتينية وبعض بلدان المعسكر الشرقي، فضلا عن البلدان العربية والأفريقية التي كانت أعضاء في الأمم المتحدة، للتاريخ أن هذه الأخيرة نتيجة معادلات دولية كانت مساندة يومذاك، وبسبب حق الفيتو الذي تملكه فرنسا منذ عام 1945، لم تتمكن الأمم المتحدة من إصدار لائحة لفائدة الثورة الجزائرية، إلا بعد انتفاضة أو الهبة الشعبية في 11 ديسمبر 1960 التي تزامنت مع الدورة العامة 15 أوصلت أصداء بما يجري في الجزائر، فأصدرت الأمم المتحدة يوم 19 ديسمبر 1960 لائحة تدعو فيها لتقرير مصير الشعوب.