طباعة هذه الصفحة

الأخصائية في الأمراض الصدرية د. نجاة غمادي لـ «الشعب»:

التأكد من فعالية اللقاح يتم بعد 6 أشهر من استعماله

حوار: صونيا طبة

 لا بديل عن التلقيح للخروج من الأزمة الصحية والاقتصادية

 التخلص من ارتداء الأقنعة يكون في نهاية 2021

 

أكّدت الأخصائية في الأمراض الصدرية الدكتورة نجاة غمادي في حوار خصّت به «الشعب»، أن التأكد من فعالية اللقاح المضاد لفيروس كورونا يتم بعد 6 أشهر من تجريبه واستعماله، ومن المرتقب أن يكون التخلص من ارتداء الأقنعة نهاية 2021، وكشفت مؤشرات تدل على سلامة اللقاح بما يضع حدّا لشكوك ومخاوف من أعراضه الجانبية.

-  الشعب: اكتشاف لقاح كورونا في وقت قياسي يثير الكثير من الشكوك والمخاوف، ما تعليقكم؟
 الدكتورة نجاة غمادي: صحيح أن اللقاح تمّ اكتشافه وتسويقه في أسرع وقت، وهو الأول في تاريخ الطب في العالم ولكن تطور الطب والعلوم والتكنولوجيا ساهم في تسريع الاكتشافات، إضافة الى أن «كوفيد-19» يعتبر من عائلة الفيروسات التاجية المعروفة من قبل، الأمر الذي ساعد الباحثين والعلماء على إيجاد لقاح مضاد لكورونا في ظرف وجيز.
وعن كثرة الشكوك والمخاوف من هذه اللقاحات، أعتقد أنه كان من المستحسن نشر دراسات علمية تثبت بأن اللقاح فعال 100 بالمئة، وتؤكد مدى سلامته حتى تطمئن الشعوب وتزول المخاوف من الخضوع له، ولكن التأخر في نشر هذه المقالات العلمية، لا يعني أن اللقاح غير فعال كونه خضع لمراقبة دقيقة، ومستحيل أن يسوق في البلدان المتقدمة بشكل عشوائي، ولا يمكن لأية دولة أن تعرض شعوبها إلى الخطر.
فيما يخص الآثار الجانبية للقاح المضاد لكورونا، يجب أن يعلم الجميع أن كل اللقاحات الفيروسية تعرض مستعمليها لأعراض جانبية خفيفة وغير خطيرة والأمر ليس جديدا وبالنسبة لهذا اللقاح المضاد لكوفيد-19، فهو لن يختلف عنها،لذلك أستبعد تماما امكانية ظهور أعراض جانبية خطيرة مصاحبة للقاح.
من جهة أخرى، لا يوجد أمامنا بديل أو خيار آخر يجعلنا قادرين على عدم الاستعانة باللقاح المضاد لفيروس كورونا لتأمين الحماية من الإصابة به ومكافحته نهائيا لأن الخروج من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية والبسيكولوجية تحتّم علينا اعتماد اللقاح على الأقل للتقليل من الإصابات، وعندما نتحدث عن الآثار الجانبية لا يجب أن ننسى أن الأدوية التي تستهلك بشكل واسع من قبل الجزائريين تتسبب في أعراض جانبية قد تكون أخطر من اللقاح كدواء الباراسيتامول والمضادات الحيوية التي تؤخذ بدون وصفة طبية.

- على أي أساس يتم اختيار اللقاح المناسب؟ وهل هناك مؤشرات تثبت فعاليته؟
 الجزائر تعتمد على توصيات المنظمة العالمية للصحة والمعلومات العلمية التي تقدمها حول اللقاحات المتوفرة وهي تثق في قراراتها، زيادة على ذلك فإن معهد باستور سيكون له دور فعال في مراقبة نوعية اللقاحات، وكذا بالنسبة للجنة العلمية التي تضم خبراء ومختصين يبذلون مجهودات كبيرة لاختيار اللقاح الأنسب والأنجع.
وتجدر الإشارة أنه لحد الآن لا نعلم إذا كان اللقاح فعالا بنسبة عالية، ولكن جميع المؤشرات تدل على سلامته وأنه قد يساهم في تأمين الحماية من الاصابة بالفيروس لأن المادة المستعملة من اللقاح الجديد لا تذهب الى نواة الخلية، وهو ما يؤكد عدم حدوث تغير وخلل جيني مفاجئ، ما يثير مخاوف الكثير من المختصين، ولكن الأمر يختلف مع اللقاحات الجديدة.
كما أدعو لإطلاق حملة توعية المواطنين بأهمية الخضوع الى هذا اللقاح، وعدم الانسياق وراء الإشاعات والأكاذيب حول خطورته، خاصة وأن الامر بات مختلفا عن السابق نظرا لجمع المعلومات المتعلقة بالفيروس، وتوصل العلماء والباحثين الى ايجاد حل لهذه الأزمة الصحية في وقت قياسي غير مسبوع في تاريخ الطب. كما أن الكثير من المختصين كانوا في بداية انتشار الوباء لا يؤمنون بحقيقة ظهور فيروس جديد
«كوفيد-19» ينتمي الى عائلة الفيروسات التاجية، واعتبروه انفلونزا عادية، في حين حذّر آخرون من خطورته وأعراضه التي تختلف عن الانفلونزا الموسمية، إلى أن أضحت الأمور بعد تشخيص عدد كبير من حالات الإصابة بهذا الفيروس الذي كشف عن مفاجآت لم يتوقعها الأطباء.

- هل الجزائر تملك الوسائل الضرورية لتخزين لقاح كورونا ونقله إلى ولايات بعيدة؟
 أعتقد أن وزارة الصحة ستعمل على إعادة تنظيم أماكن وظروف حفظ اللقاحات في كل ولاية، وضمان سلامة شروط التخزين، ويمكن أن يتم تخصيص مراكز لتخزينها في غرف درجة حرارتها من 3 إلى 4 درجة مئوية، باعتبارها لقاحات جديدة، ولكن لحد الآن لا توجد أية معلومات مؤكدة حول الوسائل المسخرة لحفظ اللقاح ونقله الى ولايات بعيدة.
ونعلم أيضا أن الجزائر توجهت الى اختيار اللقاحات التي توفرها المخابر البريطانية والروسية، والتي لا تعتمد في تخزينها على درجة حرارة تقل عن 70 بالمئة تحت الصفر كلقاح فايزر-بيونتيك الذي يحفظ في هذه الدرجة ويتطلب إمكانيات خاصة، ونحن نثق في مجهودات اللجنة العلمية المكلفة باختيار اللقاح الأنسب والأنجع.
كما يجب تكثيف حملات التوعية والتحسيس بأهمية القيام باللقاح المضاد لكورونا، خاصة بالنسبة للأشخاص الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس الخطيرة من خلال مساهمة المختصين والأطباء في إعطاء المعلومات المتعلقة باللقاح، وتغيير بعض الأفكار السلبية المتداولة حول خطورة الخضوع له، ولعل أكثر ما يدل على اهتمام الدولة بسلامة الشعب الإجراءات الاحترازية المتخذة منذ بداية الجائحة على حساب المصالح الاقتصادية.

- هل تعتقدون أن جلب لقاح كورونا سيُعجّل بالقضاء على هذا الفيروس؟
 الاستفادة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا لا يعني القضاء على الفيروس نهائيا، وإنما قد يساهم في التقليل من خطورة الوضع الصحي، كما أن تلقيح جميع المواطنين غير ممكن.
والأمر لا يقتصر على الجزائر فقط، فلا توجد أية دولة في العالم قادرة على اخضاع جميع سكانها للقاح، حيث تكون الأولوية للفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس على رأسهم مستخدمي الصحة من أطباء وممرضين وهم الذين تعرضوا بنسبة كبيرة الى العدوى وتوفي عدد كبير منهم كونهم يواجهون الوباء في الصفوف الأولى، زيادة على المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن، الذين سجلوا أكبر نسبة من الوفيات بسبب الفيروس في الموجة الثانية.
وحسب توقّعاتي، فإن التخلص من ارتداء الأقنعة يتحقق في نهاية 2021 لأن توفر اللقاح لن يقضي على الفيروس، لذلك فعلى الجميع الاستمرار في الالتزام بقواعد الوقاية، ولا يجب الاستهتار بخطورة المرض حتى بعد التلقيح، خاصة وأن الفيروس سريع الانتقال من شخص الى آخر، ويتطلب توخي الحذر من خلال الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي على الاقل مترا واحدا، وتفادي التجمعات ولا ننسى غسل اليدين باستمرار، وتهوية المنازل خاصة في موسم البرد الذي يكثر فيه انتشار الفيروسات، كما أحذّر من اللامبالاة واللجوء الى ارتداء الكمامة وإجراءات الوقاية فقط بعد تسجيل ألف إصابة.

^ هل سجّلتم اختلافا في تشخيص وعلاج حالات كورونا في بداية الجائحة وحاليا؟
^^ نعم، سجّلنا بعض الاختلافات في حالات الإصابة بكورونا، ففي بداية انتشار الفيروس المستجد كان الاطباء والمختصون في حيرة من أمرهم لغياب المعلومات الكافية التي تمكنهم من تشخيص الحالات، فاضطروا لاستعمال أسلوب وقائي لتفادي تدهور الوضع من خلال فرض العزل عن كل مريض يشتبه في اصابته بالمرض.
ولكن بمرور الأشهر ونظرا لفحص آلاف المرضى في مختلف المستشفيات العمومية أو الخاصة، والتعامل اليومي مع الوضع الصحي، أصبح الطاقم الطبي قادرا على تشخيص الفيروس بسهولة من خلال استقبال الحالات المعقدة والتي تتطلب علاجا استشفائيا مستعجلا خاصة التي بحاجة الى الأوكسجين.
في حين أن المرضى الذين تظهر عليهم أعراض خفيفة يخضعون للعلاج في المنازل ومتابعة حالتهم الصحية من بعيد لتفادي الضغط في المراكز الاستشفائيةو وفي نفس الوقت قدمت هذه الطريقة التي تعتمد على العزل وتلقي الأدوية خارج المستشفى نتائج ايجابية كون عدد كبير من المصابين تماثلوا للشفاء.
كما أنه يتم اكتشاف علامات مختلفة وجديدة في كل مرة تعدت الحمى، السعال وآلام في الرأس الى أعراض غريبة مرتبطة بالإصابة بكورونا كآلام شديدة في الظهر والرقبة وفقدان حاستي الشم والتذوق واضطراب في الجهاز الهضمي على شكل اسهال وقيء وعلامات أخرى.
وتجدر الاشارة إلى أن أغلبية المختصين في بداية الوباء لم يأخذوا قياس نسبة الأوكسجين في الدم بعين الاعتبار لدى جميع الحالات ولكن الآن تغيرت طريقة التشخيص، حيث يتم قياس نسبة الأوكسجين لجميع مرضى كورونا حتى وإن لم تظهر عليه أعراض خطيرة كصعوبة التنفس أو يكون مصابا بالانفلونزا الموسمية أو حساسية، وذلك لتفادي حدوث اية تعقيدات صحية مفاجئة كما كانت تحدث في البداية.
كما أن الأمل في إنقاذ المرضى خاصة الذين يصابون بمضاعفات الفيروس تصل الى اختتاق وضيق في التنفس بات أكبر مقارنة ببداية الجائحة من خلال اقتناء أو كراء الأوكسجين الذي توفره بعض المؤسسات الخاصة لفائدة المواطنين، الذين يفضلون العلاج في البيوت عوض الذهاب الى المستشفى.

-  هل الشباب وصغار السن معرضون للإصابة بضيق التنفس ومضاعفات؟
 المضاعفات الخطيرة لفيروس كورونا لا تمس المسنين فقط، صحيح أنهم أكثر عرضة لها ولكن الشباب وصغار السن أيضا مهددين للإصابة الخطيرة خاصة منهم الذين يعانون من السمنة التي صنفت من بين عوامل الوفاة وكذا أصحاب الأمراض المزمنة مثل القلب والشرايين وداء السكري.
وكان يعتقد أن مرضى الأمراض الصدرية والذين يعانون من الربو المزمن سيكونون أولى ضحايا المضاعفات بسبب الفيروس، إلا أنه لم يحدث ذلك وفي اعتقادي أنه راجع للعلاج المخصص لهؤلاء المرضى والذي يعتمد على «الكورتيكوييد»، ربما الذي كان سببا في حمايتهم من التعقيدات الصحية.
لاحظنا أيضا في الموجة الثانية من الفيروس أن فقدان حاسي الشم والتذوق ظهرا بصفة أكبر لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 سنة وزوال هذه الأعراض كان يأخذ أسابيع بالرغم من شفاء المرضى، ولكن في هذه الموجة أصبح الكثير من المرضى يسترجعون حاستي الشم والتذوق بعد 3 أو 4 أيام، وتبين ذلك بعض تشخيص عدد من الحالات ومتابعة وضعهم الصحي حتى بعد الشفاء.

-  هل يبقى الفيروس في الجسم بعد غياب الأعراض والشفاء من المرض؟
 مضادات الأجسام تستمر لدى الشخص المصاب بكورونا لعدة أشهر بعد فترة الشفاء وزوال أعراض الإصابة، لذلك فإنه لا يجب الاعتماد على فحوصات تحاليل الدم كونها قد تظهر النتائج ايجابية ولكن يكون المريض قد شفي تماما من الاصابة، وفي العكس يمكن أن يحدث.
في حالات نادرة تستمر أعراض كورونا بعد 11 و12 يوما، ولكن فحوصات مصل الدم لا تعطي النتائج الحقيقية ولا يجب أخذها بعين الاعتبار في تشخيص الاصابة بالفيروس، واستعمال هذا النوع من الفحص يساعد فقط على معرفة نسبة الاشخاص المصابين بالمرض على مستوى المؤسسات لأن فحوصات «بي - سي - آر» وحدها التي تكشف حقيقة الاصابة نظرا لفعالية التقنية.

- ما رأيكم في السلالة الجديدة التي ظهرت في بريطانيا؟ هل الجزائر معرّضة للخطر؟
 يشاع في بريطانيا أن الفيروس أصبح أكثر انتشارا وزادت نسبة نقله للعدوى بشكل مضاعف، ولكن لم يتم التطرق الى مدى خطورة وشراسة هذه السلالة الجديدة من الفيروس عبر دراسة الوضع في المنطقة التي ظهر فيها الفيروس وإحصاء الوفيات والحالات المعقدة لمعرفة وتشخيص هذا الفيروس.
وبما أن الجزائر اعتمدت إجراءات احترازية صارمة تمثلت في غلق المجال الجوي والحدود، فالخطر من وصول الفيروس الجديد مستبعد وهي قرارات عقلانية وحكيمة ساهمت في السيطرة على الوضع.
وأعتقد أيضا أن اللقاح المضاد لـ «كوفيد-19» سيكون فعالا للوقاية من الإصابة بالفيروس الجديد الذي ظهر في بريطانيا،علما أن جميع الفيروسات التنفسية كالانفلونزا الموسمية معرضة للتغير والتحول أكثر من كورونا.