طباعة هذه الصفحة

وقّع اتفاقية مع معهد فنون العرض والسمعي البصري

المسرح الوطني ينظّم علاقاته بمحيطه «الطبيعي»

أسامة إفراح

حينما نطّلع على وثيقة اتفاقية التعاون والمرافقة البيداغوجية، التي وقّعها المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشتارزي، مع المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، وبغضّ النظر عن بنود الاتفاقية في حدّ ذاتها، تتجلّى لنا رغبة لدى المسرح الوطني في تنظيم نشاطاته وعلاقته بمحيطه الطبيعي، خاصة وأن هذه الاتفاقية تأتي شهرا بعد اتفاقية تعاون مع بلدية القصبة.
شهد فضاء نادي امحمد بن قطاف بالمسرح الوطني الجزائري، توقيع هذا الأخير، ممثلا في مديره العام محمد يحياوي، اتفاقية تعاون ومرافقة بيداغوجية مع المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، ممثلا في مديره محمد بوكراس، وذلك صبيحة أول أمس الإثنين.

مشاريع جديدة

حين اطّلاعنا على فحوى هذه الشراكة، نجدها تمحورت حول بنود يمكن تلخيصها في عدد من النقاط، منها إتاحة المسرح الوطني الجزائري تربصات تطبيقية لفائدة طلبة المعهد، والمشاركة في الأعمال المسرحية التي ينتجها المسرح الوطني حسب التخصص، ما يمكّنهم من الخوض في تجارب احترافية تحت إشراف ممارسين، وتبادل واحتضان برامج تدريبية. وبالتركيز على هذه النقطة، يمكن القول إن المسرح الوطني يؤدي وظيفته الطبيعية من وجهة نظر طلبة المعهد، خاصة وأنه المسرح المحترف الأقرب جغرافيا إليهم، ونفس الشيء يقال في الاتجاه المقابل، فالمعهد أقرب إلى المسرح الوطني سواءً من حيث الجغرافيا أو من حيث التخصص.
كما تسمح الاتفاقية باستغلال فضاء «نادي امحمد بن قطاف» بالمسرح الوطني الجزائري من قِبل أساتذة وطلبة المعهد في مختلف التخصصات، بهدف عرض بحوثهم العلمية وأعمالهم التطبيقية، وفي ذلك محاولة للانفتاح على البحث الأكاديمي الذي قد يشكّل إضافة نوعية للممارسة المسرحية.
ولمّا كان منهج التكوين في المعهد جامعا بين النظرية والتطبيق، فستمكن هذه الاتفاقية المؤسستين (المسرح الوطني الجزائري والمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري) من إنشاء فرقة مسرحية مشتركة، وهو مشروع فني جديد حسبما يبدو، يضاف إلى مشروع آخر بعد أن تحدّثت الاتفاقية عن التفكير في إنشاء مهرجان مسرحي بين المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري والمسرح الوطني الجزائري. وفي مشروع فني ثالث، تحدثت الاتفاقية عن عمل المؤسستين على بعث ورشة مشتركة مختصة في مسرح الطفل، وذلك في مجال التكوين، التأليف، العروض، التنشيط وكذا مسرح العرائس.
أما المشروع الرابع الذي جاءت به الاتفاقية، والذي تمّ العمل عليه قبل أشهر، فهو إنشاء مخبر مشترك للتجارب والأبحاث المسرحية الجديدة، «تتحدّد طريقة اشتغاله من خلال قانون أساسي ونظام داخلي، تحت إشراف مجلس علمي وفني، بهدف فتح المجال أمام الدارسين والممارسين لرصد التحولات الرُّكحٍية واحتضان التجارب المسرحية الرائدة، وخلق فضاء للابتكار والبحث عن صيغ جمالية جديدة في إطار التجريب».

تجربة سابقة

 في خطوة مشابهة لما رأيناه في اتفاقية سابقة، سيخصّص المسرح الوطني الجزائري مقاعد لطلبة المعهد تسمح لهم بحضور مجمل العروض المبرمجة، وكذا المحاضرات التي تقام بنادي «امحمد بن قطاف» أو النشاطات الفنية والأدبية المبرمجة بفضاء «حاج عمر». إضافة إلى تمكينهم من عرض مشاريع التخرج على مستوى قاعة «مصطفى كاتب» وقاعة «حاج عمر».
تأتي هذه الاتفاقية شهراً بعد تلك التي وقّعها المسرح الوطني الجزائري مع بلدية القصبة، التي كان الغرض الأول منها إيجاد إطار يسمح بالعمل المشترك في كيفية استغلال محيط المسرح الوطني وجعله فضاءً ثقافيا وفنيا. ومن البرامج التي أتت بها الاتفاقية «أيام القصبة المسرحية»، وهي تظاهرة سنوية ستكون بتنظيم وتعاون مشترك بين المسرح الوطني وبلدية القصبة، وبمشاركة كلّ المسارح الجهوية وجمعيات وتعاونيات، تظاهرة لم يستبعد مدير المسرح الوطني، محمد يحياوي، أن تكون بدايتها إقليمية ثم تتحول إلى تظاهرة دولية.
وشملت اتفاقية التعاون مع بلدية القصبة بنودا تنظيمية، منها إعطاء بلدية القصبة الحق في استغلال قاعات المسرح الوطني للاحتفال بالأعياد الوطنية والدينية ويوم عيد القصبة المصادف للثالث والعشرين فيفري من كل سنة، وإقامة حفل اختتام السنة الدراسية أيضا وتكريم التلاميذ النجباء، والحق في استغلال الساحة المقابلة لواجهة المسرح الوطني لإقامة تظاهرات ثقافية وفنية، ومعارض للكتب ورسوم للأطفال، والنشاطات الحرفية والتجارية، وتخويل المدارس التربوية، وأفواج الكشافة الإسلامية التابعة لإقليم البلدية، الاستفادة من تخفيض في قيمة التذكرة، لمشاهدة العروض المسرحية المخصصة للأطفال صبيحة أيام الجمعة.

خطوات ممنهجة

 لعلّ ما يمكن استنتاجه من هاتين الاتفاقيتين، بغضّ النظر عن مضمونهما، هو المنهج الذي يعتمده المسرح الوطني الجزائري في الفترة الأخيرة، والذي يتمحور حول تنظيم علاقاته بالمؤسسات ذات الصلة، وبمحيطه الطبيعي، سواءً المكاني كما رأيناه في التنسيق والتعاون مع بلدية القصبة التي يقع بها مبنى بشتارزي، أو الفنّي كما هي الحال في الاتفاقية مع معهد برج الكيفان، في انتظار اتفاقيات أخرى قد نراها مستقبلا، يتعدّى الهدف منها مجرّد التنشيط الثقافي إلى التنسيق المنظّم والمقنّن للمؤسسات بعضها ببعض، بحيث تتحدّد واجبات كلّ طرف في إطار تنظيمي واضح، وقابل للتطوير، وهو منهج نتمنى أن نرى المؤسسات الثقافية تسير وفقه، من أجل تنظيم علاقتها بمحيطها من جهة، والاستفادة المتبادلة قدر المستطاع بغية تطوير المشهد الثقافي الوطني.