طباعة هذه الصفحة

مقاربة إقتصادية جديدة للمؤسسات المصغرة في 2020

قرارات جريئة لإنقاذ الشباب من المتابعات القضائية.. والفشل

زهراء ب.

ابتسم «الحظ» للشباب أصحاب المشاريع المصغرة الممولة من طرف آلية الدعم العمومي «أنساج» سابقا، «أناد» حاليا، عام 2020، إذ خصتهم السلطات العليا للبلاد بقرارات «جريئة» أنهت عهد المتابعات القضائية ضدهم، وأنقذت مشاريعهم من «الإفلاس» و»الفشل»، وأعادتهم إلى «سكة الإنتاج» عن طريق اعتماد مقاربة اقتصادية حررت جهاز دعم الدولة من نظرة اجتماعية- سياسية ظلت لصيقة به طيلة 25 سنة، وحصرت دوره في محاربة البطالة دون أن يحقق هذا الهدف، لأنه استعمل ورقة لاستقطاب اهتمام الشباب في الاستحقاقات والمواعيد الانتخابية، بدل المساهمة في تشجيع المقاولاتية واستحداث مؤسسات منتجة تساهم في تحريك عجلة التنمية المحلية والوطنية.
حظي ملف الشباب المستفيدين من دعم أجهزة الدولة، باهتمام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فقد حمل برنامجه الانتخابي لرئاسيات ديسمبر 2019، وعودا لهذه الفئة، بتسوية وضعيتها وإنهاء عهد المتابعات القضائية ضدها، وهو ما حرص على تجسيده ضمن التزاماته الرئاسية بمجرد اعتلائه سدة الحكم، وظهر ذلك جليا في تعليمات ظل يوجهها للجهاز الحكومي، منها تلك التي أسداها في اجتماع مجلس الوزراء، المنعقد بتاريخ 8 مارس 2020، المتعلقة بإلحاق الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب «أونساج» بوزارة المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة لدواع اقتصادية، وبعد أقل من شهرين من تحويل تسيير الوكالة «أونساج» من وزارة العمل إلى وزارة المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة تم إلغاء الوزارة واستحداث وزارة منتدبة لدى الوزارة الأولى مكلفة بالمؤسسات المصغرة في إطار التعديل الحكومي الذي مسّ بعض الحقائب الوزارية، أحيل إليها عدة ملفات من بينها تسيير «أونساج»، لتعود الوكالة إلى وصاية الحكومة مثلما كانت عليه حينما أنشئت سنة 1996.
وفي اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 23 أوت 2020 أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الوزير المنتدب المكلف بالمؤسسات المصغرة، بالابتعاد عن النظرة الإجتماعية الصرفة لمكانة المؤسسات المصغرة في بناء نسيج إقتصادي جديد وايلاءها أهمية وبعدا اقتصاديا بالتركيز على إنشاء مناطق نشاطات إقتصادية لفائدة المؤسسات المصغرة تضم مختلف المهن والحرف، ومرافقة وتوجيه مؤسسات «أونساج» التي تواجه صعوبات في التسيير والتمويل ومساعدتها في الإندماج الإقتصادي، بالإعتماد على مكاتب الدراسات الجهوية وإعطائها فرصة الولوج لسوق العمل، وتفعيل التنسيق بين المؤسسات المصغرة والناشئة بتحقيق جدوى إقتصادية صلبة تلبي طموح الوصول سنة 2024 إلى مليون مؤسسة مصغرة قادرة على المساهمة في الاقتصاد الوطني وتشغيل اليد العاملة الشبانية المؤهلة والمكونة.

تصوّر جديد يستدرك نقائص سابقة

تعزيزا لمسعى رئيس الجمهورية في اعتماد مقاربة اقتصادية ناجعة وفعالة في عملية مرافقة وإنشاء المؤسسات المصغرة، تساهم في دفع التنمية وتشجيع المبادرات المقاولاتية واستحداث النشاطات ذات المردود الإقتصادي المتنوع والفعال، ومن أجل توفير الظروف الملائمة للمضي قدما بالمؤسسة المصغرة وترقية مرافقتها نحو تأدية وظيفتها الإقتصادية التي أنشئت لأجلها، وضعت الوزارة المنتدبة المكلفة بالمؤسسات المصغرة، مقاربة جديدة لدعم ومرافقة أصحاب المشاريع وفق تصور جديد يؤسس لرؤية إقتصادية شاملة تهدف إلى إقحام استحداث وتطوير المؤسسات المصغرة في قلب السياسة العمومية للدولة، فضلا عن تدارك النقائص المسجلة في الجهاز السابق لدعم تشغيل الشباب وتطوير أدائه.
وفي هذا السياق، تم إصدار في العدد 70 من الجريدة الرسمية، القانون الأساسي الجديد للوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب «أونساج» التي غير إسمها للوكالة الوطنية لتنمية ودعم المقاولاتية «أناد»، وأسندت إليها مهام جديد منها اتخاذ كل تدبير من شأنه أن يسمح برصد الموارد الخارجية المخصصة لتمويل احداث نشاطات لصالح الشباب واستعمالها في الآجال المحددة وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، إعداد البطاقية الوطنية للنشاطات التي يمكن استحداثها من طرف الشباب أصحاب المشاريع وتحيينها دوريا بالاشتراك مع مختلف القطاعات المعنية، كما تقوم الوكالة بتشجيع استحداث وتطوير الأنظمة البيئية بناء على فرص الاستثمار المتاحة من مختلف القطاعات التي تلبي احتياجات السوق المحلي أو الوطني.
كما تم إحداث صندوق الكفالة المشتركة لضمان أخطار القروض الممنوحة للشباب أصحاب المشاريع، يتولى كذلك مرافقة ومتابعة الشباب المتعثرين في تسديد قروضهم البنكية، ثم يقوم بتحصيل هذه الديون البنكية المستحقة لدى الشباب بعد تحويل الحقوق التي تحوزها البنوك إلى الصندوق.
ومن بين المهام الجديدة الموكلة لوكالة «أناد» التوجه نحو التكوين لتمكين الشباب المستفيدين من قروض «أونساج» كسب الخبرة اللازمة والقدرة على مواجهة المشاكل المحيطة بهم، وتوفير الظروف المناسبة ومساعدتهم ودعمهم لأداء دورهم، بالإضافة إلى تحسين فرص الحصول على العقار الموجه لنشاطات الإنتاج والخدماتية، وعصرنة ورقمنة آليات الإدارة وتسيير الوكالة، وإعداد استراتيجيات من أجل توسيع المؤسسات المصغرة وتطويرها، وقد تم في هذا السياق استحداث منصة رقمية لانشغالات الشباب حاملي الأفكار والمشاريع يشرف على متابعتها شخصيا وزير القطاع، بهدف محاربة البيروقراطية.
ومن بين أهداف الوكالة تطوير أشكال التعاون مع محيط المؤسسات المصغرة، وتسهيل إجراءات استحداث المؤسسات المصغرة، وتشجيع بروز المشاريع المبتكرة، والعمل على جعل المؤسسات المصغرة عاملا استراتيجيا في التطور الاقتصادي.
وبغرض تشجيع المرأة على دخول عالم المقاولاتية، تم تخصيص شباك خاص للنساء المقاولات على مستوى الفروع الولائية من أجل رفع نسبة مشاركة المرأة في الاستثمار والمقاولاتية.

رفع التجميد عن النشاطات المموّلة وإعادة جدولة الديون

تنفس الكثير من الشباب حاملي المشاريع الصعداء، بتاريخ 8 سبتمبر 2020، بعد صدور قرار رفع التجميد على الأنشطة الممولة من قبل وكالة «أونساج» سابقا و»أناد» حاليا، ورغم أن رفع التجميد استثنى النشاطات المتعلقة بالنقل والكراء الأكثر طلبا من الشباب، إلا أن القرار أثلج صدور الراغبين في تجسيد مشاريعهم في الميدان ويفتقرون للتمويل اللازم.
ولكن للاستفادة من قروض «أناد» وضعت الوزارة الوصية عدة شروط، حتى لا تتكرر التجارب الفاشلة السابقة، من بينها ضرورة امتلاك الشباب شهادة تأهيل، وأن يكون سنهم يتراوح بين 19 و40 سنة، ووسعت لأول مرة دائرة المستفيدين من الجهاز بحيث أسقطت شرط البطالة وبات يمكن لحاملي المشاريع، والجامعيين، والفلاحين، والحرفيين، الاستفادة منه آلية الدعم.
عقب ذلك شرعت الوكالات المحلية في اتصالات مباشرة مع مختلف الشركاء، ممثلي القطاعات المتعاملين الاقتصاديين، المجتمع المدني، والجمعيات الناشطة من أجل تحديد بدقة الاحتياجات المحلية بهدف استحداث نشاطات تتماشى معها.
واشترطت الوصاية أن تكون الاحتياجات المعبر عنها من كل قطاع مبنية على أساس دراسة واقعية تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المنطقة وكذا المؤسسات الناشطة ومدى مساهمتها في تلبية حاجيات هذا الأخير.
بالموازاة مع ذلك وبهدف التكفل بالمؤسسات المصغرة المتعثرة التي تعاني من صعوبات في تسديد ديونها، تم توقيف المتابعات القضائية الخاصة بالمؤسسات المصغرة إلى غاية 31 ديسمبر 2021، وإصدار شهر نوفمبر قرار يقضي بإعادة جدولة الديون سواء البنكية أوغير المكافئة الممنوحة من قبل الوكالة، وتقرر أن تستفيد هذه المؤسسات بصفة خاصة من تسهيلات وتخفيف للإجراءات المتعلقة بإعادة الجدولة مع إلغاء مختلف الشروط التعجيزية والمتمثلة أساسا في إلغاء العمولات وغرامات التأخير الخاصة بتسديد الأقساط المتأخرة للقرض البنكي، إلغاء شرط معاينة عتاد المؤسسة المصغرة من طرف أعوان الوكالة، إلغاء إلزامية تسديد جزء من القرض البنكي( من 5 إلى 10 بالمائة)، إلغاء تطبيق نسبة الفائدة على القرض البنكي المقدرة بـ 5.5 بالمائة عند إعادة الجدولة، إلغاء شهادة تسوية الوضعية تجاه من صناديق الضمان (كناس، كاسنوس، كاكوبات)، إلغاء غرامات التأخير الخاصة بالأقساط المتأخرة للضرائب، مع إمكانية تمديد آجال تسديد قيمة الأقساط المتأخرة إلى 36 شهرا.
وتم إحصاء 42 ألف مؤسسة مصغرة متعثرة في تسديد ديونها سيتكفل بها صندوق الكفالة المشتركة لضمان اخطار القروض.

اتفاقيات قطاعية لتشجيع المناولة المحلية

توّجت جهود الوزارة المنتدبة المكلفة بالمؤسسات المصغرة، الرامية لإنقاذ آلاف المؤسسات الشبانية المتعثرة، بتوقيع عدة اتفاقيات مع قطاعات وزارية، تمكن المستثمرين الشباب المستفيدين من قروض «أونساج» الظفر بمشاريع استثمارية، حيث تم الاتفاق مع شركة سونلغاز، والهيئات تحت وصاية وزارة الموارد المائية كالوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، ديوان التطهير، الجزائرية للمياه، ديوان سقي وصرف المياه، لمنح 20 بالمائة من الطلبية العمومية لأصحاب المؤسسات المصغرة.
وشملت الاتفاقيات كذلك قطاعات السكن، الصناعة، السياحة والصناعة التقليدية، البريد، من شأنها توفير مخططات أعباء لفائدة المؤسسات المصغرة حسب مجالات نشاطها، كما تم توقيع اتفاقية اطار مع وزارتي العدل والتكوين والتعليم المهنيين، تهدف إلى تسهيل الاندماج الاجتماعي والمهني ومساعدة المحبوسين من أجل تكوينهم وتأهيلهم المهني أثناء فترة حبسهم عن طريق المرافقة التي تضمنها وكالة التنمية ودعم المقاولاتية «أناد» لإنشاء مؤسسات مصغرة وتحفيزهم لولوج عالم المقاولاتية بعد الافراج عنهم.
وتم الاتفاق يوم 15 ديسمبر 2020، في اجتماع ضم ممثلين عن وزارة العمال، والتضامن الوطني، ومديري «أناد»، و»كناك» وممثل وكالة «أونجام»، على وضع خطة عمل لتعميم الامتيازات والإجراءات الجديدة التي اعتمدتها وكالة «أناد» في مجال دعم وترقية المؤسسات المصغرة، لتشمل جهازي «كناك» و»أونجام» للتكفل بجميع الشباب أصحاب الأفكار والمشاريع في إطار قانوني منظم.
من جهة أخرى، تم وضع برنامجا خاصا، أطلق عليه اسم «برنامج السفير» لتشجيع المؤسسات المنتجة القادرة على التصدير، على تسويق منتجاتها، في الأسواق الإفريقية، والأسيوية والأوروبية، وغيرها من الوجهات، حيث تقوم حاليا 35 مؤسسة بالتصدير للخارج، وتوجد 150 مؤسسة لديها القدرة على دخول المنافسة الدولية.
ومن أجل تجسيد هذا المسعى، تم عقد لقاءات مع سفراء من بينهم سفير السينغال، تركيا، كوريا الجنوبية، لدراسة سبل إرساء تعاون في هذا المجال، وتمكين الشباب من الاستفادة من خبرات بلدانهم.