طباعة هذه الصفحة

بعد مسيرة حافلة بالإبداع الأدبي والترجمة والإخراج

مرزاق بقطاش يوارى الثرى بمقبرة القطّار

نورالدين لعراجي

ووري الثرى جثمان الفقيد الراحل الروائي مرزاق بقطاش، عن عمر ناهز 75 سنة، ظهر أمس، بمقبرة القطار بالعاصمة، بعد معاناة مع مرض ألزمه الفراش مدة.

يرحل صاحب «وداعا بسمة»، بعد مسيرة كانت حافلة بالعطاء الأدبي والفكري والمعرفي، وكتب له القدر حياة أخرى من جديد بداية التسعينيات، عندما تعرض إلى محاولة اغتيال بالعاصمة، نجا منها بأعجوبة، ليواصل الرحلة بعدها دون خوف، مؤمنا أن الأعمار قدر مكتوب نجهل مواعيده.
ودّع المشهد الثقافي والإعلامي اسما روائيا وأديبا من طينة الكبار، خلّد اسمه بأحرف من ذهب، منذ فجر الاستقلال، تاريخ التحاقه بوكالة الأنباء الجزائرية، صحفيا يجيد فنيات الكتابة باللّغتين العربية والفرنسية، وعبر صفحات إعلامية كتب مساهماته بجريدة الشعب ثم المجاهد اليومي، فالأسبوعي، لتبدأ رحلته مع الإبداع القصصي ثم الروائي فتجربة الإخراج وكتابة السيناريو، وعلى ربوة القطار حيث مقامه الأبدي، يطل من أعلاها على القصبة، تحاكي روحه الأمكنة، وعبر أزقتها التي خلدتها كتاباته، وشوارعها التي احتضنت معارك العاصمة لن يشعر مرزاق بالوحدة وهو في قبره ..

المشهد الثقافي ينعي صاحب «بقايا قرصان»

وقد أجمعت كل الشهادات حول شخصية بقطاش على أنها قامة روائية نادرة ومتميزة لها خصوصيتها المستقلة عن غيرها من أبناء جيله في الكتابة الروائية والقصصية.

وهبي: طيور الظهيرة لم تعد تحلّق..
وصف الروائي والمترجم، نائب رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين علاوة جروة وهبي، وفاة بقطاش بالرحيل المؤلم وهو الذي كان يأمل في ملاقاته بعد نهاية الجائحة، حيث عبر له بقوله «هل أقول لك وداعا وقد فجعني سماع خبر رحيلك، أنا الذي كنت أطمح في أن نلتقي من جديد بعد هذه السنوات، ترحل وطيور الظهيرة لهذا اليوم لم تعد تعرف كيف تحلّق ولا الراقصين في الهواء الطلق سيكملون رقصتهم التي شرعوا فيها احتفالا بالسنة الجديدة»، وأضاف جروة «ترحل وجراد البحر لم يعد يسبح في مياه الأبيض المتوسط ولا دار الزليج تفتح أبوابها لعزوز دحمان ويسيل دم الغزال لتعلو أغنية البعث والموت مودعة بسمة، وداعا أيها القاص الروائي والمترجم القدير».

نسيبة عطا الله: البحار أيضا تموت فماذا بوسع الحيتان أن تفعل..
من جهتها عبرت الناقدة والشاعرة نسيبة عطاالله على وفاة صاحب جراد البحر، قائلة «البحار أيضا تموت! لست أدري ماذا بوسع الحيتان أن تفعل؟ لو انتظرت قليلا يا بحر يا مرزاق، كنت أودّ زيارتك...هل البدر أغراه موجك فشربه دفعة واحدة؟ يا لموت الماء ما أوجعه!»

ملاحي: كتاباته مواسم فعلية جادة رصينة وثقيلة
من جهته، نعى البروفيسور والشاعر علي ملاحي وفاة صديقه قائلا: «كان نقيا ونبيل المشاعر كالأنبياء في صدقه وفي يده قلم من جمال، إذا قال كلمته تنازلت القصائد لكبريائه، كتب بالعربية وتفاعل بقوة مع الفرنسية، لم يحد عن تربة لعب فيها ولم يهجر ساحته التي لعب بها، كان وشما من ذهب وطفلا من ماء وطائرا من نعناع البساتين، لم يكن يؤمن بالمساحيق، فقد فضل الكتابة بأخلاق عالية وعاهد نفسه على ذلك، وابتسم وظل يبتسم بجلال إلى أن جاءه هادم اللّذات، ظل يقول بصوته الطيب الكتابة مسؤولية أخلاقية، عزف على أوتار الكتابة الإعلامية، فكان المجاهد ورجل الشعب ولسان المثقف، صاحب قلم سيّال، غير مفتون بالمغامرات والمناورات والمنشورات المناوئة، لذلك كان يميل إلى الصدق، إلى الاحتراق ببطء مع النفس، يوصف بالكاتب الطيب، كتاباته مواسم فعلية جادة رصينة وثقيلة، عرفناه ملاكا وسيبقى ملاك الإبداع في وطني وبين خلانه لك الوداع، أيها الطائر المهاجر إلى الأبد».

لحمادي: دم الغزال جمع بينه وبين وحيد حامد فرحل الاثنان معا
أما الكاتب طارق لحمادي فقد عبر عن حسرته لوفاة بقطاش قائلا: «المشيئة التي قرّرت يوم وفاة «دم الغزال»، صباحًا أفقنا على وفاة القاص والسيناريست المصري ذائع الصيت البارع وحيد حامد، ثم أمسينا على وفاة الروائي الجزائري الكبير بقطاش، من غرائب المشيئة أن يجتمع الموت اليوم بين الصباح والمساء حول اسم واحد هو «دم الغزال» فوحيد حامد قدّم للسينما المصرية أروع أفلامها دم الغزال، وبقطاش قدّم روايته «بالعنوان ذاته أيّ دم الغزال، فسبحان الذي ذبح غزال الجمال وأهرق دمّه في يوم واحد».