طباعة هذه الصفحة

ثاني ورشة إصلاح بعد التعديل الدستوري

قانون انتخابات لمجالس نيابية ذات مصداقية

فنيدس بن بلة

 معايير ترشح وجيل جديد لتطوير الممارسة السياسية

 

 لعلّها أكبر ورشات الإصلاح وأكثرها مصيرية، لأنها تخص مجالس انتخابية في حاجة ماسّة إلى مقاربة بديلة تمنحها مصداقية وتضفي عليها شفافية وديناميكية في تأدية وظيفة التمثيل والتشريع على أحسن حال، بعد أن فقدتها في عهدات سابقة. إنّها عملية تحضير قانون انتخابات جديد، التزم به الرئيس عبد المجيد تبون، استكمالا لمشروع وطني يؤسّس لجمهورية جديدة.
ورشة الإصلاح، شرع فيها بعد تعديل دستوري يمهّد الأرضية لنظام حكم يكرّس ديمقراطية أوسع، يفتح المجال للتداول على السلطة من خلال تحديد العهدات الرئاسية، ويمنح صلاحيات فعلية لهيئة تشريعية كي تلعب دورها الرقابي كما يجب، متجاوزة صفة «غرفة تسجيل»، ألصقت بها لسنوات وحقب.
تجد هذه المقاربة ضمن التزامات الرئيس في إقامة دولة مؤسسات، تتبارى فيها مشاريع وتتنافس على أفضل خيارات تغيير وإصلاح دواليب السلطة، وتعدد وظائفها في تسيير شؤون الرعية وتحديد بدائل الإقلاع الوطني عبر تحول اقتصادي ناجع تعطيه انطلاقة قوية، مؤسسات ناشئة واقتصاد معرفة مؤهل لخلق ثروة وتوفير قيمة مضافة وشغل.
تمتد هذه الرؤية إلى المجالس المنتخبة التي هي محل تطلّع وانتظار، بعد تجهيز قانون الانتخابات، يحدّد جملة من الشروط والمواصفات للمترشحين للاستحقاقات المحلية والتشريعية المرتقبة، تساعد على بروز جيل جديد من المجالس تضم ممثلين أكفاء، الصدق قاسمهم المشترك، والنزاهة والولاء للوطن معيار لابد منه، ومواصفة فاصلة حاسمة للاختيار من هم الأنسب لتولي المهام التشريعية، وانتزاع حق التمثيل النيابي عن جدارة واستحقاق.

حظر تواطؤ بين المال الفاسد والسياسة

نتذكّر، كيف كان الرئيس تبون حريصا في مواعيد عديدة ولقاءات إعلامية على إقامة مجالس منتخبة لها مواصفات لا تمت بأي صلة للتي عرفتها البلاد في فترات سابقة، حيث سجل تواطؤ مكشوف مفضوح بين المال الفاسد والسياسة، أفرز مؤسسات لا تمثل من انتخبها وصوّت على برامجها، لكن تمثل مصالح لوبيات وجماعات ضغط ونفوذ اتخذت من الاقتراع ورقة لكسب امتيازات وتحصيل حصانة تحمي أصحابها من متابعات قضائية غداة تورّطهم في فضائح فساد.
لها كان لا بد من تغيير جوهري يمس أحد الصّرح المؤسساتي الهام في البلاد، ممثلا في المجالس المنتخبة التي هي مقبلة على ثورة بنيوية يستدعيها الظرف الراهن، وتطالب بها تحديات المرحلة القادمة. هي محطة مفصلية في ورشات إصلاح شاملة للدولة بكل فروعها ومكوّناتها، ما يسمح بدمقرطة الممارسة السياسية والوظيفة النيابية في إطار رؤية استشرافية إستراتيجية لخدمة البلاد والعباد.
إنّها استراتيجية تقوم على جملة من الأسس، مدرجة ضمن التزامات الـ 54 لبناء جزائر جديدة، في صدارتها أخلقة السياسة والحياة العامة، وتعزيز الحكم الراشد عبر الفصل التام بين المال والسياسة، فرض رقابة صارمة للتمويل السياسي ومحاربة الفساد والمحسوبية والمحاباة. وهي كلها، حالات باتت قاعدة متبوعة، ولّدت شرخا في عمل المجالس المنتخبة، نزعت منها ثقة ومصداقية وولّدت صراعات أدت إلى انسداد، عرقلت مشاريع تنمية شاملة وعطّلت مصالح مواطنين كثيرا ما خرجوا إلى الشارع، رافضين اعتبارهم مجرد ورقة انتخابية يتذكّرون عند الاقتراع ويتركون وشأنهم أسرى مشاكل وأزمات معلّقة.

شراكة في تسيير المرفق المحلي

إنّها استراتيجية غايتها تعزيز ديمقراطية تشاركية، المواطن فيها طرف فاعل وغاية منشودة لنشاط عمومي من خلال حوار وتشاور مع السلطات العمومية، بحثا عن حلول ممكنة لتعقيدات المرفق المحلي وتقييم السياسات العامة وفق رؤية توافقية بعيدا عن تصادم إرادات وتصارع مصالح.
كل هذا المعطى الجديد، يتم في منهج مدروس، محدّد لعوامل إصلاح شامل لتنظيم إقليمي وتسيير إدارة محلية، تحدّد بدقة اختصاصات الدولة والجماعات المحلية، حيث تشكّل المجالس المنتخبة قلبها النابض ومحركها الفعلي والفاعل، يشترطه الواقع المتغير، فارضا معايير بديلة لترقية العمل السياسي، لا مكانة فيه لمحاصصة في توزيع المقاعد النيابية والبرلمانية وشراء الذمم أمام أصحاب المال الفاسد مثلما ساد الأمر، أيام زمان، مكرّسا ديمقراطية عرجاء وتعددية مغشوشة.
معادلة بديلة إذن، تفرض نفسها في خارطة سياسية تتشكّل لتصحيح اختلالات تجارب، يكون طرفها الفاعل أيضا، جيل من شباب الجامعات والمدارس العليا ومراكز التكوين مشبعا بقيم المواطنة والوطنية، غايتهم اقتحام المعترك السياسي، اعتمادا على كفاءات معرفية وممارسات واقعية لتقديم ما هو أفيد وأفضل لوطن، يسابق الزمن لإصلاح هياكل دولة وتقوية مؤسساتها، في مقدمتها المجالس المنتخبة بعد استحقاقات محلية وتشريعية لها خصوصيتها ومميزاتها في المشهد السياسي المتغير.

صلاحيات للمنتخبين على حساب الإدارة

المؤكّد أن هذه المجالس المرتقبة ستحظى بمزيد من صلاحيات للمنتخبين على حساب الإدارة المركزية بناءً على الآليات القانونية المشجّعة للحكم الراشد، والذي يرسم معالم علاقة تكاملية بين المواطن ومسؤوليه في الجماعات المحلية، الذين واجب عليهم فتح المجال لأية مبادرة تساعدهم في تخطي تعقيدات المرفق المحلي بروح شراكة وإعطاء دفع لأداء مجالس منتخبة وبلورة سياسة عمومية منتجة، تتخذ من متاعب الظرف، قوة انطلاق لعلاج المشاكل في وقتها دون إبقائها معلقة مؤجلة إلى إشعار آخر.