طباعة هذه الصفحة

الدكتورة صورية مولوجي، مديرة مساعدة، في «كراسك وهران»:

تحقيقات ميدانية آنية لرصد آثار جائحة كورونا

براهمية مسعودة

 المركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية في خدمة المجتمع

دور بارز في تعزيز آليات تنظيم وترقية اللّقاءات العلمية

يعدّ المركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية (كراسك) وهران، أحد أهم المؤسسات البحثية الناشطة في مجال الأبحاث الأكاديمية والمشاريع العلمية في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، منذ أكثر من ربع قرن.
 تأسس المركز سنة 1992 بأقسام بحثية، أربعة تشتغل حول محاور وأقطاب أوّلية في البحث، تستجيب من خلال دراسة موضوعات متعددة المقاربات إلى متطلبات التنمية الوطنية والمحلية.
 (الكراسك) موجود في الساحة البحثية منذ الفترات الأولى لانتشار جائحة كوفيد-19 من خلال باحثيه الدائمين والمشاركين وثلة من الخبراء المتعاونين من داخل الوطن وخارجه، وذلك عبر أبحاثه ودراساته الميدانية التي تطرقت لموضوع الجائحة التي ضربت الجزائر وعديد دول العالم على حدّ سواء، بحسب ما أكدته الدكتورة صورية مولوجي، المديرة المساعدة المكلفة بالبحث على مستوى المركز في حوار مع «الشعب» حول «الانجازات العلمية لهذه الهيئة البحثية الهامة حول جائحة الكوفيد 19 « .

الشعب: حدثينا أولا عن المهام الرئيسة لمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وأهم الأعمال التي قام بها في سنة 2020؟

 مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» مؤسسة وطنية للبحث أنشئت طبقا للمرسوم رقم 92-215 المتمم والمعدل في 23 ماي 1992، وقد انتقلت إلى النظام الوطني للبحث، بعد أن كان مركز بحث وتطوير، ليتحول إلى مؤسسة عمومية ذات طابع علمي وتقني.
وتتمثل المهام الأساسية الموكلة لها في تطوير البحث الأساسي والتطبيقي المتعلق باحتياجات التنمية الوطنية في مجال الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، ولاسيما البحوث التي تساهم في تقدم العلوم الاجتماعية والإنسانية في الجزائر وتثمين نتائجها.
يساهم المركز في ضمان التكوين للباحثين وموظفي دعم البحث، ناهيك عن دوره البارز في تعزيز آليات تنظيم وترقية اللقاءات العلمية بين الباحثين والمختصين لتطوير التبادلات والتحكم في المعلومة العلمية، كما يتكلف بالإشراف العلمي على المدرسة الدكتورالية الوطنية للأنثروبولوجيا لتكوين مجموعة من الطلبة لنيل شهادة الماجستير، شهادة الدكتوراه علوم وشهادة لدكتوراه «ل.م.د».
وقد أبرمت هذه المؤسسة البحثية - المركز عديد اتفاقيات الشراكة والتعاون مع الوزارات والمؤسسات العلمية والثقافية وغيرها على المستوى الوطني والدولي، كان آخرها اتفاقية مع المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، واتفاقية مع ثلاث مؤسسات بحثية تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون: المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ، الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية والمركز الوطني للبحث في علم الآثار.
يضم المركز أربع أقسام بحث، وهي: قسم البحث» سوسيو- أنثروبولوجيا التاريخ والذاكرة»، قسم البحث «مدن وأقاليم» وقسم البحث « أنثروبولوجيا التربية ونظم التكوين»، وكذا قسم البحث « المخيال والسيرورات الاجتماعية»، ويشرف على أربع وحدات للبحث، تتمثل في وحدة البحث للثقافة، الاتصال، اللّغات، الآداب والفنون بـ»وهران»، ووحدة البحث حول الترجمة والمصطلحية بـ»وهران»، إضافة إلى وحدة البحث في أنظمة التسميات في الجزائر ومقرها البليدة ووحدة البحث حول الأقاليم النامية والمجتمعات في قسنطينة.
ومن بين هذه التسميات التي يعكف المركز على دراستها ومعاينتها، نذكر على سبيل المثال الهيسطوريوغرافيا وإنتاج المعارف التاريخية، الخريطة التربوية، التكوين والممارسات البيداغوجية، الفاعلون والمؤسسات التربوية، وكذلك أشغال التعابير الشعبية والتعابير العالمة، إضافة إلى الموروث الثقافي المادي 2011 عبر أربع وحدات بحث، منها وحدتان على مستوى مدينة وهران، تشتغل الأولى حول الثقافة، اللّغات، الآداب والفنون، والثانية حول الترجمة والمصطلحية، أما الوحدة الثالثة فهي متواجدة على مستوى جامعة البليدة وتشتغل أساسا حول الأنظمة التسموية في الجزائر»، في حين تعمل الوحدة الرابعة ومقرها جامعة قسنطينة 3 حول المجتمعات والأقاليم الناشئة.
تمكّن المركز من إنجاز العديد من الدراسات والخبرات، وأشرف على تسيير العديد من البرامج الوطنية للبحث PNR، مع مواصلة إصدار مجلة علمية محكمة من أجل نشر نتائج البحث والإبقاء على الروابط والتواصل الدائم بين الباحثين، تحمل اسم إنسانيات– دفاتر مجلة إنسانيات والمجلة الافريقية للكتب بالتعاون مع مجلس تنمية البحوث الاجتماعية في إفريقيا (داكار- سينغال).
وبالموازاة مع ذلك، تواصل هذه المؤسسة تنظيم العديد من التظاهرات العلمية بشكل مستمر (محاضرات، ورشات تكوينية، ندوات، أيام دراسية، ملتقيات)، كان آخرها: ندوة حالة المعارف في العلوم الاجتماعية بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، بعد 25 سنة والملتقى الدولي الموّسم بـ «المجتمع والجائحة»، وكذا ملتقى دولي حول الترجمة، المسرح والهوية بين التأثر والتأثير، وآخر حول البحوث الناشئة في العلوم الاجتماعية والإنسانية: المؤسسات والفاعلون...

«إنسانيات».. المجلة الجزائرية الرائدة في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية

- كيف تحصلت مجلة «إنسانيات» على التصنيف «ب»؟
 مجلة «إنسانيات» هي مجلة رائدة في مجال الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية والاجتماعية في داخل الجزائر وخارجها، تأسست عام 1997، نشرت إلى يومنا هذا 86 عددا؛ وهي مجلة محكمة ذات لجنة قراءة ولجنة إشراف علمي وذات تحميل حرّ يتم إصدارها بشكل فصلي (كل ثلاثة أشهر) باللغات العربية، الفرنسية وكل ملخصات مقالاتها باللغة الانجليزية، تصدر عن مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (وهران-الجزائر)، مدير النشر: جيلالي المستاري، مدير التحرير: بلقاسم بن زنين.
تنشر مجلة «إنسانيات» الأعمال الفردية للباحثين، وكذلك الأعمال المنجزة في إطار مشاريع بحث مؤسساتية، ورغم أن مجلة «إنسانيات» تنخرط أساسا ضمن المشروع الأنثروبولوجي، إلا أنها منفتحة بشكل كبير على مختلف التخصصات، لا سيما تلك التي تتخذ من الإنسان والمجتمع موضوعا لدراستها، وتسعى المجلّة لتكون ملتقى للباحثين من الجزائر ومن الخارج.
وبحسب تصنيفات المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي لسنة 2020، تحصلت مجلة إنسانيات على التصنيف «ب»، وهذا بعد التحاقها بالمنصة العالمية ERIH PLUS، كما أن المجلة، تمكنت من تحصيل معايير اعتماد معامل «أرسيف ARCIF» المتوافقة مع المعايير العلمية العالمية، كما أنها مصنفة أيضا على المنصات العلمية التالية: البوابة الجزائرية للمجلات العلمية ASJP وOpenedition وكذلك المنصة الأمريكية EBSCO host.

مسألة جائحة كورونا وتداعياتها على معيشة الجزائريين

 -  تدخل الظواهر السوسيولوجية المستجدة والظروف الاجتماعية الطارئة على المجتمع، ضمن الاهتمامات الرئيسية لـ»كراسك» وهران. ماذا قدم المركز من بحوث وتحقيقات ميدانية حول جائحة كورونا؟

 عمل المركز ومنذ انتشار وباء كوفيد19، بالجزائر، وفرض الحجر الصحي من قبل السلطات العمومية في شهر مارس 2020، على دراسة آثار هذه الظاهرة الصحية العالمية على المستوى المحلي وتحليل تأثيراتها على الحياة اليومية للمجتمع الجزائري، وذلك على عديد الأصعدة والمستويات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، التربوية،....إلخ.
تجسدت الخطة البحثية المنتهجة من طرف المركز في دراسة هذا الموضوع من خلال مجموعة من المبادرات والتظاهرات العلمية التي جمعت أخصائيين وباحثين من داخل الوطن وخارجه، وتجسيدا للدور المنوط به كمؤسسة علمية وبحثية تنشط فيه مختلف مجالات العلوم الاجتماعية.
وقد عمل المركز منذ بداية الجائحة على تجنيد باحثيه الدائمين والمشاركين من مختلف التخصصات لدراسة الظاهرة وتقديم قراءات أولية حول الموضوع، كل من منطلق اهتماماته وتوجهاته البحثية، وهو الأمر الذي سمح للباحثين ( مالا يقل عن 100 باحث) بمسألة الجائحة وتداعياتها على معيشة الجزائريين، من خلال إطلاق تحقيقات ميدانية آنية تسمح برصد الآثار الأولية للوباء ومعاينة مختلف طرق التصدي له من طرف أجهزة الدولة، وذلك من خلال مناهج الحوكمة المتبعة للتخفيف من وطأة نتائجه الوخيمة على الفرد والمجتمع بشكل عام، وكذا جملة التدابير المسخرة والوسائل المتاحة، بغية الحد من انتشار العدوى ومراقبة مناطق الحظر، بعدما اتضح أن الأزمة لا تغدو عن كونها صحية فقط، وإنما لها أيضا تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، هذا إضافة إلى تسليط الضوء على المجتمع بمختلف فئاته التي تجندت في هبات تضامنية أوجدتها الضرورة الظرفية والحاجة الراهنة.
وتمخض عن هذه القراءات الأولية والدراسات الميدانية انجاز تقريرين علميين؛ الأول بمثابة تغطية للشق السوسيو-إقتصادي ضمن التقرير الجهوي الذي أنجزته الجامعات ومراكز البحث التابعة للندوة الجهوية لجامعات الغرب في شهر جوان 2020 والموسوم بـ «معيش الجزائريين في فترة الحجر الصحي وإستراتيجية ما بعد كوفيد19»، في حين تمثل التقرير الثاني الذي أنجزه المركز (سبتمبر2020) في حوصلة للمعارف والنقاشات الأولية المتمخضّة عن أولى الدراسات الميدانية لباحثي المركز والخبراء المتعاونين معه.
وقد تطرق هذا التقرير إلى نقاط أساسية تمثلت في:
- جائحة كوفيد19 والممارسة اليومية للمواطنة
- المؤسسات في مواجهة تحدي كوفبد19
- المؤسسات الصحية بين الرغبة في الصمود ونقص الهياكل
- غياب الاستقرار المهني والاجتماعي وجودة العمل
- المؤسسة الدينية وتسيير الجائحة
- المؤسسات التربوية والجامعية: بين الاختلالات والتحديات
-  جائحة كوفيد 19 وإعادة التنظيم الجغرافي والحضري
- جائحة كوفيد 19 وحركة النقل: محدودية النظام الوطني للنقل
- النشاط الثقافي في ظل جائحة كوفيد 19
كما أنه ومن بين جملة التحقيقات الميدانية التي أطلقها المركز في الفترات الأولى لفرض العزل المنزلي والتبادل الاجتماعي، نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، تحقيق حول «ممارسات مستخدمي الصحة خلال كوفيد 19»، وتحقيق آخر حول «معيش الجزائريين خلال فترة الحجر الصحي، مقارنة بين المدينة والريف»، إضافة إلى تحقيق ميداني حول «معيش سكان ولاية البليدة خلال فترة الحجر الكلي»، وأيضا تحقيق حول «الأسرة والحجر المنزلي»، وكذا تحقيق حول «الطلبة الجامعيين والتعليم عن بعد»، هذا بالإضافة إلى تحقيقات أخرى، تضمنت أسئلة حول دور مختلف المؤسسات، بالخصوص المؤسسات الدينية، المدرسة، المجتمع المدني والأشكال الجديدة للروابط الناتجة عن هذه الجائحة.

الملتقى الدولي الافتراضي الأوّل «المجتمع والجائحة»

- في السياق المعرفي والاستقصائي ذاته، نظم «الكراسك» أول ملتقى دولي افتراضي حول جائحة كوفيد 19 في الجزائر، حدّثينا عن بعض التوصيات التي خرج بها المشاركون؟
 نظم مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بالشراكة مع مركز «فاعلون» للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية (الجزائر) الملتقى الدولي الافتراضي الأول: «المجتمع والجائحة»، وذلك يومي 3 و4 جوان 2020، من خلال قناة يوتيوب الخاصة بالملتقى، ومواقع المركزين الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعية.
جاء تنظيم هذا الملتقى بعد انطلاق الدراسات الميدانية الأولى حول وباء كورونا في الجزائر، كما أسلفنا الذكر، والأثر الاجتماعي والاقتصادي والنفسي لإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي على المجتمع الجزائري.
 كانت هذه التظاهرة العلمية الدولية تهدف بالدرجة الأولى إلى الاستفادة من الدراسات والتجارب الوطنية والدولية في تحليل ومواجهة أزمة جائحة كوفيد 19 وتأثيراتها المستقبلية على الجزائر بشكل خاص، والعالم بشكل عام.
عرفت مشاركة أزيد من أربعين باحثا من داخل الوطن وخارجه، ونذكر من بين الدول المشاركة في الملتقى تونس، المغرب، مصر، العراق، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، لبنان، انجلترا، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا وتركيا...إلخ.
ومن بين التوصيات التي خرج بها المشاركون في الختام نذكر:
-   ضرورة وضع برامج بحثية خاصة بظاهرة الوباء وتكثيف الدراسات الميدانية في العلوم الاجتماعية .
-   تثمين الحس الاستباقي لدى الهيئات الرسمية في الجزائر والمنطقة العربية في اتخاذ الإجراءات الوقائية.
- دراسة نوعية الشغل وأماكن الفئات الهشة ومدى اتساع مساحة الهامش في زمن الجائحة.
- الوقوف عند فعل التضامن المجتمعي وآثاره المستقبلية في بناء التلاحم عند الأزمات والمخاطر.
تجسيدا لأهم مخرجات هذا الملتقى يشرف المركز حاليا على نشر فعالياته في شكل مؤلف جماعي سيصدره قريبا.
وإضافة إلى هذه التظاهرة العلمية الدولية نظم المركز عددا من الندوات حول الجائحة في علاقتها مع موضوع اللاتمدرس والتعليم عن بعد، والدخول الجامعي، وأيضا الحالة الثقافية في فترة التباعد الاجتماعي.

أسبوع المركز الإعلامي الافتراضي حول الجائحة

بادر مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في شهر أكتوبر من السنة الجارية وتحديدا في الفترة الممتدة من 01 إلى 08 أكتوبر 2020، بتنظيم أسبوع إعلامي حول «كوفيد 19 والمجتمع: قراءات أولية»، وهي مبادرة تدخل في إطار سياسة المركز المتبعة في تثمين منتوجه العلمي والبحثي وكذا دوره التوعوي والمواطني في مد جسور التواصل الفكري مع المجتمع وتنوير هذا الأخير حول مختلف القضايا الراهنة التي تتصدر اهتماماته.
وتجسدت هذه المبادرة من خلال استقطاب الجمهور العريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقنوات المركز ومواقعه الإلكترونية، وتمثلت في نشر عدد من الفيديوهات المصورة لباحثين في المركز تطرقوا عبرها إلى مختلف الجوانب المرتبطة بالموضوع وقدموا من خلالها أولى القراءات المتمخضة عن مقاربة الجائحة وتأثيراتها على المجتمع الجزائري، وذلك على مختلف الأصعدة والمستويات.

-  سيعقد «الكراسك» دورته السنوية العادية الثانية، هل من جديد؟
 لابد من التنويه بأن مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، واستجابة إلى توجيهات المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي سيطلق مباشرة بعد انعقاد مجلسه العلمي في دورته السنوية العادية الثانية المزمع انعقادها في شهر ديسمبر 2020 «برنامجا استثنائيا للبحث»، سيتم من خلاله المصادقة على مجموعة من المشاريع البحثية حول موضوع جائحة كوفيد 19، وكذلك الشروع في إنجاز تحقيقات ميدانية كبرى وطنية منها ومحلية، بصيغتيها الكيفيّة والكمية.