طباعة هذه الصفحة

الدكتور دليوح:

3 لوبيات تتحكم في الموقف الفرنسي تجاه الذاكرة

س.بوعموشة

 فرنسا ترفض تسليم الأرشيف لحرمان كل الشعوب من حقها في ذاكرتها

يرى أستاذ تاريخ الجزائر المعاصر بجامعة الجزائر-2 الدكتور عبد الحميد دليوح، تصريح الرئاسة الفرنسية بخصوص ملف الذاكرة، أنه يرتبط بمجموعة من اللوبيات داخل فرنسا وعلى رأسها لوبي يهود الجزائر. وبحسبه، فإن هذا هو سبب تعيين بنجامان ستورا للتفاوض مع الطرف الجزائري حول هذا الملف، داعيا إلى سنّ قانون تجريم الإستعمار، كما شدد على ضرورة انخراط المجتمع المدني في ملف الذاكرة.
أكد أستاذ تاريخ الجزائر المعاصر الدكتور عبد الحميد دليوح، أن تصريح الجمهورية الفرنسية بتركيبتها الحالية بعدم الإعتراف بجرائمها في الجزائر كان منتظرا، مضيفا أن الموضوع يرتبط بمجموعة لوبيات في فرنسا، يأتي على رأسها لوبي يهود الجزائر ولوبي الحركى وكذا الأقدام السوداء وهذه اللوبيات الثلاثة هي من تتحكم في ملف الذاكرة، قائلا: “هذا هو الهدف من وراء تعيين بنجامان ستورا دون غيره بحكم انتمائه إلى هذه اللوبيات، وكذلك بحكم خلفيته وتكوينه التاريخي”.
واعتبر دليوح، أن الواقع التاريخي يقول إن فرنسا خرجت بعد هزيمة عسكرية وسياسية ودبلوماسية وكل العالم كان شاهدا على مقتضياتها ومجرياتها.
ويرى أستاذ تاريخ الجزائر المعاصر، أنه من باب أولى أن نستحضر ونقوي دراسة التاريخ وننطلق في إجراءات مباشرة لتقديس وإعطاء الأهمية الكبرى لتاريخنا الوطني، خاصة تاريخ الحقبة الإستعمارية، وذلك بسن قانون تجريم الإستعمار والعمل به كخطوة أولى، ثم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تقدس ذاكرتنا وكذا إعادة النظر في تعاملنا مع ملف الذاكرة مع الجانب الفرنسي، لأن القضية في فرنسا هي قضية لوبيات مسيطرة على محيط ماكرون أو غيره.
وأوضح محدثنا، أن التقرير الذي سلمه ستورا رسّخ فيه حقوق كل هذه اللوبيات الثلاثة ألا وهي يهود الجزائر، الأقدام السوداء والحركى، مضيفا أن النظام الفرنسي في هذا الملف يتحرك بتناغم وليس باعتباطية، فهم سلموا هذا الملف لأصحاب الإختصاص. وبالنسبة إلينا كان الأجدر تكليف شخصية ذات توجه بحثي في التاريخ ونحن نملك الكثير من المؤرخين يجيدون كيفية التفاوض حول هذا الملف من موقع قوة الحق. وبحسبه، فإننا في غنى عن الاعتراف، لأننا خرجنا منتصرين وفرنسا تلقت في الجزائر هزيمة سياسية، عسكرية ودبلوماسية.
وفي رده عن سؤال حول مدى ارتباط تصريحات ماكرون بالحملة الإنتخابية، قال دليوح إنه لا يعتقد أن تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون يندرج في إطار التحضير للحملة الإنتخابية. وبحسبه، فإنه إذا سلمنا جدلا بهذه الفرضية، أن التصريحات جاءت بناء على الحملة الإنتخابية، فهذا يدخل في باب التبرير وكشماعة معلق عليها الفشل.
وأضاف الأستاذ الجامعي، أن اللوبيات الثلاثة السالف ذكرها هي من تضع ثقلها على ملف الذاكرة، وهذا الأخير لن يفتح إلا بشروط هؤلاء، قائلا: “ماكرون كان سيعيد نفس الكرة حتى ولو كان خارج إطار الحملة الإنتخابية. وفي الوضع العادي ليس ماكرون فقط بل أي رئيس كان سيتصرف بمثل ما تصرف به ماكرون، ألا وهو العودة إلى تلك اللوبيات”.
في المقابل، أبرز محدثنا دور المجتمع المدني والطبقة السياسية وحتى الدولة الجزائرية في السير بخطى جبارة في هذا الملف، في سبيل إعادة الاعتبار لتاريخنا الوطني وتمجيده، أولا بسنّ قانون تجريم الإستعمار والمضي قدما للعمل به، مشيرا إلى المفاوضات حول ملف الذاكرة.
وشدد على ضرورة انخراط المجتمع المدني عن بكرة أبيه وكل الطبقة السياسية في هذا الواجب الوطني، ألا وهو معركة الذاكرة التي يجب أن ننتصر فيها كما انتصر أجدادنا في معركة التحرير.
في ذات السياق، أبرز دليوح أن فرنسا تحتفظ بأرشيف الكثير من الشعوب وترفض تسليمه لاستعماله كشكل من أشكال القنابل الملغمة ولحرمان كل الشعوب من حقها في ذاكرتها، وهذا ما يتنافى مع كل القوانين والشرائع الدولية التي تتحدث عن شفافية الذاكرة والحق في المعرفة، مضيفا أن الأرشيف الجزائري الحبيس في فرنسا الآن، هو بمثابة قنابل تود فرنسا تفجيرها متى شاءت للتحكم في مصير الشعب الجزائري وكذلك عدم تمكينه من حقه في معرفة تاريخه، وهذا لتسهيل التدخل في الشأن الجزائري كلما سمحت لها الفرصة.
ويرى الباحث أن أي مفاوضات أو معاهدة صداقة مع فرنسا، يجب أن تبنى على مطلب وحيد بغض النظر عن الاعتذار، وهو استعادة الأرشيف الجزائري كاملا الذي يعتبر حقا أساسيا ومشروعا، مشيرا إلى أن كل الاتفاقيات الدولية التي وقعتها فرنسا تعترف بالحق في المعرفة وشفافية الأرشيف.
إعادة الاعتبار لمادة التاريخ
بالنسبة لحماية ذاكرتنا الوطنية قال دليوح، إن هذا الأمر لن يتأتى إلا بإعادة الاعتبار لمادة التاريخ في كل الأطوار الدراسية، بدءاً بالإبتدائي إلى غاية الجامعة وإدماج مادة التاريخ في كل الشُّعَب بما في ذلك التقنية والتكوين المهني، وإعادة الإعتبار لكل معارك جيش التحرير الوطني والمقاومة الشعبية عن طريق سنّ قانون تجريم الاستعمار وكذلك عن طريق الاحتفال بالمناسبات الوطنية المخلدة للذكرى الإستعمارية وإعطائها الطابع المناسب، وكذا تسهيل عملية البحث في تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة الشعبية والثورة والتكفل بالباحثين في هذا المجال.
بالإضافة إلى رفع معامل تدريس مادة التاريخ، والرفع من الحجم الساعي في هذه المادة، إضافة إلى إدراج تفصيلي في برامج مادة التربية الوطنية وتاريخ الثورة لإبراز جرائم فرنسا وإعادة تفعيل قانون تجريم الاستعمار. وبحسبه، فإن هذا الأخير أصبح ضرورة ملحة ومن حق الشعب الجزائري والذاكرة التاريخية، قائلا: “لا يجب أن نربط الانتكاسة التي حدثت مع تقرير ستورا بالمطالبة بإعادة تفعيل هذا القانون، لأن الإستعمار هو جريمة في حد ذاته. 132 سنة وهي تُقتِّل في الشعب الجزائري وتنهب خيراته فهذا مجرم ولا يجب أن يكون في سياق الرد”.
وأضاف دليوح، أنه لا يجب أن نجعل من تاريخنا مجالا للرد على ألاعيب السياسة الإستعمارية الفرنسية ومن هنا نبدأ باحترام تاريخنا ونخرجه من سجاله السياسي. مشيرا إلى أنه إذا احترمنا تاريخنا، نتأكد أن المستعمر القديم وكل شعوب العالم سوف تحترمك، فما بالك بدول بدون تاريخ وبدون هوية واستطاعت صناعة التاريخ من خرافات مؤسسة بفضل اعتنائها واهتمامها بمادة التاريخ، وقال: “الجزائر دولة تاريخها غني عبر كل الحقب التاريخية منذ ما قبل التاريخ إلى التاريخ المعاصر، وهي تهمل هذا التاريخ والدليل مثل هذه الانتكاسة الأخيرة التي يتولى فيها أشخاص إداريون ملف الذاكرة”.