طباعة هذه الصفحة

ما زال رهينة محدّدات ذاتية واختراقات خارجية

الاتحاد المغاربي يبنى أيضا بالتعاون الثنائي

حمزة محصول

يعجز اتحاد المغرب العربي عن تجاوز العقبات التي عرقلت طموحه في بناء تكتل إقليمي مماثل لكافة التكتلات الجهوية في القارة الإفريقية أو القارات الأخرى، ويبدو واضحا مدى الصعوبة التي يواجهها في تخطي حالات اللاّانسجام في المواقف حيال قضايا مركزية للشعوب المغاربية قبل القادة.
تملك دول المغرب العربي كل المقومات لبناء أقوى مجموعة اقتصادية في إفريقيا، لما تحوز عليه من شروط جغرافية وتجانس شعبي من حيث الثقافة واللغة والدين والتقارب، غير أن الأمور لم تتجاوز تشكيل هيئات وهياكل لم تحقق الممكن والمطلوب.
علّق تعثر بناء هذا الصرح، بكثير من الأسباب، تختصر غالبا في «الإرادة السياسية»، بالرغم من تأكيد رئيس مجلس الشورى للاتحاد المغاربي سعيد مقدم، في «منتدى الشعب»، على ضرورة حصر المهمة الإستراتيجية للهيئة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، واقترح تغيير التسمية إلى «المجموعة الاقتصادية لدول المغرب العربي»، بدل «اتحاد المغرب العربي».
لكن، هل يمكن حقيقة فصل الطموح الاقتصادي عن الخيارات السياسية الوطنية لبعض الدول، خاصة إذا كانت هذه الخيارات تتعارض مع الإجماع التاريخي والمبادئ المؤسسة لجامعة الدول العربية ككل؟
الواضح أن نهضة الصرح المغاربي الذي يوصف دائما بحلم «الأجداد» وأمل «الشعوب»، مرهونة بمحددات الخيارات السياسية الوطنية، ومدى انفتاحها على الجوار الإقليمي، ويكفي التنقل عبر الطريق السيار شرق-غرب، باتجاه الحدود النهائية لولاية تلمسان، لاكتشاف حجم الفارق بين هذه المحددات.
فهذا الطريق الإستراتيجي ينتهي أو ينطلق من النقطة الحدودية التي تفصل تلمسان عن مدينة وجدة المغربية، ويقابل الإسفلت الجزائري سياج حديدي مغربي، يمتد على مسافة 110، تقرر بناؤه لمواجهة ما تزعم السلطات المغربية أنها تهديدات مغربية قادمة من الجارة الشرقية.
في هذه النقطة الحدودية، يتجلى بشكل واضح «نفاق الدبلوماسية»، المغرب الذي يتقن لعب دور الضحية، للتحايل على قاعدة «المعاملة بالمثل» أو»البادئ أظلم»، في مسألة فتح الحدود، بينما لم يقم بتهيئة شبر واحد بمحاذاة الطريق السيار شرق-غرب، وترك الجهة المقابلة على حالها عبارة عن أحراش غابية.   
ويمكن للطريق السيار أن يشكّل شريانا للحياة الاقتصادية من المحيط الأطلسي إلى قناة السويس بمصر، لو توفر عنصر أساسي يتجاوز الإرادة السياسية إلى صدق النوايا، لذلك لا ينبغي الاستغراب من كون الفضاء المغاربي هو الأضعف من حيث المبادلات التجارية (2 بالمائة) مقارنة بباقي المجموعات الاقتصادية الأربعة في إفريقيا.
العراقيل التي حالت دون التجسيد الفعلي للتكتل، لا تتوقف على عوامل داخلية فحسب. فالعامل الخارجي لطالما كان سببا موضوعيا، في ظل التقديرات التي تتحدث عن خسائر بملايير الدولارات للاتحاد الأوروبي، في حالة تحقيق اندماج اقتصادي مغاربي.
هذا العامل، وبالرغم من القوة التي يبدو عليها، لكونه يرتبط بمصالح جيواستراتيجية كبرى، إلا أن التغلب عليه كان ممكنا جدا، بفعل إرادة الشعوب المغاربية التي طالما تغلبت على كل العقبات ومحاولات التفرقة والاستغلال الدنيء لروابطها في السياسية.
غير أن التطورات الأخيرة، وقدوم الكيان الصهيوني إلى المنطقة، بالرغم من أنه العدو التاريخي المشترك للشعوب المغاربية والعربية، يراد لها أن تكون اختراقا مدمرا للثوابت المشتركة، فالتطبيع الحاصل في المغرب يريد عرّابه أن يتحول إلى حالة قبول، وكسر المشاعر المعنوية الرافضة لهذا الكيان الغاصب والمحتل.
وعلى ضوء كل هذه العقبات، يمكن البناء على العمل الثنائي والمتعدّد بين الدول المغاربية، والنتائج الملموسة التي يجري تحقيقها من خلال المعابر البرية الحدودية فقط.